عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2010, 03:40 AM   #977
محمد بلال
مستشار إداري


الصورة الرمزية محمد بلال
محمد بلال غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1920
 تاريخ التسجيل :  Nov 2008
 أخر زيارة : 12-05-2020 (10:29 PM)
 المشاركات : 17,650 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 61165
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Brown


الناقد سليم النجار: الشعر أحد أهم مفاتيح الهوية العربية



عمان – القبس
ثمن الحرية زهيد، لكن هذا لا يدركه إلا أصحاب البصيرة، بهذه الكلمات المؤثرة بدأ رحلته الشاقة، نحو عالم بلا فقراء وحياة بلا خوف. لكن السؤال الذي طرحه كثيرون على أنفسهم، ممن سمعوه عن حلمه شبه المستحيل، هل مهمة بهذا الحجم الكبير يمكن لشخص فرد من العالم الثالث القيام بها وتسجيل نجاح نسبي؟
لكن في الوقت الذي كان صاحب هذه الكلمات الكاتب والناقد سليم النجار يعبر عن طموحه لتأسيس فكر نقدي عربي، فقد كان يسعى لنبش كل ما هو مختبئ في ثقافتنا العربية من زوايا معتمة في لقائه مع القبس .
بدأ رحلته النقدية منذ كتابه الاول «قراءات في الرواية الفلسطينية الحديثة»، ولم يتوقف عند كتابه الاخير «سؤال الهوية»- وهو قراءة نقدية في المجموعة القصصية للمبدع العربي الكبير غالب هلسا «زنوج وبدو وفلاحون».
القبس التقته وكان هذا الحوار:

• أين يجد سليم النجار نفسه حينما يود الكتابة؟
ــــ الفرق بين الانسان وبقية الكائنات ليس كبيراً، هو الكلام الذي يحتمل الصدق أو الكذب، والقوانين التي تنظم العلاقات بين البشر تنظمها كي لا يبقى الكذب قائما يفتك بالحقيقة، من هنا كانت القوانين صارمة ولا تفرق بين البشر على مختلف الاجناس والاقوام والديانات.
الأكثر إيلاما
لكن من بين هذه العوالم المتباينة جميعاً، انفرد العالم العربي بالتجربة الاكثر ايلاماً، والتي تجعله يعيش اليوم في حال من الاحباط والخوف وفقدان الثقة بالنفس والآخر معا. فقد انخرط قبل الصين والهند وروسيا في البحث عن الحداثة واستيعابها واستثمر فيها ماديا ونفسيا طوال أكثر من قرنين. عرف الانسلاخ عن الماضي والضياع كما عرف حروب النزاع الداخلي والغزو وحروب الاستعمار التي عرفتها المجتمعات الاخرى جميعا، لكنه بعكس هذه المجتمعات الكبرى لم ينجح في أن يعيد بناء نفسه في فضاء الحداثة، لا من الناحية الجيوسياسية، كما فعلت الصين والهند وروسيا، ولا من الناحية السياسية، ولا من الناحية الثقافية، ولا حتى من الناحية الاقتصادية. باختصار، لقد فقد نظامه القديم من دون أن يدخل في النظام الجديد. وبقي ذلك من دون نظام، أي في حال من الفوضى المادية والسياسية والفكرية والروحية تجعله اليوم الاكثر انتاجاً للعنف والبؤس المادي والروحي والتعاسة الفردية والجمعية في العالم. ويكاد يكون المكان الوحيد الذي لا يزال يشهد ظاهرة الاستعمار فيه، والاستيطاني منه في شكل خاص، وحكم الفرد المطلق، وسيطرة قانون الغلبة والقوة. كما بقي الاكثر طرداً في ظل العداء والعنصرية، وليست الفوضى سوى النتيجة الطبيعية لانعدام النظم والمعايير والمفاهيم المتساوقة التي تضبط سلوك الجماعات والافراد وتخضعه لقواعد ثابتة ومعروفة ومتوقعة. ففي غياب مثل هذه القواعد، لا يبقى هناك ما يضبط حركة القوى من أي مستوى كانت، سوى ميزان القوة وحده