كان أحد رجال قبيلة عنزة جاراً لـ بني علي من قبيلة حرب، وأمضى معهم فترة طويلة وكأنه واحد منهم، بل إنه وجد عندهم من حسن الجوار وطيب المعاشرة ما لم يجده عند بعض جماعته، فقد كان له إبل مصابه بالجرب والمعروف أن مثل هذه الإبل لا تخالط إبل الحي عادة، لكن جيرانه بني علي أبوا إلا أن تبقى مع إبلهم زيادة في التقدير لهذا الجار الأجنبي.
وبعد مدة من مجاورته لهم جاءه بعض أقاربه وأصروا عليه بالعودة معهم إلى مضارب قبيلته، فوافق على أن يعود معهم لكنه لم يستطع إخفاء دموعه حزناً على فراق جيرانه من بني علي، فلما لاموه على بكائه على حرب وهم قبيلة تحصل بينهم وبين قبيلته عداوه في بعض الأحيان، رد عليهم بالقصيدة التالية:
قالوا: علامك يوم تبكي على حرب
وهم لنا عدوان ما ينبكوني
قلت: البكا ما هوب للبُعد والقُرب
أبكي عليهم عقب ما جاوروني
عن دربنا ياليت ما جاء لهم درب
ولا هلَّت العَبره عليهم عيوني
أربع سنين وزملنا عندهم جُرب
ما أوموا عليهن بالعصا يضربوني
عن ذودهم ذودي يقدَّم على الشرب
مرحولنا يشرب وهم يقهروني
يا عنك ما هم من هل الهَزب والزرب
ولا هم بغِرة جارهم ينظروني
ربعِ على الشدات والهون والكَرب
ما اذمهم، بأفعالهم يمدحوني
وإن حل عند اقطيهن بالقنا ضرب
يتلون أبو جلاَّل حامي الضعوني
تلقى دما الفرسان منهم لها سرب
هذا طريح وذا عميق الطعوني
أنشر لهم بيضا من الشرق للغرب
والله ما أنسى لابةٍ قدروني
وسلامتكم
المصدر: (قصة وأبيات) لإبراهيم اليوسف