التاريخ ( 4 ) الثلاث البيض
أعضاء منتدى المرقاب اسعد الله مسائكم بالخير .
في هذه السلسة التاريخية نتطرق إلى بعض المواضيع التي كثير ماتمر علينا في الموروث الشعبي . سواء كان في قصه أو بيتٍ من الشعر .
إذا كان هناك بعض الإسقاطات أرجو التوضيح حتى تعم الفائدة للجميع .
يقول خير الدين الزر كلي في كتابه (مارأيت وما سمعت ) المطبوع سنة 1927 وكانت هي خلاصة رحلته إلى الحجاز وكان من ماتطرق فيه في ذالك الكتاب عن أهمية الثلاث البيض قائلاً
( أن عرب البادية يسـتبيحون دم من يمســها أو ينكس بها )
وهي الضيف – الجار – الخوي
كما إنهم وضعوا لها كلمات سجعيه حتى تزداد شرفاً لهم ومنها:
الضيف السارح – الطنب السابح – الخوي البارح
ويقولون في بعض المناطق
جار الطنب – خوي الجنب - الضيف إذا طب
وسميت بالثلاث البيض لأنها تبيض وجه من دافع عنها أو قتل دونها والسواد لمن تهاون بها . وتعتبر مفخرة له على مدى الدهر ، وحامي الثلاث البيض يعتبر رجل ذا قيمة كبيرة عند ربعه وعند القبائل كافة .
والثلاث البيض هي من العادات والأخلاق الحميدة عند العرب حتى في الجاهلية . كانت العرب تفتخر بهذه الخصال الحميدة وكثرت في أشعارهم المدحية التي يمتدحون بها شخص معين أو قبيلة معينه ، وهي من الصفات والأخلاق الرفيعة التي أتى الإسلام ليتممها كما قال عليه الصلاة والسلام فيما معناه (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))
يقول خير الدين الزر كلي (للباديه عناية عظميه وانظمه خاصة في الثلاث البيض منها أن من خفرت ذمته بأن قتل جار أو ضيف أو خوي وأعياه الوصول إلي القاتل أو عجزه عن الأخذ بالثأر رفع شكواه إلي كبير عشيرته فأن كان القاتل من قبيلة أخرى ذهبوا إلي تلك القبيلة وأخبروا شيوخها بالأمر طالبين منهم أن يساعدوهم على (النـــقا ) بمعنى الأخذ بالثأر . وعلى الشيوخ أن يقدموا لهم القاتل أو أحد أقربائه فيقتلوه به أمامهم ثم يعود الآخذون بالثأر فيدعون مشائخ تلك القبيلة ويقيمون لهم أعلاماً بيضاء خاصة معروفه لديهم اشاره إلي أن هذه القبيلة "بيض الله وجهها"
قد أعانتهم على الاحتفاظ بإحدى الثلاث ...
ومتى ما جاء موسم الحج يقف أحدهم في عرفات فيسمي تلك القبيلة بأعلى صوته ويحييها على وفائها وكذلك إن كان القاتل من قبيلة المضيف فأنه يحدث شيوخ قبيلته بالخبر وعلى أهل القاتل أن يحضروه ليقتل أمامهم )
الضيف / هو الذي نزل على احدهم وأكل عنده وسرح فأن قتله أحد في طريقه وجب على مضيفه الأخذ بالثأر . ناهيك إذا تم الاعتداء عليه في داخل البيت فأن المصيبة أعظم .
ومن الأمور المتعارف عليها عند البادية إن الضيف السارح لاتصح عليه هذه التسمية مالم ينزل ويأكل من طعام المضيف ولو لقيمات من الخبز أما من جاء فطلب ماء أو لبناً فشرب وسرح فلا يعدونه ضيفً ولا يعنون بشأنه بعد مفارقته لهم.
ومن غرائب الضيافة وحسن استقبالها ماحدث عند قبيلة شمر عندما أتى رجل من قبيلة عنزه ضيفاً على ألشمري فقام الأخير بأعداد الضيافة له وكانت وجبة غداء فآخذو جيرانه بتهافت عليه لمشاركة الضيف . فأتى رجل من نفس القبيلة ماسكاً بِخطام جمله فحينما أناخه عرفه الضيف وكان بينه وبين صاحب الجمل سوء خلاف لايعرفونه البقية فقال العنزي للشمري اهذا فلان قال نعم . قال والله لأن أشاطره زادك ولن أكون معه في صحن . قال ألشمري لك ما اردت سوف أضع صحنين واحدٍ لك وواحد له قال والله لن يأكل من ضيافتي . قال ألشمري لك ما أردت فسوف اذبح اثنتين واحده لك وواحدة له . قال العنزي والله لا أطيق مقابلته في بيتك قال ألشمري لك ما أردت فقام إلى ابن عمه صاحب الجمل قبل دخوله إليهم واخبره بالموضوع فنصرف عنهم .
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه )
الجار / أو جار الطنب أو الطنب السابح جميعها كنايه عن قرب الجوار وملاصقته لهم في المكان الذي يقطنون به. خاصة إذا كان من قبيلة أخرى وقد أوصى به النبي خير فقال (( مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه )) وجاء في حديث أخر في ما معناه (( إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بسابع جار )) وقال بعض العلماء أي سابع جار في كل اتجاه . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره ) .
