عرض مشاركة واحدة
قديم 25-05-2010, 02:32 AM   #906
محمد بلال
مستشار إداري


الصورة الرمزية محمد بلال
محمد بلال غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1920
 تاريخ التسجيل :  Nov 2008
 أخر زيارة : 12-05-2020 (10:29 PM)
 المشاركات : 17,650 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 60990
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Brown


الخيام... خمرة الشعر الصوفي ورمز العشق الإلهي


أعلنت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون والآداب الثلاثاء الثامن عشر من أيار يوماً عالمياً لتكريم الشاعر الإنساني الحكيم أبو حفص غياث الدين عمر الخيام النيسابوري، الذي يعد من كبار الفلاسفة والشعراء الذين تركوا أصداء مدوية في أرجاء العالم المحتفي بالفكر والفن وأثارت رباعياته آلاف العشاق على امتداد أصقاع البسيطة. ألف عام يمر على ولادة الخيام في مدينة نيسابور بضواحي خراسان في إيران؛ فما سر خلود هذا الشاعر وإعجاب الناس على اختلاف لغاتهم وطبائعهم برباعياته التي تجاوزت ترجماتها للعربية الستين؟

إن احتفاء منظمة اليونسكو بالخيام وانتخاب يوم 18/5/2009 يوماً عالمياً لتكريمه ناجم عن جهود هذا الشاعر لتحقيق الوفاق الإنساني، والتعايش السلمي والتسامح في عصر اتسم بالعنصرية والمادية والتشاحن فضلاً عن تطويره لعلوم الفلك والرياضيات والطبيعيات والموسيقا والفلسفة.
إن الغاية الأساسية من تكريم هذا المفكر العملاق هي تصحيح الصورة والشبهة، التي التصقت به في الأدب العربي خلال القرن الأخير في حين أن الخيام كان تلو ابن سينا في الحكمة ويضرب به المثل في النجوم ويعتبر سيد حكماء الشرق والغرب وأزخرهم بحراً وأرفعهم قدراً وأطولهم في الرياضيات باعاً.
والعجيب أن الخيام لم يشتهر داخل إيران برباعياته، كما اشتهر في أوروبا والشرق، حيث كان يلقب بالحكيم لتبحره في علوم النجوم والطب والمنطق والرياضيات.
إن الخيام كان يجيد العربية إجادة الفارسية ونظم شعراً عربياً، وكان من العلماء المسلمين البارزين في القرن الخامس الهجري، حيث فاضت روحه حين كان ساجداً في آخر لحظات عمره وهو يردد:

سئمت يا رب من حياتي
وكل هذا الضيق بالحاجات
وأنت من تخلق كل الورى
من عدم ومن حياة الذات
أدعوك أن تخرجني بالردى
من عدم إلى الوجود الآتي

إن أكثر من ستين أديباً وشاعراً ترجموا رباعيات الخيام إلى العربية، بدءاً من أحمد رامي التي اختارت أم كلثوم منها قصيدة «سمعت صوتا هاتفا في السحر»، لتكون من أشهر أغانيها، وحيث إن أغلب الترجمات تمت بواسطة اللغة الإنكليزية فقد فقدت الكثير من مضامينها، وتعتبر ترجمة الشاعر أحمد الصافي النجفي وهو من كبار شعراء عصر النهضة في العراق «1894/1977»، وترجمة الأديب المصري أحمد رامي من أفضل الرباعيات المعربة نظراً لأن المعربين قاما بالترجمة مباشرة عن اللغة الفارسية، كما عكفا على دراسة الفارسية وآدابها لاسيما الصافي النجفي الذي أمضى ثماني سنوات يدرس الأدب الفارسي في المعاهد الإيرانية؛ كما لابد من التنويه بتعريب العلامة محمد الفراتي من سورية والراحل إبراهيم العريض من البحرين والدكتور مصطفى جواد من العراق، والعلامة عباس محمود العقاد لما لترجماتهم من أهمية جليلة ورائعة.
إن أبا حفص عمر الخيام من كبار فقهاء زمانه وله رسائل متعددة في الفقه والشريعة، وأمثاله لا يأتون إلى الدنيا إلا في أحقاب متباعدة متطاولة، إنه شاعر ملأ الأرض عبقاً شعرياً تستطيبه مشام أولئك الذين أحبوا الجمال وأدهشتهم تجلياته في عالم الخلق.
ومن المعروف أن الخمرة في الأدب الصوفي هي رمز للعشق الإلهي، فالسكران هو العابد الزاهد والساقي هو الذي يعطي الخمرة، ويدخل الفرحة على قلوب العباد حيث يرمز عادة إلى الباري المتعال.
إن الذي شاء الخيام أن يقوله للناس من خلال رباعياته هو: لم القلق ومزيل القلق موجود؟ وهل هناك ما يستحق أن نقلق من أجله؟ وإذا كان هناك ما يبعث في النفس السرور والبهجة فلم العزوف عنه؟ وهو القائل:

اشرب المدام التي تزيل
من القلب هم الكثرة والقلة
وتبعده عن الانشغال
بالاثنتين والسبعين ملة
ولا تتعف عن الكيمياء التي
تناول جرعة واحدة منها
يزيل ألف علة وعلة

ولابد من الإشادة بالشاعر الإنكليزي فيتزجرالد، الذي كسا عظام الخيام لحماً وأعاد إليه الروح من جديد وبعث الخيام من مرقده، وأسمع أوروبا الحائرة صوته الرخيم ليملأ الخواء الروحي والمعنوي الذي يعاني أبناء قومه.
يرى الخيام بأن العمر رأسمال الإنسان، وعليه أن يعرف كيف يقضيه، ولا ينسى بأن العمر قصير محدود طافح بالهموم والغموم يمر عابراً ويصفه بالقول:
قد انطوى سفر الشباب واغتدى
ربيع افراحي شتاء مجدبا
لهفي لطير كان يُدعى بالصبا
متى أتى وأي وقت ذهبا؟
أكثر من ثلاث مئة كتاب باللغة العربية دونت، حول هذا الشاعر اللغز الذي حير العالم برباعياته العرفانية وحكمه الإنسانية، ولا نزال نجهل الكثير من أفكاره؛ شاعر يدعو إلى التسامح والألفة ولم الشمل بلغة فلسفية خلدها التاريخ؛ شاعر يلفه التناقض والتضاد، وهذا هو السر الكامن في كل فنان ومبدع.

عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب
سمير أرشدي - صحيفة الوطن


 
 توقيع : محمد بلال






رد مع اقتباس