منتديات المرقاب الأدبية - عرض مشاركة واحدة

17-01-2009, 11:59 AM

[align=center]

[/align]

[align=center]مِحن الشعراء والأدباء
وما أصابهم من السجن والتعذيب والقتل والبلاء

د. يحيى الجبوري

الطبعة الأولى – 2003[/align]
[align=center]يُمهد المؤلف لكتابه هذا بنبذة عن (مسيرة العنف في التاريخ الإسلامي)، ومن ثم يذكر أبرز أشكال التعذيب والقتل: (قطع الرؤوس، الصلب، سمل العيون، تقطيع الأعضاء، الحرق، الجلد، السلخ، تكسير العظام، خلع الأضراس وقلع الأظافر، التشهير .. وغيرها).

ومن النماذج التي جاءت في الكتاب:[/align]
[align=center](أبو نُخيلة)
ذُبح وسُلخ وجهه (سنة 147هـ)[/align]
[align=center]أبو نُخيلة بن حزن بن زائدة، وأبو مخيلة اسم الشاعر لا كنيته، وسمي أبا نخيلة لأن أمه ولدته إلى جانب نخلة، وكان أبو نخيلة أسود ومشكوكاً في نسبه، وقد نفاه أبوه عنه نفسه لأنه كان عاقاً بأبيه، فخرج إلى الشام وأقام هناك، إلى أن مات أبوه، ثم عاد، وأثناء خروجه على الشام تأدب بالبادية، حتى سار شعره في البدو والحضر، ورواه الناس، واتصل بالخلفاء، ومدحهم فأغنوه، ولكن الشاعر كان قليل الوفاء مُتقلباً.

ودخل أبو نخيلة على أبي العباس السفاح، فاستأذن في الإنشاد، فقال له السفاح: لعنك الله، ألست القائل لمسلمة بن عبدالملك:
أمسلمة يا نجل خيرِ خليفةٍ **** ويا فارسَ الهيجا ويا جبلَ الأرضِ
شكرتك إن الشكر حبلٌ من التُقى وما كلُ ما أوليتهُ نعمةٌ يقضي
وألقيت لما أن أتيتُك زائراً **** عليّ لحافاً سابغ الطولِ والعرضي
وأحييت لي ذكري وما كان خاملاً **** ولكن بعض الذكرِ أنبهُ من بعضِ

وقال له أبو العباس: لا حاجة لنا في شعرك، إنما تنشدنا فضلات بني مروان، فقال له: ياأمير المؤمنين:
كنا أُناساً نرهبُ الأملاكا **** إذ ركبوا الأعناق والأوراكا
قد ارتجينا زمناً أباكا **** ثم أرتجينا بعده أخاكا
ثم أرتجينا بعده إياكا **** وكان ما قلتُ لمن سواكا
زوراً فقد كفّر هذا ذاكا

فضحك العباس وأجازه، وقال: إن التوبة لتكفر ما قبلها.

وكانت قاصمة ظهر هذا الشاعر الطامع المنافق، أن تعاطى السياسة، فدخل بين عمالقة السلطة، فصيّر نفسه أداةً بيد المتنافسين، وكان الخليفة المنصور أراد أن يخلع عيسى بن موسى من ولاية العهدن وأن يُقدم المهدي على نفسه، وقد خضع عيسى بن موسى وهو كاره، حتى صار يهزأ به مُجان أهل الكوفة، فيقولون حين يمر بهم: "هذا الذي كان غداً فصار بعد غد"

فقال في ذكر البيعة لمحمد المهدي:

قد رضينا بالغلام الأمردِ ****وقد فرغنا غير أن لم نشهدِ
وغيرَ أن العقد لم يؤكدِ****فلو سمعنا قولك امدُد أمدُدِ
كانت لنا كزعقة الوِرْدِ الصّدي****فنادِ للبيعةِ جمعاً نحشُدِ
في يومنا الحاضرِ هذا أو غدِ****واصنع كما شئت ورُدَ يُرددِ

وقيل: إن أبا نُخيلة أظهر هذه القصيدة التي رواها الخدم والخاصة، وتناشدتها العامة، فبلغت المنصور، فدعا به، وعيسى بن موسى عنده جالس عن يمينه، فأنشده إياها، وأنصت له حتى سمعها إلى آخرها، قال أبو نخيلة: فجعلتُ أرى فيه السرور، ثم قال لعيسى بن موسى: ولئن كان هذا عن رأيك لقد سرَرْتَ عمّك، وبلغت مرضاته، أقصى ما يبلغه الولد البار السارُ، فقال عيسى:  قد ضللتُ إذاً وما أنا من المُهتدينَ

قال أبو نخيلة: فلما خرجت لحقني عُقال بن شبة، فقال: أما أنت فقد سررتَ أمير المؤمنين، ولئن تم الأمر، فلعمري لتصيبن خيراً، ولئن لم يتم، فابتغ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء، فقال أبو نخيلة: (علقت معالقها وصر الجندب)

وقبض أبو نخيلة جائزته، وهي ألفا درهم، وخُلع عيسى بن موسى، ولكن أبا نخيلة لم يهنأ بجائزته، فقد بعث عيسى بن موسى في طلبه، فهرب، وخرج يريد خراسان، فبلغ عيسى خبره، فجرد خلفَهُ مولى له يقال له قطري، معه عدة من مواليه، وقال له: نفسك نفسك أن يفوتك أبو نخيله، فخرج قطري في طلبه مُغذاً للسير، فلحقه في طريقه إلى خراسان، فقتله وسلخ وجهه.

وفي رواية أن قطرياً أخذ أبا نخيلة وكتّفه وأضجعه، فلما وضع السكين على أوبداجه، قال: "إيه يا ابن اللخناء، ألست القائل: (علقت معالقها وصر الجندب)، الآن صر جندبك، فقال: لعن الله ذاك جندباً، ماكان أشأم ذكره. ثم ذبحه قطري، وسلخ وجهه، وألقى جسمه إلى النسور، وأقسم أن لا يريم مكانه حتى تمزق السباع والطيور لحمه، فأقام حتى لم يبق منه إلا عظامه، ثم انصرف.[/align]