بل أن عظم من ذالك إن حق الجوار يلزم مع المشرك فما بالك بالمسلم الذي حرم دمه وماله وعرضه . طها النبي صلى الله عليه وسلم في بيته بعض الحم
فقال( أرسلوا لجارنا اليهودي من مرقه هذا اللحم ) وجاء في سورة النساء تصنيف الجار الى قسمين (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )
ومن القصص التي يعرفها الجميع في حسن الجوار قصة مهمل المهادي ألعبيدي وجاره مفرج السبيعي الذي قام الأخير بقتل ابنه حشمه للجوار ولا داعي لذكرها (لطول ألقصه ) . ومن الغرائب في حسن الجوار عند البادية . إذا دارت الحرب بين قبيلتك وقبيلة جارك وجب عليك حمايته من أبناء عمومتك حتى لايتم الاعتداء عليه وهو جار لك فأن ذالك يعتبر ( سواد وجه ) ومن القصص الغريبة في ذالك ماحدث قبل فتره من الزمن لرجل من قبيلة دعد من هذيل حيث قام رجال من قبيلة أخرى بقتل أخيه على مورد ماء وكان لهذا الدعدي جار من هذه القبيلة وأتى جماعة الدعدي يريدون أن يأخذوا بثأرهم من جاره ، فتصدى لهم بكل صلابة وقوة ومنعهم من الاعتداء على جاره رغم أن المقتول أخوه ، فقالوا له جماعته تمنعنا عنه وجماعته قتلوا أخيك ؟ فقال لهم (( أتريدون أن تصيبوني بمصيبتين في وقت واحد قتل أخي وسواد وجهي ؟ )) )) ثم تركوه وذهبوا . فقام بالتلطف لجاره وقال له إن أحببت أن تقيم معنا فأنت جاري وروحي قبل روحك ، وإن أردت الذهاب لأهلك وجماعتك فأنت في حمايتي حتى تصل قومك . فطلب الرجل اللحاق بأهله وجماعته . فقام بحمايته حتى وصل إليهم .
الخوي / هو رفيق الدرب أو صاحبك في السفر أو صديقك الذي عشت معه وأكلت معه الزاد والملح فأنت مطالب بالدفاع عنه وحفظ الأخوة والصداقة له على مدى الدهر وواجب عليك زيارته والسؤال عنه وعدم الغدر به فكل ذلك يعد من بياض الوجه عند العرب ، حتى لو حدث بينك وبين أقاربه نزاع أو قتال أو حرب فإنك تتحاشى أن تقاتله وتحفظ أخوته حتى في أحلك الظروف وأصعبها . ومن اشهر القصص في ذالك ما حدث بين همام ابن مره البكري وسالم المهلهل التغلبي حيث كان الأخاء ذا رابط قوي بينهم فكان كلاً منهما يتحاشى الأخر في النزال والحرب
وعند بعض القبائل إذا سار 7 خطوات أصبح خويه ووجب عليه أن يقاتل معه ويحميه .
ومن قصص حفظ الأخوة ماحدث في عام 1060هـ مع الشيخ هملول الجعيد شيخ قبيلة الجعده في مامضى وهو صاحب الأبيات المشهور التي بتناقلها الرواة منها
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
شبو لنا في عالي البرث نيره=ويشبها الي مادرى عن شبوبها
نفاعي ليا جا ضربنا من قباله=طفيحي ليا جاء خرزها من جنوبها [/poem]
وايضاَ
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أن شال الجمل عشرين من=ما ضر الجمل ربع الوقيه[/poem]
وابيات اخرى من قصيده
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ياسيدي جيتك بجمع عتيبه =من السراه اليا الطراه
الي جرب ولي صحيحٍ جيبه=اباك تمنعهم من المطلاه[/poem]
كان الشيخ هملول بصحبة احد رفاقه من قبيلة بالحارث فوصلوا إلى إحدى ديار عتيبة . فحينما وردو على البئر تصدى لهم احد الرجال وقال ياهملول ونا ابن عمك ورد ذلولك وأملا قربتك أما ذلول ألحارثي والله ماتارد . قال الشيخ هملول إن كان انا بن عمك صحيح ماترضى الضيم على رفيقي إلي يبيض وجهي يبيض وجهك . قال ذلول ألحارثي تارد الدم قبل الماء . قال هملول والله لتشرب ذلوله قبل ذلولي ويملا قربته قبل قربتي . فقام الرجل بضرب قربة الحارثي بالعصا فنشق جزء منها فتناول الشيخ هملول بندقيته ورمى بها الرجل فأرداه قتيلاً فوردة ذلول خويه وذلوله
فكان على هملول واجب المحافظة على رفيقه لأمرين :
أولهما / انه يسير في ديارهم وبين مساكن قبيلته ( ناهيك عن بعد المضارب لأن الديار تشملها مسمى القبيلة ) ومن سابع المستحيلات أن يقوم ألحارثي بالدفاع عن نفسه وهو محاط بقبيلة صماء مهما بلغة الشجاعة ذروتها
ثانياً / انه رفيق دربه وتلزم معه أخوة الطريق ( إحدى الثلاث البيض) .
|