الشعر بلغة برايل في القطيف بأمسية في مركز رعاية المكفوفين

الصادق يقرأ إحدى قصائده بلغة برايل
القديح: حبيب محمود
ما بين نتوءات حروف لغة برايل وصفاء الذاكرة؛ كان الشعر «يتحمّس» و»يستظرف» بصوتي ناصر الصادق وسمير المسلم، في أمسية أقامها مركز رعاية المكفوفين بمحافظة القطيف، مساء الأربعاء الماضي.
كانت الفوارق واضحة بين الرجلين: شعراً وإلقاءً وتفاعلاً، لكن الأمسية حملت مغزى رمزياً لصالح رعاية المكفوفين التي يتولاّها المركز من جهة، ومن جهة أخرى لصالح ما يعنيه الشعر للناس في القطيف. ولذلك حضر شعراء من أجل الشعر، وحضر مكفوفون من أجل زميلين أتيح لهما منبر من المنابر!
وقد أراد المنظـّمون أن تكون الأمسية مُبصرة بأصوات مكفوفين، فافتتحوها بصوت المقرئ عبدالعظيم مدن، قبل أن تولـّى تقديمها طبيبٌ لديه ميول في اتجاه الشعر هو محمد جعفر حيان.
وحين جاء دور الضيفين؛ جهر صوتُ المسلم بمديحٍ خصّه للمركز الذي استضافه مدغدغاً حسّ الإنجاز لدى المنظمين، وما يعنيه المركز بوصفه مؤسسة اجتماعية خيرية تطوعية مشغولة بما يخصّ شريحة المكفوفين في المحافظة مادياً وصحياً واجتماعياً وثقافياً. وبقدر ما كانت القصيدة مديحاً محضاً؛ كانت أيضاً عملاً شعرياً استعراضياً بارعاً بالمقياس الكلاسيكي الجماهيري على وجه خاص.
وفي حين ألقى المسلم بإحساس خطابيّ مندمجاً مع نصّه ومستعيناً بذاكرة حديدية قلّما تتلكأ؛ كان زميله الصادق أهدأ صوتاً وأقلّ حماسة، وذا رتابة وهدوء، واستعان بأصابعه التي طاردت نتوءات لغة برايل على الورق لقراءة النصوص. النصّ الذي اختاره الصادق للبداية كان هزلياً يراود حسرات الخاسرين في سوق الأسهم. وواقع الأمر هو أن الصادق قدّم نفسه، في الأمسية عموماً، ناظماً يُحاول أن يمنح ما يراه باسماً وهازلاً وبعيداً عمّا هو عليه من حقيقة مُضجرة أو مملة. وفي إحدى جولاته قرأ قصيدة هي «النوم»، وهي إخوانية خاطب بها وكيل المدرسة التي يعمل فيها، بعد تكرار لومه إياه على التأخر. وكانت حجته «الظريفة» هي أن الحبّ يُسهره كثيراً.
على الطرف الآخر؛ كان المسلم يُقدّم نفسه شاعرَ جماهير معنيّاً بالتعبير عن رؤية وموقف، وهو يتفوّق على زميله في الأدوات والإمكانيات، كما في القاموس الشعري، كما في الحسّ النقدي. والأهم أن لديه حسّاً بصريّاً مباغتاً ونافذاً وقادراً على بناء الصورة عبر بناء لغوي جزل.. يقول في إحدى قصائده واصفاً:
يوم برمضائه بردٌ، وغربتهُ
كحفلة العرس، فيها كلّ منسجم ِ
ويقول في القصيدة ذاتها:
كأنه صهوة لم يُثنـِها خبـَبٌ
وما أغرّ بخيل ٍ عدوة الظـُلم ِ
صمّ الصياخيد أعطتهُ جلادتها
فكان أفدحَ كرار ٍ على اللمم ِ
وكان ألصق محبوباً بعاشقة ٍ
ما لملم الليل مأنوسين بالخيم ِ
وفي قصيدة أخرى يقول:
تطالعه الشموس وقد توالتْ
لتشرب ماءه لوناً زلالا
هذا اللون من الشعر، بما فيه من خطابية مُجاهرة بمضامين الإيديولوجيا، ما يزال محظوظاً بالمصغين والمصفقـين في القطيف، حيث تتكاثر الأسماء على نحو جماهيريّ عاكسة ظاهرة الشغف العام بالشعر الفصيح في منابره المتعددة. وأمسية الصادق والمسلم التي حضرها الشعراء محمد الماجد وشفيق العبادي والشيخ علي الفرج وعبدالخالق الجنبي ومحمد الحمادي ورائد الجشي؛ كانت ذات هاجس اجتماعي في الأساس دعماً للمكفوفين. غير أنها أُخذت على محمل الجدّ الشعري بهذا الحضور اللافت. وحين جاء دور المداخلين نبّه الشاعر الجنبيّ إلى ما يعنيه شعر المكفوفين في تراث الأدب العربيّ. واعتبر الأمسية ناجحة في تبنّيها لفكرة الشعر في المشروع المؤسسي الاجتماعي، في إشارة إلى مركز رعاية المكفوفين.
جريدة الوطن السعودية