عرض مشاركة واحدة
قديم 30-09-2009, 07:56 PM   #559
محمد بلال
مستشار إداري


الصورة الرمزية محمد بلال
محمد بلال غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1920
 تاريخ التسجيل :  Nov 2008
 أخر زيارة : 12-05-2020 (10:29 PM)
 المشاركات : 17,650 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 55749
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Brown


أحاديث في الأدب الشعبي ..
الرياضة الفكرية في الشعر قناة للتواصل بين الشعراء وتغذية لثقافة المتلقي

عبد الرحيم الأحمدي

للرياضة الفكرية مجال واسع في مجتمع الجزيرة العربية وبخاصة في الشعر, فإلى جانب تشغيلها للذهن وتسلية الجُلاس واختبار ذائقتهم الفكرية والثقافية فإنها قناة تواصل بين المشهورين في كشف أسرارها, ويجيء طرحها على شكل ألغاز شعرية إما في مقابلات شعرية في ملاعب الرد أو طرح في المنتديات أو عبر المراسلات. وهي تعبر عن سعة اطلاع المرسل وحذقه في إيجاز الطرح وتفرد الموضوع المستهدف بما كثف عنه وأوجز من معلومات وصفات لا تنطبق على غيره وإلا عُد مفتقداً لأهم عناصره كما أن المتلقي المستهدف بطلب الإجابة لا يقل مستوى معرفياً عن المرسل الذي قيل عنه:

أنشدك عن راعي رعية ومصلاح

ما يفرح إلا يوم يأتى ذهابها

فالمرسل يفرح ويسعد عندما يعجز المتلقي عن معرفة الإجابة. وقد عرف هذا الفن في الأدب العربي منذ القدم, حيث نتذكر من محاورة جرت في العصر الجاهلي بن شاعرين منها:

ما الحاكمون بلا سمع ولا بصر

ولا لسان فصيح يعجب الناسا

وكان الرد:

تلك الموازين فالرحمن أنزلها رب

البرية بين الناس مقياسا

وتحفل كتب الأدب الشعبي بهذا الفن الذي تعقد له لقاءات شعرية يطلق فيها السؤال ويظل يردد غناء حتى تأتي الإجابة عنه من الطرف الثاني, وقد يتخلل الطرح تساؤلات لتقريب الإجابة, أو طرح إجابة لاقناع السائل. وقد يردف المجيب ضمن إجابته بسؤال. وهكذا يستمر الحوار حتى إذا ما انتهى وقد استمتع الحاضرون بمتعة الحوار وتزودوا بمعلومات ذات أهمية في تشكيل معارفهم وتغذية ثقافتهم. ومثل ما يحدث في ملاعب الرد ينقل إلى المنتديات ويحاول كل الحاضرين الإدلاء بإجابتهم فرادى وبعيداً عن الشعر. وقد عرف كثير من الشعراء الذين تخصصوا في الألغاز وحلها وجرى تواصل بين أكثرهم استعراضا للمهارة ورغبة في تنمية مواهبهم وعقد صداقات فيما بينهم.

وينقل لنا عبدالله الحاتم صاحب "خيار ما يلتقط من الشعر النبط" طرفاً من هذا التواصل بين الشاعر قطن بن قطن من عمان وشاعر من القصيم يدعى أبو محمد البسام وهما من شعراء القرن التاسع والعاشر الهجري. فقد أرسل الشاعر قطن قصيدة طويلة مشحونة بالألغاز. والطريف في الأمر أن رسول قطن لم يجد البسام نفسه وإنما وجد ابنه الذي قرأ الرسالة وأجاب عن ألغازها في الحال, وعندما أتى والده أطلعه على رسالة قطن وإجابته عنها, فأقره معجباً ومسروراً من ذكاء ابنه كما تعجب الرسول من هذا الذكاء الخارق.

وعند ما نقف على قصيدة التساؤلات وقصيدة الإجابات نعجب نحن أيضاً, إذ نعد أهل ذلك الزمن لم يؤتوا من العلم والثقافة ما أوتي زمننا الذي يستقي من معين من قبله ويفيض من مكتسباته الثقافية. ولكننا لا نجد في أنفسنا أو أبنائنا من هو على شاكلة ابن البسام الذي أجاب عن التساؤلات الصعبة في حين وصولها نائباً عن والده الذي هو من جيل آخر قياساً بنا وبأبنائنا, ثم أن الابن لم يرجع إلى مصادر للتأكد من إجابته, بل أجاب من ذاكرته على أن كل جيل له إبداعات مختلفة.





على أية حال, الله المستعان.