وما يستطيع كل صاحب قوة من توظيفه في بناء قوته من موارد قديمة أو حديثة، أو من علاقات شخصية وولاءات وعصبيات وتصنيفات وتحالفات، وهو ما يجعل من الحرب نمط سلوك أو ناظماً وحيداً للعلاقات بين المجتمعات وداخلها معاً، وفي عمق الفرد الذي تتنازعه أيضاً منظومات قيم وغايات وآمال متباينة ومختلفة أيضاً. في ظل هذا العالم العربي الذي أنتمي اليه، أجد الكتابة تتجه نحو رؤية هذه المشكلات، والتي أرى انها أخطر مشكلة يعانيها عالمنا العربي، وأحاول صياغة هذه المشكلة على شكل أسئلة: كيف أمكن للفكر العربي أن يصل بهذه السرعة إلى هاوية الفاشية التي أدركها بصرف النظر عن الشعارات والفلسفات؟ كيف أمكن له أن يغوص إلى هذه الهوة المظلمة وأن يسقط في مستنقع تقديس الدكتاتورية باسم الطليعة وباسم ترتيب الظروف الموضوعية الناضجة لتحرير الشعب؟ كيف أمكن للنظريات التحررية الليبرالية والمادية التاريخية أن تهوي مع الطلائع البائسة إلى هذا الدرك من التناقض والتحلل والتفكك والعقم؟ كيف أمكن للأمة أن تحبل بمثل هذه المسوخ الفكرية وأن تحملها لعشرات السنين وتلد بها وتتحمل صورتها ومنظرها ونموها كل هذه الاعوام؟
استغراق في التنظير
• كيف تقيّم الكتابات النقدية التي تنشر في الصحف العربية؟
ــــ إن شبه الغياب الذي يعانيه واقع النقد الادبي في اللحظة الراهنة، لا يعود إلى غياب محدود أو كامل في مجال الابداع الذي يتقدم النقد، ولا إلى عجز النقاد عن استخدام آليات النقد الادبي الجديد وأساليبه، بقدر ما يعود إلى الاستغراق في التنظير والابتعاد عن التطبيق. إن ما نطلبه في هذا الشأن ليس متوافراً، فالنقد الحقيقي في مجتمعاتنا ليس مألوفاً، بل في الغالب محظوراً، أو دونه عوائق جمة. وهل للنقد الادبي أن ينمو ويتطور الا في جو من الحيوية وحرية التفكير ومفتوح على كل شيء؟ ألا يصح القول إن نقدنا الادبي يعاني مشكلة كبيرة هي افتقارنا إلى فكر نقدي حر؟ والصحف العربية في هذا السياق وبغض النظر عن ما يقال، لما تقوم به فانها تجد فسحة معقولة للنقد التطبيقي، ونحن في أمس الحاجة اليه.
• أين هو الشعر العربي الآن بعد رحيل محمود درويش؟
ــــ الأرض هي الوطن والكيان والوجود، كان هذا دائما مفهوم الأرض بالنسبة للشعب الفلسطيني، ولذا دافع عنها وناضل من أجل المحافظة عليها من بداية القرن وما زال حتى يومنا هذا. ومن أجل الأرض ذهب من ذهب، فهل ذهبت الأرض؟ أم بقيت تنتظر أصحابها ليحرروها؟ والشعر احد أهم مفاتيح الهوية العربية، منذ أن عرف الانسان العربي لغته، ونظم من نظم، وقصد من قصد، فمن ذهب، أو في طريقه للذهاب، تبقى الهوية الثقافية العربية تستمد عنفوانها من الشعر كحالة اجتماعية يلعب فيها الشاعر الفرد دوره في حدوده الانساني، ولا مجال للتقديس في هذا الجانب، والا هنالك علامات بارزة في شعرنا، عندما ذهبوا، هل ذهب الشعر؟ أو تعرض لانتكاسة؟
هذر لغوي
• كيف ترى كتابات المبدعين الجدد الذين ظهروا على الساحة خلال العقد الاول من القرن الواحد والعشرين في الوطن العربي؟ هل هناك اتجاهات محددة؟
ــــ الحجة الرئيسية التي طرحها غرامشي في مقاله عن المثقفين بسيطة: إن تصور المثقفين كفئة اجتماعية متميزة ومستقلة عن الطبقة ليس الا خرافة، فكل الناس يمكنهم أن يكونوا مثقفين، بمعنى أن لديهم ذكاء وأنهم يستخدمونه ولكنهم ليسوا جميعا مثقفين من حيث الوظيفة الاجتماعية.
