عرض مشاركة واحدة
قديم 26-12-2008, 04:28 PM   #8
فهد القحطاني
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد القحطاني
فهد القحطاني غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1778
 تاريخ التسجيل :  Jan 2008
 أخر زيارة : 30-04-2023 (02:16 PM)
 المشاركات : 1,033 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 7402
لوني المفضل : Green


،


[align=right]عندما كانت بيروت تنام بين ذراعيّ
كسمكةٍ اخترقها رمح
جاءني هاتف من دمشق يقول :
(( أمك ماتت ))
لم أستوعب الكلمات في البداية
لم أستوعب كيف يمكن أن يموت السمك كلّه في وقتٍ واحد ..
كانت هناك مدينة حبيبة تموت .. اسمها بيروت
وكانت هناك أم مدهشة تموت .. اسمها فائزة ..
وكان قدري أن أخرج من موتٍ ..
لأدخل في موتٍ آخر ..
كان قدري أن أسافر بين موتين ...
فهل كانت مصادفة أن تموت بيروت ..
وتموت أمي في وقت واحد ..

........
يعرفونها في دمشق بأم (( المعتز ))
وبالرغم أن اسمها غير مذكور في الدليل السياحي
فهي جز من الفولكلور الشامي .
وعندما تصل إلى دمشق ..
فلا ضرورة أن تسأل شرطي السير عن بيتها ..
لأن كل الياسمين الدمشقي يهرهر فوق شرفتها ،
وكل الفل البلدي يتربى في الدلال بين يديها ..
وكل القطط ذات الأصل التركي ..
تأكل .. وتشرب .. وتدعو ضيوفها .. وتعقد اجتماعتها ؛
في بيت أمي .

.......
نسيت أن أقول لكم ، أن بيت أمي كان معقلا للحركة الوطنية
في الشام ،
وفي باحة دارنا الفسيحة
كان يلتقي قادة الحركة الوطنية بالجماهير .
وبعد كل اجتماع شعبي ، كانت أمي تحصي عدد الضحاياها
من أصص الزرع الذي تحطّمت ..
والشتول النادرة التي انقصفت ..
وعندما كانت تذهب إلى أبي شاكيةً له خسارتها الفادحة ،
كان يقول لها رحمه الله ، وهو يبتسم :
( سجّلي أزهارك في قائمة شهداء الوطن .. وعوضك على الله ) ..
وتخجل أمي من سخرية أبي المبطّنة ، ولكنها في نفس الوقت
تشعر بهزة عنفوان ، لأن بيتها صار بيت الوطنية ..
ولأن أزهارها ماتت من أجل الحرية ..

.......
أمي لا تتعاطى العلاقات العامة ، وليس لها صورة واحدة
في أرشيف الصحافة .
ولا تقطع كعكة عيد ميلادها أمام أضواء الكاميرات ..
ولا تشتري ملابسها من لندن وباريس ، وترسل تعميما
بذلك إلى من يهمه الأمر ...
ولم يسبق لها أن استقبلت مندوبة أي مجلةٍ نسائية ،
فأميّ (( دقة قديمة )) ..

.......
قهوة أمي مشهورة ..
فهي تطحنها بمطحنتها النحاسية فنجانا .. فنجانا
وتغليها على نار الفحم .. ونار الفحم
وتعطرها بحب الهال ..
وترش على وجه كل فنجان قطرتين من ماء الزهر ..
لذلك تتحول شرفة منزلنا في الصيف ..
إلى محطة تستريح فيها العصافير ..
وتشرب قهوتها الصباحية عندنا ..
قبل أن تذهب إلى الشغل ..

......
وزارة زراعة كانت هذه المرأة ..

.....
بموت أمي ..
يسقط آخر قميصٍ صوفي أغطي به جسدي ..
آخر قميص حنان ..
آخر مظلة مطر ..

......
أمي متفشية في لغتي ..
كلما نسيت ورقة من أوراقي في صحن الدار ..
رشتها أمي بالماء مع بقية أحواض الزرع ..
ولذلك يقولون عن قصائد أنها ( مكيّفة الهواء ) ..
ويشترونها من عند بائع الأزهار ..
لا من المكتبة ..

......
كلما سألوها عن شعري ، كانت تجيب :
ملائكة الأرض والسماء .. ترضى عليه "
طبعا .. أمي ليست ناقدة شعرٍ موضوعية..
ولكنها عاشقة . ولا موضوعيّة في العشق .
فيا أمي . يا حبيبتي . يا فائزة ..
قولي للملائكة الذين كلفتهم بحراستي خمسين عاماً ،
أن لا يتركونني ..
لأنّي أخاف أن أنام وحدي ..[/align].

[align=left]قصيدة ؛ حطّمت قلبي . لـ نزار قباني [/align].


 
 توقيع : فهد القحطاني

،

سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم


.


رد مع اقتباس