عرض مشاركة واحدة
قديم 08-06-2009, 06:18 PM   #63
محمد بلال
مستشار إداري


الصورة الرمزية محمد بلال
محمد بلال غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1920
 تاريخ التسجيل :  Nov 2008
 أخر زيارة : 12-05-2020 (10:29 PM)
 المشاركات : 17,650 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 60682
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Brown
هل أسقط خطاب أوباما نظرية هنتنجتون نهائيا






جدة: الوطن

لم تصمد طويلا نظرية الأمريكي صامويل فلبس هنتنجتون (1927 - 2008) التي أحدثت دويا هائلا حين نشر مقدماتها في مجلة فورين أريز عام 1993، على خلفية انتهاء الحرب الباردة وسقوط الدب الروسي، وتداعي جدار برلين، ثم قام بتطويرها وصدرت في كتاب بعنوان "صراع الحضارات" عام 1996، خلص فيها إلى أن الصدام بعد الحرب الباردة سينحو منحى ثقافيا تتصارع فيه الحضارة الغربية مع الحضارات الإسلامية والصينية (الكونفوشوسية) والهندية، وتقاطع في ذلك مع أطروحة نهاية التاريخ للأمريكي من أصل ياباني فوكوياما.

وإن كانت نظرية هنتنجتون، نظر إليها في العالم العربي والإسلامي على أنها المحرك الأساس للمحافظين الجدد، وسياسات الحكومة الأمريكية في حقبة بوش الابن، إلا أن هناك آراء ترى أن النظرية كانت ساقطة من أساسها، مما يستدعي التساؤل عن (هل مضامين خطاب أوباما الأخير في جامعة القاهرة، هي بمثابة الضربة الأخيرة القاضية لهذه النظرية التي شغلت العالم طيلة العقد الماضي خاصة في العالمين العربي والإسلامي؟).

من هذه الزاوية يرى أستاذ فلسفة التربية بجامعة أم القرى الدكتور محمد عيسى فهيم أن نظرية هنتنجتون ما كانت منصفة، وما كانت ستصمد أساسا لأن كثيرا من النظريات في العلوم الاجتماعية دائما معرضة للسقوط لأنها جزء من التوقع البشري، ولا تخضع للحتميات كالعلوم التطبيقية.

وإذا كانت نظرية هنتنجتون ساقطة من أساسها وغير منصفة بحسب رؤية فهيم، فإن أستاذة التاريخ بجامعة الملك سعود الدكتورة هتون الفاسي تتفق مع رؤية أن خطاب أوباما جاء معززا لهذا السقوط، حيث تقول لـ"الوطن": كان أوباما واضحا في خطابه أنه ضد مسألة صراع الحضارات التي اتكأ عليها هنتنجتون، حين استدعى مشروع تحالف الحضارات التركي ودعوة حوار الأديان لخادم الحرمين الشريفين، بل إنه ذهب بعيدا، مؤكدا على أن العداوات مسألة قابلة للتغيير، بل لاحظنا أنه حتى المصطلحات المعتادة في الخطاب الأمريكي لم يستخدمها، وبعضها مشروع ولكنه تجنب الإشارة إليها، لأنها أصبحت مشوهة مثل (الديموقراطية) التي تكلم فيها بحذر واقتضاب.

وحول ما إذا كانت نظرية هنتنجتون خاطئة من أساسها يرى الدكتور فهيم أنه قد تكون المسلّمات والفرضيات التي انطلق منها صحيحة، لكن الوقائع على الأرض تغيرت، خاصة إذا رجع الإنسان للعقلانية في لحظة صفاء، وأدرك أن بعض العداء غير مبرر.
ولا يستبعد الدكتور فهيم وجود من يحاول التقليل من آثار ومضامين خطاب أوباما، نظرا لوجود متطرفين في كل الاتجاهات، ولكن فهيم يبدي قلقه وخوفه من أن يختطف المتطرفون البقية، قائلا: المهم ألا تكون الكلمة لهم، بحيث لا يعبرون عن المجتمع، وأنا ضد أي نخبة تتكلم باسم المجموع سواء كانوا رجال دين أو ليبراليين، لا بد أن تكون مساحة وفرصة تعطى للناس لتعبر عن رأيها بعيدا عن الوصاية.

بينما لا يتردد الدكتور تركي الحمد في الإشارة إلى أن المسيحيين الجدد كانوا مستندين في رسم سياساتهم الخارجية على مقولة هنتنجتون الذي قسم الحضارات من منظور ديني، وتبنى بوش هذه المقولة بتحوير المبادئ التي انطلق منها الآباء المؤسسون لأمريكا، ولم يلتزم بالواقعية. ويصف الحمد أداء اليمينيين الجدد بأنه كان نوعا من الغياب عن الوعي، وينطلق من منطلقات غير واقعية، ففكرة تقسيم العالم إلى قوى دينية غير مقبولة، فالحضارة السائدة حاليا في كل العالم هي الحضارة الغربية، والعولمة تعتبر أكبر نقض لنظرية هنتنجتون.
والعالم كما حمل خطاب أوباما – يمضي الحمد في حديثه - سيتفق على مبادئ مشتركة تسود فيه، أساسياته (الحرية وحقوق الإنسان والمساواة وقيم الديموقراطية الحقة).

وعما إذا كان سقوط نظرية هنتنجتون بشكل لا مجال للشك فيه كما تتفق غالبية النخب والمراقبين، سيمهد الطريق أمام نشوء نظريات ثقافية جديدة يستغلها السياسي يقول الدكتور فهيم: النظريات في الغرب مثل الموضة، تأتي وتذهب وتختفي، مثل (نهاية التاريخ)، وهي تخضع أحيانا لألاعيب سياسية، وربما للمكنة الدعائية، على نحو ما حصل مع فوكوياما وهنتنجتون، ونستطيع أن نستشهد بالمفكر الأمريكي اليساري تشومسكي الذي له حضور كبير لكنه حضور يبقى مقتصرا في أطر النخب ولم تكرسه الآلة الإعلامية الأمريكية الجبارة.

وبينما يصف بعض المراقبين أوباما بأنه ذو خطاب أكاديمي قد لا يتواءم وطبيعة العمل السياسي، لا تتفق الدكتورة هتون مع هذه الرؤية وترى أن أوباما في خطابه مزج بين الأكاديمية والواقع السياسي، بحيث تواصل مع مضمون خطابه الساسة والعامة والأكاديميون بكل ما حمله من بساطة ولكن في عمق وذكاء حسب تعبير الدكتورة هتون.

في حين يبدي الدكتور الحمد مخاوفه من عدم إكمال أوباما ولايته الأولى مبررا هذه الخشية بأن توجهات أوباما التي تناقض تماما نظرية هنتنجتون قد تصطدم بمصالح مؤسسات قوية في أمريكا في مقدمتها المؤسسة العسكرية وجهاز الاستخبارات، وبعض النخب. لكن الذي لا شك فيه مطلقا، أن خطاب أوباما كان بمثابة ضربة قاضية لنظرية هنتنجتون وكل توجهات المحافظين الجدد.


 
 توقيع : محمد بلال






رد مع اقتباس