عرض مشاركة واحدة
قديم 19-05-2010, 12:37 AM   #884
بداح فهد السبيعي
(*( مشرف )*)


الصورة الرمزية بداح فهد السبيعي
بداح فهد السبيعي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1871
 تاريخ التسجيل :  Aug 2008
 العمر : 43
 أخر زيارة : 26-05-2017 (10:32 PM)
 المشاركات : 2,187 [ + ]
 الإقامة : رماح
 زيارات الملف الشخصي : 29772
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Blueviolet


صوت القارة الأسترالية العربي.. يحيى السماوي:
الشعر ليس الكلام الموزون المقفى؟!


حوار - محمد عبدالعزيز الفيصل

في بريق عينيه فصولٌ من الحزن والحسرة والألم.. وفي أمله فصولٌ من الإقدام والطموح والعزيمة.. لم تزده قساوة الأقدار أو حدة الظروف إلا تماسكاً وقوة؛ فكان الألم الجميل هو خير رسول إلى قريحته الشعرية التي انسابت تنشد بهدوء شديد قصائد تهادنت مع الألم؛ لتصبح مع مرور الوقت لازمةً له وهو لازمٌ لها؛ فتعبر آلاف الأميال من أقصى قارات الأرض لتحلق في وطنه العربي، وطن الحلم الذي ما زال يشدو به مترنماً الألم ومتأبطاً حبه العظيم للوطن الكبير الذي لن يتخلى عنه حتى الموت.

اختارت (مسيرة) لك أخي القارئ هذا الأسبوع صوت القارة الأسترالية (العربي) الشاعر يحيى السماوي، الذي فضَّل العيش في أستراليا والموت في وطنه الأم العراق، الذي زاره أخيراً ليشتري قبره الذي سينام فيه إلى الأبد مطمئناً بجوار أهله ورفاقه وسابقيه.

يحيى السماوي الذي ولد هام 1949م بالسماوى بالعراق، الذي خلق من الألم إبداعاً عروبياً صافياً، الشاعر الذي أجبر سكان القارة الأسترالية (العجم) على التصفيق له؛ فكان صوته العربي الحزين هو خير رسولٍ إلى أفئدتهم التي ظلت لسنين لا تعرف للعرب طريقاً أو منفذاً.

رغم كل تلك السنين من القهر والظلم والعدوان لم يتخلَّ السماوي عن حبه؛ فظل يسقيه وينميه حتى استغلظ واستوى على عوده؛ ليكون خير رافدٍ ومعينٍ له في نهاية عمره؛ فزار وطنه الأم متمثلاً قول الشاعر:

بلادي وإن جارت علي عزيزةٌ

وأهلي وإن ضنوا علي كرام

فكثيراً ما يردد «أريد أن أضيف زهرة إلى حديقة المحبة الكونية»، وبالفعل كانت هذه الزهرة هي خير سفير لنواياه الحسنة ولحبه العظيم.

لم تكن تلك الممانعات التي كان يبديها الشاعر يحيى السماوي حائلاً دون إجراء (مسيرة) لهذا الحوار المقتضب معه، الذي سيكشف فيه - ولأول مرة - فصولاً من حياته وسيرته وشعره.

أ. يحيى، بين السماوة وبغداد وسيدني مسافات وحكايات شاسعة واسعة ... حدثنا عن رحلتكم ونشأتكم وحياتكم بين هذه المدن والقرى والأرياف كيف كانت وأصبحت وما هي أبرز نقاط التحوّل والظهور فيها، وكيف استطعتم الدخول إلى عالم الثقافة والشعر في ظل الإمكانيات المتواضعة، وهل يمكن أن يكون الفقر حائلاً دون الإبداع والموهبة، وهل تتذكرون أول قصيدة صدحتم بها؟

