* سأذكر لك بعض الإصدارات التي حققت أرقام مبيعات عالية في معرض الرياض الدولي الأخير للكتاب ، أتمنى التعليق عليها بإيجاز :
- القبيلة والقبائلية هويات مابعد الحداثة :
لن أتحدث عن كتابي ، فقط أقول شكراً لمن قرأه واهتم باقتنائه .
- شارع العطايف لعبدالله بن بخيت :
من أفضل الروايات التي عرضت في معرض الرياض الأخير .
- بناتي لسلمان العودة :
لم أقرأ كتاب سلمان العودة ، لكنني إجمالاً أحب شخصه وفكره ومعجب به ، فهو مكسب لنا ولثقافتنا .
- ماتبقى من أوراق محمد الوطبان لمحمد الرطيان :
لم أقرأ رواية الرطيان أيضاً ، لكن محمد كاتب ذكي وجميل ، وأنا احترمه واحترم قلمه .
- الحمام لايطير في بريدة ليوسف المحيميد :
لو أن يوسف المحيميد أراح نفسه من كتابة الرواية لكان أفضل ، ولو صرف الوقت الذي صرفه في كتابتها ، لقراءة روايات وأعمال جيدة تفيده ، لكان أجدى .
*انتقدت المناهج الدراسية نقداً لاذعاً في كلمة أمام الملك عبدالله أثارت حينها استياء القائمين على التعليم ، اليوم بعد مرور ثلاث سنوات هل ترى أي تغيير أو تقدم ؟
مشكلة المناهج ليست لدينا فقط ، هي أيضاً في دول أخرى كثيرة ، في كلمتي أمام الملك كنّا في سياق الحديث عن الغلو حينها ، وقلت أن في مناهجنا ما يمس شرائح معينة في المجتمع ، ولا يكتفي بوصفها بالكفر ، بل ويدفعها لتقول عن نفسها أنها كافرة ، أنا كنت أهدف إلى معالجة هذا الخلل ، سأعطيك مثالاً لتتضح الصورة ، المسلم في أمريكا أو كندا لو درس منهج يجبره على قول أن المسلم كافر أو فاجر أو مجرم ، وكان هذا جزء من المنهج الذي يدرّس له ، ويطلب منه إجتيازه عن طريق الاختبارات ، هل كان سيرضينا هذا ؟.
ما انتقدته في المناهج كان يشكل خطراً كبيراً على السلم الاجتماعي ، يجب إزالته ، وأظن أن الملاحظات التي أوردتها عولجت فيما بعد ، وهناك مشاكل لازالت قائمة لم تعالج ، كمشكلة الأرقام الكبرى للدارسين ، فمن خلال تجربتي التي امتدت لنحو 32 عاماً ، اكتشفت أن المجاميع الصغيرة للدارسين هي السبيل الأمثل لتحقيق فاعلية التعليم ...، الرقم الكبير مأساة ، وهدر للجهد ، وإضعاف للفاعلية ، وهذا ينعكس على المخرجات ، التي تبدو هزيلة مثلما هي اليوم .
*يراهن الكثيرين على الصحافة الالكترونية في ظل ارتفاع سقف الحرية المتاحة لها..وأنها ستسحب البساط من الصحافة الورقية..مارأيك ؟
لا لن تسحب البساط ، فالكتابة لم تلغي الشفاهية في النقل ، والتلفزيون والإذاعة لم يلغيان الكتابة...، الصحافة الالكترونية سحبت شرائح كبيرة من جمهور الوسائل الأخرى نعم ، لكن لم ولن تسحب البساط من الصحف الورقية .
*لكن هامش الحرية المتاح فيها أوسع ؟
نعم ، وهذا لأن الصحافة الالكترونية ليس عليها رقيب وهذا شيء ايجابي...أنا نصير الحرية أياً كانت ، حتى وإن كانت غير مسؤولة أحياناً ، لكن لابد من أن نتقبل هذا الأمر إلى حين الحصول على حرية كاملة ومسؤولة .
*هل تتابع الصحف الالكترونية ؟ وماهي صحيفتك المفضلة ؟
حقيقة لا ، أنا لازلت رجلاً تقليدياً ، وأقرأ بالطريقة التقليدية .
* قال أحد الكتاب السعوديين في الشارع السعودي تجد كل الشوارع ولا تجد الشارع السعودي ... ، هل توافقه ؟
هذه فهلوة ولعبة لفظية ، يجب أن نأخذها كما هي دون محاولة تفسيرها ، هي مثل النكتة ، فالنكتة تفسد إذا حاولنا إخضاعها للنقاش العلمي .
*ثقافة القطيع تستشري في المجتمع السعودي بشكل واضح ، إلى ماذا ترجعها ؟ وكيف ترى أثرها في بنائه وتقدمه ؟ وهل هي معول هدم للمشاريع الثقافية ؟
القطيع أرى أنهم ليسوا مؤثرين بالدرجة التي تجعلهم يعطلون المشاريع الثقافية ، فالثقافة لا تعنيهم أصلاً ، ثقافة القطيع موجودة في كل مكان ، حتى في بريطانيا التي عشت فيها فترات طويلة ومتقطعة ، الناس يصدقون كل ما يطرح في الإعلام بسذاجة غريبة .
