عرض مشاركة واحدة
قديم 15-05-2010, 01:58 PM   #28
عايض عبدالله
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية عايض عبدالله
عايض عبدالله غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1840
 تاريخ التسجيل :  Jul 2008
 أخر زيارة : 14-08-2013 (09:38 PM)
 المشاركات : 270 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 5828
لوني المفضل : sienna
جَرير الخطفي



أما موضوع فخره في نفسه وشاعريته، ثم قومه وإسلامه.

فإذا هجا الفرزدق اصطدم بأصل الفرزدق الذي هو أصله، فكلاهما من"تميم" ،
وإذا هجا الأخطل فخر بإسلامه ومضريته، وفي مضر النبوة والخلافة:
قال الاخطل:
إن الذي حرم المكارم تغلبا جعل الخلافة والنبوة فينـا


هذا وكان لجرير مقدرة عجيبة على الهجاء، فزاد في هجائه عن غيره طريقة اللذع والإيلام..
فيتتبع حياة مهجويه وتاريخ قبيلتهم، ويعدد نقائصهم مختلفا، مكررا، محقرا،
إلا أنه لم يستطع أن يجعل الفخر بآبائه موازيا لفخر الفرزدق.

شيء من غزل جرير

لم يكن غزل جرير فنا مستقلا في شعره، فقد مزج فيه أسلوب الغزل الجاهلي بأسلوب الغزل العذري.
فهو يصف المرأة ويتغزل بها، ثم يتنقل من ذلك إلى التعبير عن دواخل نفسه،
فيصور لنا لوعته وألمه وحرمانه، كما يحاول رصد لجات نفسه فيقول:

يا ام عمـرو جـزاك الله مغفـرة!ردي ... علـي فـــــؤادي مثلـــمـا كـــــانــا
لقد كتمت الهـوى حتـى تهيـمنـــــــي ... لا أستـطيـع لهـذا الحـب كتمانـا
إن العيون التي في طرفـــهـــا حـورٌ ... قتــلنــنـا، ثـم لـم يحييـن قتــلانــا
يصرعن ذا اللهيب حتى لا حراك به ... وهـن أضعــف خلـق الله إنسانــا


يتغزل الشاعر بامرأة تدعى"أم عمرو"، وسواء أكانت هذه المرأة حقيقية أم من خيال الشاعر،
كما جرت العادة لدى أكثر الشعراء الغزليين، فهو يطلب منها أن تعيد له قلبه الذي سرقته منه...
ثم يصف ألمه وحبه الذي أصيب به، حتى لم يستطع إخفاءه طويلا..
ثم يتغزل بجمال عيون محبوبته النجل. هذه العيون التي قضت عليه من شدة جمالها ولمعانها،
تلك العيون الفتاكه التي بواسطتها تسلط البارعات في الجمال سهاما قاتلة للمحبين، بالرغم من أنهن، كما يقال من الجنس الناعم والضعيف..

جرير ورثاء زوجته

الرثاء لدى جرير قسمان:
قسم خص به أهل بيته كامرأته وابنه،
وقسم خص به بعض رجالات الدولة من الشخصيات الهامة..

ولما كان جرير عاطفيا، شديد التأثر، كان رثاؤه، بشكل عام، رقيقا، صادقا، نابعا من القلب، ويؤثر في القلب..
فها نحن نراه في شعره يرثي زوجته بعد وفاتها فيقول:

لولا الحياء لها جني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يـزار
ولهت قلبي إذ علتني كبـــــرة ... وذوو التمائم من بنيك صغار
صلى الملائكة الذين تخيـروا ... والطيبــون عليـك والأبــــرار
لا يلبث القرناء أن يتفــرقـوا ... الليــل يـكـر عليهـــم ونـهـــار


ففي هذه الأبيات نرى نفسه حزينة حين يرثي الشاعر زوجته المتوفاة.
ونراه فيها يقع بين صراع تفرضه عليه العادات والتقاليد، وبين آلامه وأحزانه ومحبته لزوجته..

إنه الآن قد فقد زوجته، أم أولاده، وقد أصبح متقدما في سنه، فقد كبر وكاد أن يتحطم، فهو بعد وفاة زوجته أصبح مسؤولا عن تربية أطفاله الصغار ورعايتهم بعد رحيل أمهم عنهم..
ثم ينتهي إلى التسليم بأمر الله ثم يدعو لها أن ترعاها الملائكة، لأنها كانت زوجة وفية صالحة..

إنه يكتم_ إن استطاع- أحزانه- وليس له إلا الصبر والإيمان فهذه هي الدنيا، ولا شيء يدوم،
وكل إنسان لا بد أن يرحل إن عاجلا وإن آجلا، فما دامت هنالك حياة، فهناك أيضا الموت.