أعتقد أن معظم الكتابات الجديدة لا تنتمي لفئة المثقفين، ولا هم أصلا يبحثون عن وظيفة اجتماعية تنويرية، كل أو جل ما يتم كتابته ما هو الا هذر لغوي!
• ما هي أبرز جهود سليم النجار النقدية؟ وما هي المشاريع التي تشغل باله؟
ــــ هذه الثقافة هي عملية «بروسيس» مستديمة يدخلها من يدخلها، ويخرج منها من يريد. لا إكراه في الدين ولا إكراه في الثقافة، ولكن من يدخلها يترك فيها شيئاً منه، وتترك فيه شيئاً منها فيصبح هذا التراكم النوعي إرثاً وتراثاً ينهل منه الجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الايدولوجية أو السياسية أو الحزبية الضيقة، هذا ما أبحث عنه، ترك أثر ما، وهذا الجهد الحقيقي الذي أنا أسير على نهجه.
غلط في الحسابات
• سبق أن قلت أن الاصولية هي فلسفة اللامعنى. هل لك أن توضح ماذا كنت تقصد بهذه المقولة؟
ــــ الثقافة أصبحت اسم جنس جامعا لكل ما هو من نشاط الروح والفكر والقيم، ولكل ما من شأنه بعد ذلك أن يفترض الدرجة الأرقى والسيطرة والتحكم في المسار، وهي بذلك تصبح في موقع التوجيه والارشاد، واذا كانت في موضعها الذي يجب أن تكون فيه، فإن الحضارة ستتلوها إلى ما من شأنه إعمار هذا الكون والتقدم فيه واشاعة الغاية الاسمى في السلام والاستقرار، أما اذا كانت الثقافة في موقع غير موقعها بأن يلقى بها إلى أسفل نتاج الجسد وعلاقاته الواسعة للحضارة، فإن مصير هذا الكون سيغدو مختلفاً بالمطلق ولن ينجو من الرهانات الخاسرة وأثرها في انتاج النزاعات والاضطرابات والكوارث وعدم الاستقرار.
ما يختلف في زمننا الذي نعيشه أن آخر تدخلات السماء كانت قبل نحو قرن ونصف القرن، وهكذا فإن ما تقوله الرواية اللاهوتية أن أمر التدخل قد انتهى إلى غير رجعة وعلى الانسان بعد أن أصبح راشدا بما فيه الكفاية نتيجة جملة هذه التدريبات أن يرى بنفسه طريقاً للخلاص، بما يقيم معه خطواته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك، وهنا تكمن عناصر التشويق في هذه الرواية حيث البطولة غدت مطلقة للانسان، وكذلك الهزيمة غدت أيضا مطلقة له بحيث اصبح في مواجهة نفسه لا حجة له على شيء آخر مطلقاً.
الاصولية في هذه السياقات، هي وهم ناتج عن غلط في الحساب أو عن غلط في الارادة كما تقول المصادر المعجمية، ولكنه أيضاً على نوعين، وليس نوعاً واحدا لا شك عندي في هذا الامر، أما أهونه فهو الخطأ البدائي الناشئ عن خطأ التحديد، وأعظمه مرده إلى خلل في الرؤية يقود إلى هذا الخطأ، فالبصر هو المتهم أولاً وهو المسؤول عن هذا الخطأ لا ريب في ذلك، فالسمع إذن أقل خطراً في الانزلاق إذ ثمة متسع من الوقت للتفكير بينما تجد البصر أسرع انزلاقاً إلى الخداع وبالتالي الوقوع في شرك الوهم وحبائله.