- لا أزعم أنني من عائلة رضعت بنيها الثقافة، ولا أزعم بأنّ في عائلتي أدباء ومفكرين..!، فأنا من عائلة فقيرة من قرية (السماوة) بالعراق لم تكن تملك سوى منزل طيني وأب بقّال وأم قروية، وكنا نفتقر إلى أبسط الإمكانيات الضرورية، فكنا نتمنى المكتبة والكتاب، ولكن في نفس الوقت كنا نشعر بثراء روحي عندما نسمع من جداتنا تلك القصص والروايات على ألسنتهم الرطبة، ولحسن حظي أن والدي كان يحسن القراءة وكان يحفظ شيئاً من شعر المتنبي ومن أدب الجاحظ فتكوّنت ثقافتي الأولى على الحكاية الشعرية، حكاية أمي وجدتني فكانت هي الأساس حتى انتقلت إلى المرحلة الثانية عندما طلب مني معلم مادة الإنشاء في الصف الثاني المتوسط أن أكتب إنشاءً على ضوء البيت الشعري:

لا مرحباً بغدٍ ولا أهلا به

إن كان تفريق الأحبة من غد

وهو بيت للنابغة الذبياني، في ذلك اليوم بدل أن أكتب عن هذا البيت وجدت نفسي – لا شعورياً – أتبعه بثمانية أبيات تنساب مني عفواً وفوجئت بأنها سليمة لغةً وعروضاً! فما كان من معلم اللغة العربية إلاّ أن نشرها في مجلة إدارة تعليم السماوة وعلى لوحة المدرسة، فوجدت نفسي دون أن أعي أتنقل بين القصائد دون أن أعرف العروض، ويبدو أنني كنت أمتلك أذناً موسيقية وأحسن الكتابة في العروض صواباً، دون أن أدرك أنني أكتب عروضاً، ثم شاءت المصادفات أن تفتح مكتبة عامة في مدينتنا الصغيرة، ومن حينها بدأت رحلتي مع الكتاب فأحسست وكأنني جزء لا يتجزأ من هذه المكتبة التي كنت أعيش في فيها أكثر مما أمضيه في بيتي، وفي مرحلة الثالثة المتوسط أخذت جائزة المدينة في الخطابة، فبدل أن أكتب نصاً خطابياً كتبت قصيدة شعر، فأول قصيدة كتبتها هي ذكرى قصيدة صبي مراهق دون أن يعرف معنى العشق، فاستطعت أن أضيف بعض الخضرة إلى موهبتي، وحتى إذا وصلت صف الخامس الثانوي طبعت أول ديوان شعر في الستينات الميلادية، وفي نهاية هذه الأعوام بدأت أنشر في الصحف العراقية، وشرعت الأيدي في التصفيق لي عندما ألقي القصائد في المهرجانات الشعرية في المدارس، وبدأت أحس بأنّ موهبتي الشعرية تتنامى وتكبر، فأخذت أتسابق أنا ونفسي لأدخل الإبداع، وقبل أن أدخل الجامعة نشر ديواني المطبوع وكتب عنه الكثير، فكنت أشبه بتلميذ مهذب لنزار قباني كأي مراهق أو صبي حالم، فبعد ذلك اكتشفت أنّ الحياة ليست أن أحب امرأة، بل أن أضيف زهرة جديدة إلى حديقة المحبة الكونية.

والتحول الشعري لديّ حدث عندما كتبت ديواني الثاني (قصائد في زمن البكاء)، ففي هذا الديوان بدأت أكتب عن الظلم والقهر في هذا العالم.

هل كان ذلك انعكاساً لما كنت تقرؤه وتفكر فيه؟ أم مرآة لواقع كنت تعيشه وتحس به؟

- لا لم يكن كذلك، بل كان تأثراً بالرومانسية ونزعة صبي حالم، فبعد هذه القراءات صار عندي قناعة خاصة ودارت في ذهني الأسئلة؛ لِمَ أنا ابن رجل كادح؟! أذهب للمدرسة بدون فطور؟!، وإذا توفر لي فهو بائس بينما هنالك آخر يأتي به سائق خاص إلى المدرسة وقد فرشت له الأرض زهوراً!