رثاء خاص

هذا وقد رثى جرير نفسه حين رثى خصمه الفرزدق وحاول أن يقول فيه كلمة حلوة في أواخر عمره، ومما قال:

لتبك عليه الإنس والجن إذ ثـوى فتى مضر، في كل غرب ومشرق
فتى عاش يبني المجد تسعين حجة وكان إلى الخير والمجـد يرتقـي


أسلوب جرير


أول ما يطالعنا في أسلوب جرير، سهولة ألفاظه ورقتها وبعدها عن الغرابة،
وهي ظاهرة نلاحظها في جميع شعره، وبها يختلف عن منافسيه الفرزدق والأخطل اللذين كانت ألفاظهما أميل إلى الغرابة والتوعر والخشونة.
وقد أوتي جرير موهبة شعرية ثرة، وحسا موسيقيا، ظهر أثرهما في هذه الموسيقى العذبة التي تشيع في شعره كله.
وكان له من طبعه الفياض خير معين للإتيان بالتراكيب السهلة التي لا تعقيد فيها ولا التوا.. فكأنك تقرأ نثرا لا شعرا.

ومن هنا نفهم ما أراده القدماء بقولهم: (جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت من صخر)،
وهذا القول يشير إلى ظاهرة أحرى في الشاعرين، وهي أن جريرا كان أكثر اعتمادا على الطبع من الفرزدق، وأن الفرزدق كان يلقى عناء شديدًا في صنع شعره.

وإن اعتماد جرير على الطبع وانسياقه مع فطرته الشعرية من الأمور التي أدت أيضا إلى سهولة شعره وسلاسة أسلوبه ورقة ألفاظه،
إذ كان لشعره موسيقى تطرب لها النفس، ويهتز لها حس العربي الذي يعجب بجمال الصيغة والشكل، ويؤخذ بأناقة التعبير وحلاوة الجرس أكثر مما يؤخذ بعمق الفكرة والغوص على المعاني.

ولهذا أبدع جرير في أبواب الشعر التي تلائمها الرقة والعذوبة، كالنسيب والرثاء..

على أن انسياق جرير مع الطبع وقلة عنايته بتهذيب شعره وإعادة النظر فيه، كل ذلك جعل من الابتكار والإبداع في المعاني قليلا،
لا يوازي حظ الفرزدق من ذلك، حتى أنك لتنظر في بعض أبياته فلا تجد فيها غير صور لفظية جميلة جذابة، لا يكمن وراءها معنى مبتكر ولا فكرة طريفة..

فاقرأ مثلا أبياته الغزلية في هذا المجال، تجد أنها معان مكررة، لا جدة فيها ولا طرافة،
قد وضعت في قالب لفظي جديد وعرضت عرضا جديدا..ففي هذه الصور والقوالب تظهر براعة جرير وافتنانه،
أما سعة الخيال وتوليد المعاني وطرافة الأفكار، فحظ جرير منها دون حظ الفرزدق، وإلى هذا الأمر أشار" البحتري"
حين فضل الفرزدق على جرير لتوليده المعاني، مع أن البحتري كان في طريقته تلميذا لجرير،
ينحو نحوه في رقة الألفاظ وسلاسة الأسلوب.

وكان لحياة جرير البدوية أثرها الكبير في شعره، كما كان لها أثرها في نفسه..
فتأثير النشأة البدوية واضح من جزالة ألفاظه ورقتها وسهولتها، وبداوة صوره وأخيلته..

إلا أن شعر جرير لم يخلص لأثر البادية وحدها، فقد كان للقرآن الكريم أثره في شعره،
إذ لطف فيه من طابع البداوة، وكان له أثره في رقة ألفاظه وسهولة أسلوبه،
كما كان له أثر في معانيه وأفكاره.

ولا نرى جريرا يكثر من الصور البيانية في قصيدته هذه أو تلك..
ففي شعره يظهر الأسلوب البدوي، فهو قريب التناول جميل التعبير.


فنية جرير الشعرية

الشاعر جرير من النفوس ذات المزاج العصبي وذات الطبع الناعم الرقيق،
ولئن جعلت رقة الطبع شعره دون شعر الفرزدق فخامة، لقد جعلته يتفوق في المواقف العاطفية كالرثاء.

فالعاطفة هي منبع كل شيء في شعر جرير، وهي عنده تطغى على العقل والخيال،
ولهذا ضعف تفكيره كما ضعف خياله ووصفه، فجرى على توثب إحساسه الذي يثيره أقل تهويش، وتستفزه المؤثرات العاطفية.

وقد اجتمعت العاطفة عند جرير إلى قريحة فياضة، فكان شعره ينسكب عن طبع غني .
وكأن الشاعر فعلا يغرف من بحر. فلا يجهد بشعره، ولا يعمد إلى التفاف وتنقيح ونحت كالفرزدق،
بل يسيل شعره سيلانا في سهولة، تمتد بامتداد قصائده الطويلة، وفي خفة ولباقة تعبير، وموسيقى لفظية أخاذة، بجانب الوضوح ولآسر.

وجرير، وإن كان شاعر الطبع والعاطفة المتدفقة، لم يسلم أحيانا من الصنعة وتطلب التأثير بألوان من الأساليب الفنية اللفظية.

وهكذا كان جرير أقدر من الأخطل والفرزدق على نقض الكلام وأشد فتنة،
وأغنى قريحة وأرق عاطفة ولفظا، وأوضح كلاما وأوفر انسجاما ونغما موسيقيا، إلا أنه دون الأخطل والفرزدق خيالا وتفكيرا وجزالة.


أتمنى أن تكون قد نالت إعجابكم.. وأن أكون وفقت في نقلي المعلومات ..



دمتم سالمين ..


 
 توقيع : عايض عبدالله

ayeth_@hotmail.com

لـ نتواصل


رد مع اقتباس