عرض مشاركة واحدة
قديم 22-08-2009, 05:18 AM   #3
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21027
لوني المفضل : sienna


الوجه العاشر‏:‏ أن امتثال الأمر عبودية وتقرب وخدمة ، وتلك العبادة التي خلق لأجلها الخلق كما قال تعالى ‏:‏ ‏{‏ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون‏}‏ ‏(‏سورة الذاريات ، الآية‏:‏ 56‏.‏‏)‏ ، فأخبر سبحانه أنه أتم خلقهم للعبادة ، وكذلك إنما أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه ليعبدوه ‏.‏ فالعبادة هي الغاية التي خلقوا لها ولم يخلقوا لمجرد الترك فإنه أمر عدمي لا كمال فيه من حيث هو عدم ، بخلاف امتثال المأمور فإنه أمر وجودي مطلوب الحصول ‏.‏



وهذا يتبين بالوجه الحادي عشر ‏:‏ وهو أن المطلوب بالنهي عدم الفعل وهو أمر عدمي ، والمطلوب بالأمر إيجاد فعل وهو أمر وجودي ،ومتعلق النهي الإعدام أو العدم وهو أمر لا كمال فيه إلا إذا تضمن أمرا وجوديا ، فإن العدم من حيث هو عدم لا كمال فيه ولا مصلحة إلا إذا تضمن أمرا وجوديا مطلقا ، وذلك الأمر الوجودي مطلوب مأمور به فعادت حقيقة النهي إلى الأمر ، وأن المطلوب به ما في ضمن النهي من الأمر الوجودي المطلوب به ‏.‏



وهذا يتضح بالوجه الثاني عشر ‏:‏ وهو أن الناس اختلفوا في المطلوب بالنهي على أقوال‏:‏ أحدها ‏:‏ أن المطلوب به كف النفس عن الفعل وحبسها عنه وهو أمر وجودي، قالوا‏:‏ لأن التكليف إنما يتعلق بالمقدور، والعدم المحض غير، وهذا قول الجمهور ‏.‏



وقال أبو هاشم وغيره ‏:‏ بل المطلوب عدم الفعل ، ولذا يحصل المقصود من بقائه على العدم وإن لم يخطر بباله الفعل، فضلا أن يقصد الكف عنه ‏.‏ ولو كان المطلوب الكف لكان عاصيا إذا لم يأت به ، ولأن الناس يمدحون بعدم فعل القبيح من لم يخطر بباله فعله والكف عنه ‏.‏ وهذا أحد قولي القاضي أبي بكر ولأجله التزم أن عدم الفعل مقدور للعبد وداخل تحت الكسب ، قال ‏:‏ والمقصود بالنهي الإبقاء على العدم الأصلي وهو مقدور‏.‏ وقالت طائفة ‏:‏ المطلوب بالنهي فعل الضد فإنه هو المقدور وهو المقصود للناهي ، فإنه إنما نهاه عن الفاحشة طلبا للعفة وهي المأمور بها ، ونهاه عن الظلم طلبا للعدل المأمور به ، وعن الكذب طلبا للصدق المأمور به ، وهكذا جميع المنهيات، فعند هؤلاء أن حقيقة النهي الطلب لضد المنهي عنه فعاد الأمر إلى أن الطلب إنما تعلق بفعل المأمور ‏.‏



والتحقيق‏:‏ أن المطلوب نوعان ‏:‏ مطلوب لنفسه وهو المأمور به ، ومطلوب إعدامه لمضادته المأمور به وهو المنهي عنه ، لما فيه من المفسدة المضادة للمأمور به ‏.‏ فإذا لم يخطر ببال المكلف ولا دعته نفسه إليه بل استمر على العدم الأصلي لم يثبت على تركه، وإن خطر بباله وكف نفسه عنه لله وتركه اختيارا أثيب على كف نفسه وامتناعه ، فإنه فعل وجودي والثواب إنما يقع على الأمر الوجودي دون العدم المحضي وإن تركه مع عزمه الجازم على فعله لكن تركه عجزا ، فهذا وإن لم يعاقب عقوبة الفاعل لكن يعاقب على عزمه وإرادته الجازمة التي إنما تخلف مرادها عجزا ‏.‏



