عرض مشاركة واحدة
قديم 22-08-2009, 05:16 AM   #2
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21373
لوني المفضل : sienna


فصل‏:‏ الزهد في الدنيا



إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله ، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله ، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله ، وإذا تعرفوا على ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة‏.‏



قال بعض الزهاد ‏:‏ ما علمت أن أحدا سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان ، فقال له رجل‏:‏ إني أكثر البكاء ، فقال ‏:‏ إنك إن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل (2)‏ بعملك ، وإن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه ، فقال ‏:‏ أوصني ، فقال ‏:‏ دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها ، وكن في الدنيا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا وإن أطعمت أطعمت طيبا وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه ‏.‏



فصل‏:‏ أقسام الزهد



الزهد أقسام ‏:‏ زهد في الحرام وهو فرض عين ‏.‏ وزهد في الشبهات وهو بحسب مراتب الشبهة ، فإن التحقن بالواجب وإن ضعفت كان مستحبا‏.‏ وزهد في الفضول‏.‏ وزهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره‏.‏ وزهد في الناس ‏.‏ وزهد في النفس بحيث تهون عليه نفسه في الله ‏.‏ وزهد جامع لذلك كله وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما شغلك عنه ‏.‏



وأفضل الزهد إخفاء الزهد ، وأصعبه الزهد في الحظوظ ‏.‏ والفرق بينه وبين الورع أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة ، والورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة ‏.‏ والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد ولا ورع‏.‏



قال يحيى بن معاذ ‏:‏ عجبت من ثلاث ‏:‏ رجل يرائي في عمله مخلوقا مثله ويترك أن يعمله لله ، ورجل يبخل بماله وربه يستقرضه منه ولا يقرضه منه شيئا ، ورجل يرغب في صحبة المخلوقين ومودتهم ، والله يدعوه إلى صحبته ومودته ‏.‏



فائدة جليلة‏:‏ مخالفة الأمر أعظم من عمل المنهي عنه



قال سهل بن عبد الله (3)‏‏:‏ ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي؛ لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه، وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه‏.‏



قلت‏:‏ هذه مسألة عظيمة لها شأن وهي أن ترك الأوامر أعظم عند الله من ارتكاب المناهي، وذلك من وجوه عديدة‏:‏



أحدها ‏:‏ ما ذكره سهل من شأن آدم وعدو الله إبليس‏.‏



الثاني‏:‏ أن ذنب ارتكاب النهي مصدره في الغالب الشهوة والحاجة، وذنب ترك الأمر مصدره في الغالب الكبر والعزة، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنا وسرق‏.‏



الثالث‏:‏ أن فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المنهي ، كما دل على ذلك النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها‏"‏‏(‏رواه مسلم في كتاب الإيمان‏)‏ وقوله‏:‏ ‏"‏ألا أنبئكم بخير أعمالكم عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم‏؟‏‏"‏ قالوا‏:‏ بلى يا رسول الله ، قال‏:‏ ‏"‏ذكر الله‏"‏ ‏.‏ وقوله‏:‏ ‏"‏واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة‏"‏‏(‏رواه ابن ماجة في كتاب الأدب الباب 53 ‏.‏ ورواه الترمذي ‏:‏ الدعوات / 6 ‏.‏ والنسائي ‏:‏ الإيمان/ 1‏.‏‏)‏‏.‏ وغير ذلك من النصوص‏.‏



وترك المناهي عمل فإنه كف النفس عن الفعل، ولهذا علق سبحانه المحبة بفعل الأوامر كقوله‏:‏ ‏{‏إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا‏}‏‏(‏سورة الصف ، الآية رقم ‏(‏4‏)‏‏.‏‏)‏ ‏{‏والله يحب المحسنين‏}‏ ‏(‏آل عمران ‏:‏ 134‏.‏‏)‏ ‏.‏ وقوله ‏{‏وأقسطوا إن الله يحب المقسطين‏}‏ ‏(‏الحجرات ‏:‏ 9‏.‏‏)‏ ‏{‏والله يحب الصابرين‏}‏ ‏(‏آل عمران ‏:‏ 146‏.‏‏)‏



وأما في جانب المناهي فأكثر ما جاء النفي للمحبة كقوله ‏:‏ ‏{‏والله لا يحب الفساد‏}‏‏(‏البقرة ‏:‏ 205‏.‏‏)‏ وقوله‏:‏ ‏{‏والله لا يحب كل مختال فخور‏}‏ ‏(‏الحديد‏:‏ 23‏.‏‏)‏ ونظائره‏.‏



وأخيرا في موضع آخر أنه يكرهها ويسخطها ، كقوله ‏:‏ ‏{‏كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها‏}‏ ‏(‏البقرة ‏:‏ 190‏.‏‏)‏وقوله ‏:‏ ‏{‏ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله‏}‏ ‏(‏النساء ‏:‏ 36‏.‏‏)‏



إذا عرف هذا ففعل ما يحبه سبحانه مقصود بالذات‏.‏ ولهذا يقدر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه من لوازمها من الجهاد واتخاذ الشهداء وحصول التوبة من العبد والتضرع إليه والاستكانة وإظهار عدله وعفوه وانتقامه وعزه ، وحصول الموالاة والمعاداة لأجله، وغير ذلك من الآثار التي وجودها بسبب تقديره ما يكره أحب إليه من ارتفاعها بارتفاع أسبابها ، وهو سبحانه لا يقدر ما يحب لإفضائه إلى حصول ما يكرهه ويسخطه كما يقدر ما يكرهه لإفضائه إلى ما يحبه، فعلم أن ما يحبه أحب إليه مما يكرهه‏.‏





