14-08-2009, 03:14 PM
|
#455
|
|
مستشار إداري
|
بيانات اضافيه [
+
]
|
|
رقم العضوية : 1920
|
|
تاريخ التسجيل : Nov 2008
|
|
أخر زيارة : 12-05-2020 (10:29 PM)
|
|
المشاركات :
17,650 [
+
] |
|
زيارات الملف الشخصي : 60459
|
|
الدولهـ
|
|
|
لوني المفضل : Brown
|
|
الموت ذاكرة الشعر
[OVERLINE]بقلم : غالية خوجة - صحيفة الرياض : [/OVERLINE]
يموت الشاعر مع كل قصيدة من قصائده ثم يحيا ليموت في قصيدة جديدة.. وهكذا يتنوع الموت ويحضر ليكمل دورته في الموت الفيزيقي الذي يغيّب الجسد عن الموجود المحسوس ليدخله في عالم اللا مرئيات..
الشاعر يغادر ظاهراً، لكنه لا يغادر باطناً.. ألم يورّث القصيدة هالات من روحه ورؤاه وحالاته؟ إذن، كيف يغيب؟
لقد غاب محمود درويش ليصل إلى الفراشة والوطن والكلمة الأكثر إشراقاً.. وكذا فعل شيخ القصيدة الحديثة علي الجندي..
هل يغادرون ليحركوا الذاكرة إلى منفاها أم إلى ضحاها؟ ولماذا لا تشعر الأمة بحضورهم إلا بعد غيابهم الخالد؟
ولأننا أمة الفوات، لا تصيبنا الصاعقة إلا عند الموت.. فنبدو سكارى ولسنا بسكارى لكننا المتقنون لطقوس العزاء والحزن لا لطقوس الإبداع والمحبة والعطاء والثقافة!
مؤسف ألا ننتبه لمبدعينا إلا بعد الموت.. ومؤسف أننا بعد الموت لا ننتبه لمن ماتوا وآثارهم وما يسطرون..
مات علي الجندي في عزلته الطويلة التي كتبها على نفسه ولم يسأل أحد: لماذا فضل العزلة على التواصل المباشر؟ ثمة تواصل لا مباشر تمارسه العزلة المتخمة بالتناغم مع الذات والآلام والابتعاد عن أضواء الزيف والفساد الثقافي والصحافي والإعلامي.. العزلة تتجوهر مع ذاتها لتنجب القصيدة المنفتحة على الأرواح العالية.. ربما لذلك اعتزل علي الجندي ليظل متواصلاً مع الشاعر الذي في دواخله تواصلاً طاهراً، رائياً، صابراً على الأمراض وجحيم الآخرين..

علي الجندي
العزلة تمرد آخر للشاعر "أبو لهب" وهو يتداخل مع طبائع المنفى واحتمالات الغياب والحضور.. لعله استشرف النكسة منذ مجموعته الأولى 1962 "الراية المنكسة" واقترح بإبصاره الثاقب أن تدوم إلى ما بعد الآن، وما بعد الموت، وإلى ما بعد كل بعد..!
وأعتقد أن علي الجندي لو كان "علية الجندي" لكن بشكل فنانة من فنانات الجسد أو كاتبة من كاتبات الدرجة الأخيرة لحظي بمكانة لا يصل إليها إلا العراة من الأخلاق والثياب والثقافة!
ماذا نفعل يا ابا لهب إذا كنا نعتبر وجودنا عبوراً طارئاً على الحياة، وفي الحياة، من أجل القصيدة التي هي الحياة؟
سامح أمة أمية ترفض بإصرار وتصميم كل من يبدع في الماهوي المتحول.. وانتزع من قبرك غصناً من مجموعتك "في البدء كان الصمت" واجعلْ له جناحين من الرؤى ليكون كمجموعتك "بعيداً في الصمت قريباً في النسيان".. هناك ستراني، أتجاذب مع رميمي وقد مرت عليّ عصور وأنا في القبر، أمسك بالقلم وأكتب قصيدة للموتى، ثم أبحث عن اسمي في محركات البحث الالكترونية لأجد التعازي والنعوات من الذين يناصبوننا العداء دون سبب، ومن الذين يغيرون من قصيدتنا، ومن بعض الأصدقاء الصادقين!
سأجد صفحة اسمها الأبدية، فأضغط بمؤشر الفأرة لأقرأ أسماء الخالدين فيها.. هم ثلة قليلة لكن الأبدية تختار من يناسبها، تختار من يحيّرها ويجعل القلق الإبداعي مقاماً لكشوفاتها الغامضة!
هناك، بين المتنبي ومحمود درويش وعبد الوهاب البياتي وممدوح عدوان ومحمد الماغوط و..،و..،و..، رأيتك وقد تجاوزت الثمانين، تكتب..
علي الجندي مازلت تكتب الذي لن يراه سواك..
هناك، أنت تشرق من العزلة ومن مجموعتك "صار رماداً" لتكون "قصائد موقوتة" بالدهشة والحداثة التي أسست لها في الوطن العربي الذي لم يسأل: أين أنت؟! لا يهمك ذلك، نحن نعلم يا صاحب "طرفة في مدار السرطان" لكن الشعر يسأل عنك!
علي الجندي
الشعر يتذكر الآن كيف خرجت من "السلمية" باتجاه دمشق لتدرس الفلسفة وتعمل في الصحافة والثقافة وتبدأ مشوارك المختلف مع تسكعات القصيدة في الأرض والمدارات والأساطير والرياح.. كان ظلُّ "امرؤ القيس" يتبعك، وصوت طرفة بن العبد يتشجر بين الرمل والفراغ، وكنت تقول: "الشعر كائن خرافي لا تعرف متى ينقض عليك"!
أليس الموت كالشعر يأتينا على غفلة من اللحظة؟
ما تزال الحياة في ضحكتك الصاخبة تغير على قصائد مجموعتك "الحمى الترابية" لتفتح أحوال الجمر على أحوال الماء منجبة "الشمس وأصابع الموتى" هاربة مثل "سنونوة للضياء الأخير"..
لقد هرب علي الجندي من الظلم إلى العزلة، وها هي قصائده تهرب من الظلمة إلى الضياء، وما من أحد إلا وحده يستجمع ما تبقّى من ذاكرة الموت في تحولات القصيدة..
كم أنا حزينة لأنني رأيتك منذ سنوات في مقهى السياحي في حلب وأنت تشرد عن الكلمة وكأنك في فقدان دائم للزمان والمكان.. لم أستطع إجراء الحوار لأنك كنت في عالمك المبحر ..
ثمة ذكرى تتفتح في الغيب لتضيء ما ينطفئ فجأة..
ثمة مستقبل يبزغ من مكنونات القصيدة ليشير إلى تابوت عاد إلى السلمية بعد دورة صاخبة بين دمشق وبيروت واللاذقية..
لا شيء في المكان سوى ما خبأته قصائده الموقوتة مثل موته العابر وهو يترك انزياحاته الخضراء في كل مكان..
سلام على علي الجندي وعلى كل مبدع في وطننا العربي يكتب للإنسانية فتنساه الإنسانية لتلهث وراء أول راقصة لا تعرف من الموسيقى إلا النشاز السلبي..
سلام علينا..
سلام على وطن لا يحتفي بالشعراء المبدعين..
|
|
|
|