وقد دلت على ذلك النصوص الكثيرة فلا يلتفت إلى ما خلفها ، كقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء‏}‏ ‏(‏سورة البقرة ، الآية‏:‏ 284‏.‏‏)‏ وقوله في كاتم الشهادة ‏:‏ ‏{‏فإنه آثم قلبه‏}‏ ‏(‏البقرة ‏:‏ 283‏.‏‏)‏ ، وقوله‏:‏ ‏{‏ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم‏}‏ ‏(‏سورة البقرة ، الآية 283‏.‏‏)‏ وقوله ‏:‏ ‏{‏يوم تبلى السرائر‏}‏ ‏(‏الطارق ‏:‏ 9‏.‏‏)‏ ، وقوله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ‏"‏ ، قالوا ‏:‏ هذا القاتل، فما بال المقتول ‏؟‏ قال ‏:‏ ‏"‏إنه أراد قتل صاحبه‏"‏ ‏(‏رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن حنبل بألفاظ مختلفة ‏.‏‏)‏ ‏.‏ وقوله في الحديث الآخر‏:‏ ‏"‏ورجل قال لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو بنيته وهما في الوزر سواء‏"‏‏(‏رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد بألفاظ مختلفة ‏.‏‏)‏ ‏.‏



وقول من قال ‏:‏ إن المطلوب بالنهي فعل الضد ليس كذلك ، فإن المقصود عدم الفعل والتلبس بالضدين ، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو غير مقصود بالقصد الأول ، وإن كان المقصود بالقصد الأول المأمور الذي نهي عما يمنعه ويضعفه ، فالمنهي عنه مطلوب إعدامه طلب الوسائل والذرائع ، والمأمور به مطلوب إيجاده طلب المقاصد والغايات ‏.‏



وقول أبي هاشم ‏(4)‏ ‏:‏ إن تارك القبائح يحمد وإن لم يخطر بباله كف النفس ، فإن أراد بحمده أنه لا يذم فصحيح ، وإن أراد أن يثني عليه بذلك ويحب عليه ويستحق الثواب فغير صحيح ‏.‏ فإن الناس لا يحمدون المحبوب (5) على ترك الزنا ولا الأخرس على عدم الغيبة والسب ، وإنما يحمدون القادر الممتنع عن قدرة وداع إلى الفعل ‏.‏



وقول القاضي‏:‏ الإبقاء على العدم الأصلي مقدور ، فإن أراد به كف النفس ومنعها فصحيح ، وإن أراد مجرد العدم فليس كذلك ‏.‏



وهذا يتبين بالوجه الثالث عشر ‏:‏ وهو أن الأمر بالشيء نهي عن ضده عن طريق اللزوم العقلي لا القصد الطلبي ، فإن الأمر إنما مقصوده فعل المأمور‏.‏ فإذا كان من لوازمه ترك الضد صار تركه مقصودا لغيره ، وهذا هو الصواب في مسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا‏؟‏ فهو نهي عنه من جهة اللزوم لا من جهة القصد والطلب ‏.‏ وكذلك النهي عن الشيء ، مقصود الناهي بالقصد الأول الانتهاء عن المنهي عنه وكونه مشغلا بضده جاء من جهة اللزوم العقلي ، لكن إنما نهي عما يضاد ما أمر به كما تقدم، فكان المأمور به هو المقصود بالقصد الأول في الموضعين‏.‏



وحرف المسألة أن طلب الشيء طلب له بالذات ولما هو من ضرورته باللزوم والنهي عن الشيء طلب لتركه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة الترك باللزوم والمطلوب في الموضوعين فعل وكف ، وكلاهما أمر وجودي ‏.‏