يوضحه الوجه الرابع‏:‏ أن فعل المأمور مقصود لذاته وترك المنهي مقصود لتكميل فعل المأمور، فهو منهي عنه لأجل كونه يخل بفعل المأمور أو يضعفه وينقصه، كما نبه سبحانه على ذلك في النهي عن الخمر والميسر بكونهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة‏.‏ فالمنهيات قواطع وموانع صادة عن فعل المأمورات أو عن كمالها، فالنهي عنها من باب المقصود لغيره ، والأمر بالواجبات من باب المقصود لنفسه‏.‏



يوضحه الوجه الخامس‏:‏ أن فعل المأمورات من باب حفظ الإيمان وبقائها وترك المنهيات من باب الحمية عما يشوش قوة الإيمان ويخرجها عن الاعتدال، وحفظ القوة مقدم على الحمية، فإن القوة كلما قويت دفعت المواد الفاسدة وإذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة ، فالحمية مرادة لغيرها وهو حفظ القوة وزيادتها وبقاؤها، ولهذا كلما قويت قوة الإيمان دفعت المواد الرديئة ومنعت من غلبتها وكثرتها بحسب القوة وضعفها ، وإذا ضعفت غلبت المواد الفاسدة ، فتأمل هذا الوجه‏.‏



الوجه السادس‏:‏ أن فعل المأمورات حياة القلب وغذاؤه وزينته وسروره وقوة عينه ولذته ونعيمه، وترك المنهيات بدون ذلك لا يحصل له شيئا من ذلك ، فإنه لو ترك جميع المنهيات ولم يأت بالإيمان والأعمال المأمور بها لم ينفعه ذلك الترك شيئا وكان خالدا مخلدا في النار‏.‏



وهذا يتبين بالوجه السابع‏:‏ أن من فعل المأمورات والمنهيات فهو إما ناج مطلقا إن غلبت حسناته سيئاته، وإما ناج بعد أن يؤخذ منه الحق ويعاقب على سيئاته فمآله إلى النجاة وذلك بفعل المأمور‏.‏



ومن ترك المأمورات والمنهيات فهو هالك غير ناج ولا ينجو إلا بفعل المأمور هو التوحيد‏.‏



فإن قيل‏:‏ فهو إنما هلك بارتكاب المحظور وهو الشرك ، قيل‏:‏ يكفي في الهلاك ترك نفس التوحيد المأمور به وإن لم يأت بضد وجودي من الشرك، بل متى خلا قلبه من التوحيد رأسا فلم يوحد الله فهو هالك وإن لم يعبد معه غيره ، فإذا انضاف إليه عبادة غيره عذب على ترك التوحيد المأمور به وفعل الشرك المنهي عنه‏.‏



يوضحه الوجه الثامن‏:‏ أن المدعو إلى الإيمان إذا قال ‏:‏ لا أصدق ولا أكذب ولا أحب ولا أبغض ولا أعبده ولا أعبد غيره، كان كافرا بمجرد الترك والإعراض، بخلاف ما إذا قال‏:‏ أنا أصدق الرسول وأحبه وأؤمن به وأفعل ما أمرني، ولكن شهوتي وإرادتي وطبعي حاكمة علي لا تدعني أترك ما نهاني عنه وأنا أعلم أنه قد نهاني وكره لي فعل المنهي ولكن لا صبر لي عنه، فهذا لا يعد كافرا بذلك، ولا حكمه حكم الأول، فإن هذا مطيع من وجه، وتارك المأمور جملة لا يعد مطيعا بوجه‏.‏



يوضحه الوجه التاسع‏:‏ أن الطاعة والمعصية إنما تتعلق بالأمر أصلا وبالنهي تبعا، فالمطيع ممتثل المأمور، والعاصي تارك المأمور ‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يعصون الله ما أمرهم ‏}‏ ‏(‏سورة التحريم ، الآية رقم ‏(‏6‏)‏‏.‏‏)‏ـ وقال موسى لأخيه‏:‏ ‏{‏ما منعك إذ رأيتهم ضلوا إلا تتبعن أفعصيت أمري‏}‏ ‏(‏طه ‏:‏ 93‏.‏‏)‏،وقال عمرو بن العاص عند موته ‏:‏ أنا الذي أمرتني فعصيت ، ولكن لا إله إلا أنت‏.‏ وقال الشاعر‏:‏ أمرتك أمرا جازما فعصيتني‏.‏



والمقصود من إرسال الرسل طاعة المرسل ولا تحصل إلا بامتثال أوامره واجتناب المناهي من تمام امتثال الأوامر ولوازمه ‏.‏ ولذا لو اجتنب المناهي ولم يفعل ما أمر به لم يكن مطيعا وكان عاصيا ، بخلاف ما لو أتى بالمأمورات وارتكب المناهي ‏.‏ فإنه وإن عد عاصيا مذنبا فإنه مطيع بامتثال الأمر عاص بارتكاب النهي، بخلاف تارك الأمر فإنه لا يعد مطيعا باجتناب المنهيات خاصة ‏.‏



يتبع



 
 توقيع : فهد الماجدي


أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة ،
وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتُلي صبر ، وإذا أذنب استغفر ،
فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
موقع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله
والعلامه محمد امان الجامي رحمه الله
,
« اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق، المقر بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين، ويا خير المعطين »

استغفر الله الذي لا اله إلا هو الحي الغيوم واتوب اليه




رد مع اقتباس