نعود إلى ألغاز الشاعر العماني قطن فهو يسأل البسام:

أنشدك عن أنثى تَعَاشَر, مالها

ذكر يجيها, واصل ما تلد الذكر

وانثى لا تضني, ولا يضنى بها

طول الزمان ولبسها ثوب حَمَرْ

وانشدك عن انثى وهي سيارة

دليلها مع دربها طول الدهر

وانثى تسير بغير أرضٍ ولا سما

ومسيرها دب الدهر على الظهر

وانشدك عن انثى وهي شباحة

تاكل ولا تشرب وتنكح من وخر

وانثى وأربعة لها في حسبة

يا نعم من هي له تكون المتجر

وانشدك عن انثى حديد شوفها

تمشى وبيانتها ثلاث في سط

روانشدك عن انثى توكل حلوة

في بطنها انثى وفي الانثى ذكر

وانشدك عن انثى تناكح زوجها

إلى تعبت الانثى تجد لقح الذكر

واناثي ليهن فضل نعم

في محكم التنزيل حلوات الثمر

واناثي مختلفة أسماهن

سبع ويتبع كل واحدة ذكر

وانشدك عن سود حلال أكلهن

وامثالهن بيض حرام للبشر

وانشدك عن شي طويل نافع

وللناس نفعه بيّن ما به غتر

هجره عن الضرب الكثير يضره

ولو يضربونه جملة الناس اعتمر

وانشدك عن ذكر جليل نفعه

وخيار نفعه حين ينهل المطر

وانشدك عن ذكر يسير مكلّف

وان قطع راسه في كلافته استمر

وانشدك عن ذكر بعمر قاصر

بالحد قطاع ومسمور القمر

وانشد عن ذكرين بعمر واحد

فارقهم الذكر الطويل المشتهر

وانشدك عن ذكر يدور على الملا

بالسمع يذكر ولا يعطي خبر

وانشدك عن رجل تزوج انثى

بكر قضى بعض الملا منها وطر

ما عندهم جان ولا إنس حضر

فزواجهم هذا يكون من العبر

وانشدك عن ذكر شديد باسه

يمضى جهار ولا عنده رد القدر

وخلاف ذا خمسة أو ستة ناموا

ونومتهم لزت على طول الدهر

وخلاف ذا ذكر يحب وصاله

لولاك تشكى في طبايعه العسر

وخلاف ذا ذكر منازله الفلا

طبعه اذا ما ناموا النومى سمر

ويلاحظ في القصيدة مباشرة الطرح وأسلوب العامة, وهذا بدهي لغياب الشاعرية غير المطلوبة هنا, حيث إن الموضوع تساؤل عن معلومات لم يعن الشاعر بغير اعطاء بيانات وملامح عن الموضوع توافق صفاته أو بعضها. ثم أن الجامع لمادة الكتاب لم يسلم من الأخطاء في الكتابة مما يشكك في صحة النقل. وعلى أية حال يجئ طرق هذا الموضوع باعتباره مجالاً في الأدب الشعبي, ودعوة لشغل الذهن بالتفكير في الإجابة عن التساؤلات ولعله من غير الضروري إيراد قصيدة ابن بسام التي يمكن الرجوع إليها في الكتاب المشار إليه, إلا أنه يمكن ذكر أدبيات المراسلة الشعرية وتقاليدها كما جاء في مقدمة قطن:

يا ابو محمد لا فاجأتك مصيبة

طيب الزمان في رغد ما راْيْتْ شر

ويا من على كل البرايا بيّن

وعلى جميع الخلق بالعلم افتخر

فضائله بين الملا مشهورة

عصر الصبا واخلاف ما ابيض الشعر

تبين لي طاري طرا لي ظاهر

عسر ولو ينشر على كل البشر

فهو يخاطب البسام بتودد يعبر عن صداقة, وأمنية بأن يعين في رغد وألا يرى مكروها, ثم يفرد الله تعالى بالعلم والفضل, ويعلن عن هاجس يدفعه لطرح تلك التساؤلات. وكما اتسمت ديباجة الرسالة بندية المتراسلين نجد تقاليد المراسلة النجدية بمزيد من احترام الابن لمن يكبره, معبرا له عن الحرص على الرد والاهتمام والتكريم لمرسل إليه مع الثناء على جوده وحصافته في الألغاز وعسرها ووجوب الرد عليها احتراما, وإبداء التواضع له.

ولا باس من إيراد نموذج من الرد:

تنشدني عن انثى تعاشر, مالها

ذكر يجيها, واصل ما تلد الذكر

هذا عقاب الطير كله اناتى

ولا تستخط تساقي ذا الخبر

أما الإجابات الأخرى فهي: نبت المطر, العيون, السفينة, الرحى, الكعبة, الجوزاء الخوخة, الزبدة, الرمان, ليالي الأسبوع وأيامه, رمضان, الدرب, المر زام, القلم, الموسى, النسرين, الدهر, زينب, ملك الموت, أهل الكهف ... إلخ. والرجوع إلى الكتاب أمتع وأكثر فائدة, وقد يقع في عرضنا هذا ما يقع من أخطاء في نصوص أخذت من مصادر طابعها الاجتهاد, وحظها صدورها عن مجتهدين لم يعتمدوا مناهج البحث, ولم يؤتوا حظاً وافراً من إجادة الكتابة, فمعذرة.


 
 توقيع : محمد بلال






رد مع اقتباس