يشير بعض من النقاد إلى أنّ الموهبة الشعرية ليست طبعاً بل صناعة يمكن أن تكتسب من خلال الدراسة كما هو حال مختلف العلوم والمعارف؛ فما تعليق الشاعر يحيى السماوي على ذلك؟

- لا يمكن أن يكون الشعر صناعة ولو كان كذلك لأصبح كل إنسان شاعراً، على سبيل المثال هنالك أستاذ كبير متبحر في علم العروض ولكنه لا يستطيع أن يكتب بيتاً واحداً!، وهنالك من الأميين ممن لم يقرؤا العروض وممن ليس لهم مراس لغوي ولكنهم شعراء فطاحل، فهم يملكون حس الشعر والقصيدة الجميلة الرقيقة، فالقصيدة هي بمثابة الموج الطافح على اللسان، فإذا كان العذاب في الداخل فهي بمثابة الموج أو الزبد الطافي على السطح كما ذكرت، ولو صح هذا القول لأمكن لأحدهم بأن يفتتح معهداً لتعليم الشعر ولتخريج الشعراء.

هل هذا الزمن هو زمن الرواية؟ وهل انتهى زمن الشعر؟

- يا صديقي شيء جميل أن يستفيد الشعر من الرواية والعكس، فأنا لا أخشى على الشعر ولا يوجد زمن للشعر وزمن للرواية ولكن المشكلة تكمن في رأيي لسببين المأزق؛ وسببه أن الواقع المعاش واقع مأساوي فهنالك حروب وذبح وقتال وتشريد؛ فالقصيدة الشعرية العربية لم تعد قادرة على استيعاب كل ذلك الألم فنحن بحاجة إلى ملحمة طويلة جداً ونفس عميق لكي يصور هذا الألم الكبير، بينما الرواية يمكن أن تتسع لهذا الحدث.

الأمر الآخر أن الطارئين على الشعر قد أضرّوه فأصبح بإمكان من يملك حفنة من النقود أن ينشر قصائد بمعزل عن الرقيب..؟!، أقسم يا سيدي أننا كنا نخاف من أن تتسبب حركة واحدة في حجب القصيدة المرسلة إلى الصحيفة من النشر!، فجاء وقت فأصبحت تنشر القصائد من دون أي مراجعة، أيضاً الطارئون على الشعر قد أفسدوا حتى الذائقة الشعرية فالعلة ليست في الشعر إنما في الشعراء.

هل ترون أن هناك تقاطعاً بين قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية؟ أم أنها بداية وانتهاء لحقبة الشعر العامودي؟

- الشعر ليس الكلام الموزون المقفى؛ فهذا تعريف خاطئ للشعر ولو كان الشعر هو الكلام الموزون المقفى لكانت ألفية ابن مالك شعراً!، الشعر هو الكلام الجميل المعبر عن الروح والذي يحمل مسافات شاسعة من الخيال، فلا أظن أن الوزن والقافية هما اللذان يمنحان القصيدة الأهمية، فكما قلت ألفية ابن مالك ستعد ملحمة رائعة لو كانت شعراً، وقد تحمل بعض الجمل النثرية من الشعر ما لا تحمله قصيدة أو ديوان كامل.

إذاً كيف تقيمون المعارك التي درات بين أنصار القصيدة العمودية وشعر التفعيلة وقصيدة الثر؟

- أقول لهؤلاء المعارضين للتطوير والتحديث الشعري اللون الواحد لا يشكل قوس قزح ويجب علينا مباركة كل ما هو جميل وجديد والشعر بحاجة إلى اللون العمودي والتفعيلي والنثري وغيرها من الألوان التي يمكن أن تستجد في مستقبل الشعر العربي، وفي رأيي أن هذه المعارك مصطنعة.


يتبع


 
 توقيع : بداح فهد السبيعي


أكذب عليك إن قلت لك: ما نيب مشتاق=عزالله إن الشوق كفى ووفى
غلاك ثابت داخل أعماق الأعماق=هوهو .. لين آموت والا آتوفى
أسلوب وإحساس وسواليف وأخلاق=ومشاعرٍ كنّي عليها آتدفى..!

خالد الحصين





رد مع اقتباس