الوجه الرابع عشر ‏:‏ أن الأمر والنهي في باب الطلب نظير النفي والإثبات في باب الخبر ، والمدح والثناء لا يحصلان بالنفي المحض إن لم يتضمن ثبوتا ، فإن النفي كاسمه عدم لا كمال فيه ولا مدح ، فإذا تضمن ثبوتا صح المدح به كنفي النسيان المستلزم لكمال العلم وبيانه ، ونفي اللغوب والإعياء والتعب المستلزم لكمال القوة والقدرة‏.‏ ونفي السنة والنوم المستلزم لكمال الحياة والقيومية ‏.‏ ونفي الولد والصاحبة المستلزم لكمال الغنى والملك والربوبية ‏.‏ ونفي الشريك والولي والشفيع بدون الإذن المستلزم لكمال التوحيد والتفرد بالكمال والإلهية والملك‏.‏ ونفي الظلم المتضمن لكمال العدل ونفي إدراك الأبصار له المتضمن لعظمته وأنه أجلّ من أن يدرك وإن رأته الأبصار ‏.‏ وإلا فليس في كونه لا يرى، مدح بوجه من الوجوه، فإن العدم المحض كذلك‏.‏



وإذا عرف هذا فالمنهي عنه إن لم يتضمن أمرا وجوديا ثبوتيا لم يمدح بتركه ولم يستحق الثواب والثناء بمجرد الترك كما لا يستحق المدح والثناء بمجرد الوصف العدمي‏.‏



الوجه الخامس عشر‏:‏ أن الله سبحانه جعل جزاء المأمورات عشرة أمثال فعلها، وجزاء المنهيات مثل واحد، وهذا يدل على أن فعل ما أَمَر به أحب إليه من ترك ما نهى عنه ولو كان الأمر بالعكس لكانت السيئة بعشرة والحسنة بواحدة أو تساويا ‏.‏



الوجه السادس عشر‏:‏ أن المنهي عنه المقصود إعدامه، وألا يدخل في الوجود، سواء نوى ذلك أو لم ينوه، وسواء خطر بباله أو لم يخطر ‏.‏ فالمقصود ألا يكون، وأما المأمور به فالمقصود كونه وإيجاده والتقرب به نية وفعلا‏.‏



وسر المسألة ‏:‏ أن وجود ما طلب إيجاده أحب إليه من عدم ما طلب إعدامه، وعدم ما أحبه أكره إليه من وجود ما يبغضه ، فمحبته لفعل ما أمر به أعظم من كراهته لفعل ما نهى عنه‏.‏



يوضحه الوجه السابع عشر‏:‏ أن فعل ما يحبه والإعانة عليه وجزاؤه وما يترتب عليه من المدح والثناء من رحمته وفعل ما يكرهه وجزاؤه وما يترتب عليه من الذم والألم والعقاب من غضبه‏.‏ ورحمته سابقة على غضبه غالبة له، وكل ما كان من صفة الرحمة فهو غالب لما كان من صفة الغضب، فإنه سبحانه لا يكون إلا رحيما ، ورحمته من لوازم ذاته كعلمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره وإحسانه ، فيستحيل أن يكون غضبان دائما غضبا لا يتصور انفكاكه ، بل يقول رسله وأعلم الخلق به يوم القيامة‏:‏ ‏"‏إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله‏"‏‏(‏رواه البخاري في الأنبياء ، والترمذي في القيامة ، ومسلم في الإيمان ‏.‏‏)‏‏.‏ ورحمته وسعت كل شيء وغضبه لم يسع كل شيء ‏.‏ وهو سبحانه كتب على نفسه الرحمة ولم يكتب على نفسه الغضب ، ووسع كل شيء رحمة وعلما ولم يسع كل شيء غضبا وانتقاماً‏.‏



فالرحمة وما كان بها ولوازمها وآثارها غالبة على الغضب وما كان منه وآثاره‏.‏ فوجود ما كان بالرحمة أحب إليه من وجود ما كان من لوازم الغضب‏.‏ ولهذا كانت الرحمة أحب إليه من العذاب والعفو أحب إليه من الانتقام ‏.‏ فوجود محبوبه أحب إليه من فوات مكروهه، ولا سيما إذا كان في فوات مكروهه فوات ما يحبه من لوازمه ، فإنه يكره فوات تلك اللوازم المحبوبة كما يكره وجود ذلك الملزوم المكروه‏.‏


يتبع

,


 
 توقيع : فهد الماجدي


أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة ،
وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتُلي صبر ، وإذا أذنب استغفر ،
فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
موقع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله
والعلامه محمد امان الجامي رحمه الله
,
« اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق، المقر بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين، ويا خير المعطين »

استغفر الله الذي لا اله إلا هو الحي الغيوم واتوب اليه




رد مع اقتباس