عرض مشاركة واحدة
قديم 29-03-2010, 11:09 AM   #137
محمد بلال
مستشار إداري


الصورة الرمزية محمد بلال
محمد بلال غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1920
 تاريخ التسجيل :  Nov 2008
 أخر زيارة : 12-05-2020 (10:29 PM)
 المشاركات : 17,650 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 61165
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Brown


الجنادرية.. ربع قرن من الثقافة والتراث

كتب - سعيد حارب : صحيفة العرب /

إذا كان الشعر هو ديوان العرب، فإن التراث هو ذاكرة العرب، والثقافة صورتهم، وبمقدار اهتمام الأمم بثقافتها فإنها تُبرز صورتها المعبرة عنها، وهذا ما يمثله المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي يقام سنويا في المملكة العربية السعودية، والذي اكتسب اسمه من «الجنادرية» -الموقع الذي يقام فيه- حيث أصبح هذا المهرجان مناسبة ثقافية تجاوزت حدود المملكة إلى المحيط العربي ثم العالمي، وأصبح ملتقى لنخبة من الباحثين والمفكرين والأدباء والشعراء والمثقفين.
والمهرجان الذي بدأ عام 1985 كمهرجان محلي يقيمه الحرس الوطني السعودي ويهتم بالجوانب التراثية المحلية للملكة، أصبح اليوم واحداً من أبرز المهرجانات الثقافية في المنطقة من حيث تنوع نشاطاته وعدد المشاركين فيه، مما يمكن وصفه بـ «سوق عكاظ» جديد، فقد استطاع المهرجان أن يتطور خلال السنوات الماضية تطوراً ملحوظاً في محتواه وبرامجه، ففي هذا العام الذي وافق مرور ربع قرن على إقامة المهرجان التقى ما يزيد عن 400 من السياسيين والمفكرين والباحثين ليتحاوروا، ويتناقشوا في شتى القضايا السياسية والثقافية والفكرية، وليمثلوا مختلف الأطياف والآراء الفكرية والانتماءات الدينية والاختلافات اللغوية والجغرافية، فإلى جانب الشيخ صالح الحصين من السعودية كان غازي العريضي الذي جاء من لبنان ويفجيني بريماكوف رئيس وزراء روسيا الأسبق، وبلال الحسن المفكر والسياسي الفلسطيني، وتوماس فريدمان الصحافي الأميركي، وأحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي، وباتريك سيل المؤرخ والباحث البريطاني، وغيرهم من الباحثين والمفكرين الذين جاؤوا ليناقشوا قضايا الساعة، كالقيم الإنسانية المشتركة لتعايش الشعوب وحوار الثقافات، والسلفية بمفهومها ومراحلها وتحولاتها، إلى جانب دراسة الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها على الاقتصاديات الوطنية، وتجارب معالجة الفقر، والإعلام الإلكتروني، والإعلام السياسي.
ولم تغب القضية الفلسطينية عن الحضور، فقد تم تخصيص جلسة خاصة لها تحت عنان «القدس في ضمير العالم.. الحق.. التاريخ.. السلام»، وإلى جانب هذه الندوات الفكرية فإن للشعر والأدب والرواية حضورا واضحا كذلك في مهرجان الجنادرية، وقد شكل هذا التنوع الفكري والثقافي إثراءً للمهرجان والمشاركين فيه.
ولا يتوقف دور المهرجان على الندوات الفكرية والأدبية، بل يضم عددا من الفعاليات والأنشطة الدينية والتراثية والثقافية والفنية، حيث يتم تكريم الفائزين في المسابقة السنوية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، كما تقام أنشطة تراثية، حيث تمثل قرية الجنادرية التراثية صورة مصغرة للتنوع التراثي الذي تعيشه المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، فهذه القرية التي تمتد على مساحات واسعة من الأرض تجمع أقاليم الشمال مع الجنوب والشرق مع الغرب والمناطق البحرية مع مضارب البدو الصحراوية، كما تتنوع المشاركات بين الحرف اليدوية، والأطعمة الشعبية، والحياة الاجتماعية، والفنون الشعبية، إلى جانب سباق الهجن التراثي، وتعد زيارة القرية التراثية فرصة للتعرف على عالم واسع من التنوع الإنساني في العادات والتقاليد لسكان المنطقة، ولذا فهي تشهد إقبالا واسعا من الزوار، وتشكل بالنسبة للأجانب منهم فرصة للتعرف على المجتمعات الخليجية خاصة والعربية والإسلامية بصفة عامة، كما أن للنشاط الفني حضورا في المهرجان، فقد ارتبط اسم الجنادرية بالأوبريت الذي يقام في افتتاح المهرجان كل عام ويتبارى فيه الشعراء ليسجلوا رؤيتهم لوطنهم ومنطقتهم والعالم، وتعبر عناوين هذا العمل عن ذلك بدءاً من أوبريت مولد أمة وأرض الرسالات وخليج الخير وأنشودة العروبة وأرض المحبة والسلام، وغيرها من العناوين التي تحمل مضامين وطنية واجتماعية وإنسانية، وإلى جانب الأوبريت فإن العروض المسرحية تعتبر موسما مهما للمتابعين لهذا لفن، كما تقام المعارض الفنية التي تجذب الزوار والمهتمين بالفنون التشكيلية.
إن مهرجان الجنادرية يشكل صورة من اهتمام دول المنطقة بالشأن الثقافي، وينقله من الغرف المغلقة للنخبة والمثقفين، ليكون فعلا يوميا لعامة الناس، كما يأتي جزءا من التنمية الثقافية التي تسهم في زيادة الرصيد الثقافي لإنسان المنطقة، ومحاولة لترسيخ القيم الثقافية لديه حتى يستطيع أن يلحق بركب التقدم العالمي، فدول المنطقة التي استطاعت أن تحقق مستويات متقدمة في مجال التعليم، ووفرت سبل الحصول على المعرفة من خلال الاستعمال الكبير لمصادرها التكنولوجية، فإنها بحاجة إلى تحويل الدفة للتنمية الثقافية، وبخاصة في مرحلة زمنية تراجع فيها الاهتمام الثقافي العام، وسيطرت وسائل الإعلام على مصادر التلقي والتأثير؛ ولذا فإن الاهتمام بالشأن الثقافي يعد مكملاً لتلك الأدوار، والمهرجانات والملتقيات الثقافية وسيلة مثلى لتوجه اهتمام الناس نحو الشأن الثقافي، كما أن هذه المهرجانات تعطي صورة واضحة عن المجتمعات الخليجية ومكنونها الثقافي، إذ حالت العزلة التاريخية بين أبناء المنطقة ودورهم في الإسهام الثقافي العربي والإنساني، ومثل هذه المهرجانات تعرف الآخرين بما قدمته المنطقة من إسهام حضاري وثقافي إلى جانب بقية المناطق العربية، فالثقافة العربية تتلون بتعدد إبداعها وتوحد أهدافها.


 

رد مع اقتباس