*لكن الإعلام لديهم حر ، وليس موجّه ، لذلك هم يثقون به؟
ومن قال لك إن الناس لدينا ، يتعاطون مع الإعلام الموجّه ، هم يتابعون الإعلام الحر غير إعلامنا الرسمي...، الصحافة مقرؤة لدينا وموثوق بها نوعاً ما ، لكن الإذاعة والتلفزيون لايحظيان بثقة المتلقي المحلي ولا متابعته ، ربما أن الإذاعة أفضل حالاً مقارنة بالتلفزيون ، فتلفزيوننا الرسمي حالته تعيسة يارجل ، وأشك في أن هناك من يشاهده ، الناس تركت الإعلام الرسمي وأخذت تتلقى من بدائل أخرى ، الشريط ، خطيب الجمعة ، الانترنت ، الفضائيات .
*في أماكن أخرى يسمون الانترنت العالم الافتراضي ، بينما يرى البعض أن الانترنت لدينا هو العالم الحقيقي ، هل ترانا نخلع أقنعتنا أمام الكمبيوتر ؟
نعم ، الانترنت تتيح للمرء كامل الحرية لقول مايشاء ، وهو يلجأ لها للخروج من الضغوط التي توشك أن تجعله ينفجر ، فالكبت خطير ، وخطير جداً .
*ولكن يادكتور نحن نتحول لأناس آخرين حينما ندلف إلى الانترنت ، تتبدل أخلاقياتنا ، وسلوكياتنا ، وأفكارنا وقناعاتنا ، ثم ما نلبث أن نعود كما نحن حينما نغلق الكمبيوتر...هل هذا ازدواج في الشخصية ؟
الناس في الانترنت يمارسون كل مايمنعه الرقيب ، سواءً الرقيب السياسي ، أو الاجتماعي ، أوحتى الذاتي ، الانترنت مثل الحمّام تماماً ، فالمرء يتعرى في الحمام ليستحم ، وفي الانترنت يتعرى ليحمم داخله ، دون أن يسأله أحد .
*ذكرت سلطة المجتمع...هل هي قوية لهذه الدرجة ؟ هل تراها أقوى من سلطة الدين ؟
نعم ، وأكثر ، الدين ليس سلطة ، الدين راقي وجميل ورائع ، نهج نبينا صلى الله عليه وسلم مثال ونموذج في التعامل حتى مع الآثمين ، لكن المشكلة فيمن يرون أنفسهم أنهم هم الدين ، ونصّبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع وتسلطوا عليه ، هم الذين جعلوا لسلطة المجتمع هذه السطوة ، هؤلاء يهدّون الجدار على أمل أن يجدوا خلفه شخصاً آثماً ليشهروا به ، رغم أن الدين ستر ...، أين هم عن هذا ؟
*أصبحت كلمة (هيئة) مقرونة بالإثارة أينما حلت ، كيف ترى دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ ومارأيك في الدعوات التي يطلقها بعض المثقفين بين حين وآخر لإلغائها أو ضمها للأجهزة الأمنية ؟
الهيئة حسبة ، والحسبة هي إقامة حقوق العباد ، كمنع الغش ، ونجدة المحتاج ، ومجموعة قيم نبيلة وراقية ، نحن أخطأنا في تقديم فهم معنى الحسبة ، فانشغلنا بتتبع عورات الناس .
إقامة الحسبة لايكون بالتجهم والتوتر والضغط ، بل يكون بالقدوة ، تخيل لو كان رجلاً يضرب ولده باستمرار ، هل سيحبه ولده أو سيمتثل لأمره ؟ طبعاً لا ، قديماً كانت ثقافة الضرب هي السائدة ، وكل يضرب الآخر ، الأب يضرب ولده ، والمعلم يضرب تلميذه ، والجار يضرب إبن جاره ، والأقران يضربون بعضهم البعض ، وكان هذا مقبولاً لأن الدنيا كلها ضرب في ضرب...الآن لا...الضرب أذى نفسي ومعنوي كبير ولا يُصلح شيئاً أبداً ، طريق الإصلاح الأمثل هو القدوة الصالحة .
*القبيلة هل هي عبء على كاهل المجتمع ، أم أداة للسيطرة على أفراده ، كونها لاتزال لدى البعض مرجعية مقدسة ؟
القبيلة ليست مرجعية مقدسة ، هذا افتراض ووهم خلقناه وصدقناه ، تماماً كصنم الوثني الذي يصنعه من التمر ويصدق أنه إلهه...، القبيلة فئات تكوينية وجدت لحاجات معنوية ، وصنعت لنفسها قيمها الخاصة ، مثلها مثل النقابات...ببساطة القبيلة هي عائلة كبيرة والعائلة قبيلة صغيرة ، فالقيم مشتركة بين بني البشر ، ولا يمكن إخضاعها للعرق ، إذاً لماذا نسلب العائلة الصغيرة قيمها فقط لأنها لا تنتمي لعائلة كبيرة (القبيلة) ؟.
مفهوم القبيلة الرائج حالياً لا يعدو كونه وهماً ثقافياً ، القبيلة جميلة حينما تكون غطاءً معنوياً لأفرادها ، بشرط ألا يوظف هذا الغطاء ضد الآخر ، عندها سيكون أمراً سلبياً .
التمييز بين بني البشر الذي جاءنا من الله مبني على التقوى ، لكن التمييز القبلي من صناعة البشر ، الذين وظفوا خصائص القبيلة ليجعلوها ميزة ، وهذا خطأ كبير ، فالتميز لا يكون إلا بالعمل ، لا بالعرق ... أنظر مثلاً إلى أوباما ، هل اعتلى سدة الرئاسة بعرقه ؟ لا...أوباما وصل بقدراته ، وإلا فهو ينحدر من أصول تعاني تمييزاً عنصرياً في المجتمع الأمريكي ، ورغم ذلك انتصر ...، انتصر بكفاءته وحسب .
*ظهرت في الآونة الأخيرة فعاليات ومناشط أسهمت في إعادة وهج القبيلة وإذكاء روح القبلية كمزاين الإبل ، وبرنامج شاعر المليون ، وغيرها...كراصد ومتابع للشأن الثقافي كيف تراها ؟
هي مظاهر ثقافية جميلة ، لكن إن جنحت لتكون دعوة للعنصريات فهذا تشويه لجمالها ، بل ومن الأمور الممقوتة ، لا أطالب بمنع النشاط لوجود عنصرية ، بل أطالب بمنع العنصرية وترك المظاهر الثقافية تستمر ...، في امتداد نسق العنصرية هنالك ماهو أسوأ من هذا ...، هناك من يستغلون الدين كغطاء للترويج للعنصرية أو لتكريسها ، وهناك من يستغل القيم العائلية السياسية لتمييز نفسه .
* المرأة تثار حولها الكثير من القضايا ، وكلٌ يدعي تبنيه الدفاع عنها...حدثنا عن رؤيتك لواقع المرأة في مجتمعنا ؟
من يدافع عن المرأة كثر الله خيره ، لكن لن يحقق لها المدافعون عنها شيئاً ، لأن خير من يدافع عن المرأة هي المرأة نفسها .
*وماهي قضية المرأة الكبرى التي يجب عليها أن تبدأ بها ؟
الإساءة الثقافية الكبرى للمرأة التي تستنقص من قدرها ، قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم كان نموذجاً في إنصاف المرأة ، كانت زوجته عائشة رضي الله عنها تقول "كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله" ، أي في خدمة أهله ، وكان لا يتحرج مما يتحرج منه كثير منّا من ذكر أسماء أمهاتنا وأخواتنا ...، كان يذكر اسم ابنته فاطمة على المنبر، ...هل منّا من يقوى على ذلك دون حرج ؟ ، وقس على ذلك أمور أخرى أكبر ..، أنا أقتدي برسولي ولا أتحرج من ذكر اسم والدتي فاطمة صالح الجهني رحمها الله ، ولا أتحرج من ذكر اسم زوجتي وبناتي ، وهذا ما علمته لطلابي .
* هناك طروحات سطحية تختزل حقوق المرأة في التحرر وقيادة السيارة .. ما رأيك ؟
قيادة السيارة حق للمرأة ، ولا يجوز منعها منه ، ومن يمنعها آثم .
*هل هذه فتوى يادكتور ؟
أنا لا أفتي ، ومن يزعم أنني ارتكبت محضوراً بكلامي هذا فليرد عليّ ، وليقم عليّ الحجة عندها سأتراجع... ، قيادة المرأة للسيارة أمر في حدود المباح ، أقبل أن تمنع إدارياً أو اجتماعياً لكن بشرط توضيح أسباب المنع ، وأن تكون منطقية .
*لكن الجهات الإدارية المخولة بالمنع والسماح تقول أن هذا قرار المجتمع ؟
ليتهم يعيدون كل شيء لقرار المجتمع ...، يأخذون القرارات إنابة عن المجتمع في كل القضايا ، وعندما يأتي الحديث على قيادة المرأة للسيارة ، يدعون أن القرار متروك للمجتمع ...مامعنى أن يتركوا هذه فقط للمجتمع ؟
*قال ادونيس ذات مرة إن عبدالله الغذامي ليس إلا إمام مسجد ، مالذي كان يريد قوله عنك ؟
أدونيس غضب لأنني وصفته في بعض كتبي أنه يمثل الحداثة الرجعية ، وأنه رجعي في فكره المعرفي والثقافي ، ولو أشدت به لقال إن الغذامي أعظم ناقد .
|