بهذا المعنى، فإن الاصولية التي لا تؤمن بالثقافة البصرية، وتتعامل معها بنوع من الاستعلاء، وإن اعترفت بها بشكل محدود، لا يمكن لمثل هكذا أصولية أن تكون مصدراً لحرية ولا لديموقراطية ولا بغير ضحايا، ومن يقع في هامش هذا من أصحاب ثقافة الاستسلام لا يمكن لهم بحال إلا أن يكونوا أداة خداع جديدة وظيفتها الاساس هو صناعة وهم الثقافة، وفي الطريق إلى هذا الهدف تصبح النتائج الوهمية القائمة عليها وهماً كبيراً أول ثماره سلام روح الذي لن يكون الا خدعة جديدة في مجال الوهميات وصناعاتها.
هنا تنشأ في كل قوانين الفيزياء المجتمعية القوة المضادة الوحيدة القادرة على أن تحول هذه الاوهام إلى كومة كبيرة من ركام فارغ يعيد للانسان كرامته الحقيقية وحريته التي كرّمه الله بها، ومن أجلها جعله في هدف عمارة هذا الكون وضد مشاريع تدميره الخطرة. هذه القوة هي قوة ثقافة التنوير التي تصبح بفضل تضحياتها ووضوح مرتكزاتها الرمح الذي يقتنص قلب الخداع النابض ويتكفل بتحويله إلى مجرد مرحلة من التاريخ!

.. عن المجتمع والروائي
• ما هي أهم القضايا العامة التي تشغل بال الروائي العربي هذه الايام؟
ــــ حين نقول أو نبحث عن القضايا التي تهم الروائيين العرب، يحفزنا عنصران أساسيان ينبغي تحديدهما، ولو بايماءات خاطفة، هذان العنصران هما: المجتمع والروائي.
يصطبغ هذا العصر، عصرنا، بأعظم ظاهرة اجتماعية هي الوجدان القومي، أي الشعور بشخصية الجماعة، وهذه الظاهرة في مساق التطور، أوضحت في جملة ما أوضحت، أن العالم واقع مجتمعات: المجتمع الروسي، المجتمع البريطاني.. الخ.. وأن لكل هذه المجتمعات ميزات خاصة تميزها عن سواها. ومع هذا الواقع صار بالامكان تسمية كل مجتمع إنسانا.. فنقول: الانسان الالماني، أي المجتمع الالماني، لأن الوجود الانساني الحقيقي هو المجتمع (أي الجماعات الانسانية التي أرتقت بالنشوء والتطور إلى رتبة المجتمع) الذي اكتسب بتفاعل هجراته واتنياته من ما بينها، وفي ما بين هذه جميعاً مع البيئة/الوطن، اكتسب ما جعل منه انساناً متميزاً عن سواه.بكلام آخر وأكثر تحديدا، إن الحالة التي نحن فيها، من أخطار تحيط بنا من الخارج، يقابلها من الداخل ضعف في التنبه، هي حالة يضيع فيها جزء غير يسير من فاعلية وحدة مجتمعنا لأنها تجعل قوى مجتمعنا في حالة تصادم، يعرقل بعض مجتمعنا بفعلها بعضه الاخر. وهذا هو الخطر الاهم لأنه يضعف مقاومة مجتمعنا في مواجهة الخطر الخارجي وقد يشلها، فضلاً عن أنه يزيد آثار هذا الخطر ويحقق سلبياتها.
هذه الحالة مردها إلى أن العلاقات التي تعين مقدار حيويتنا ومؤهلاتنا للبقاء والارتقاء، ما زالت غامضة غير واضحة ومجهولة. فالبناء الاصح هو على الانسان الدائم ما دامت الحياة. على الانسان المجتمع الذي تتدافع أمواج أجياله إلى الحياة. وعندما تنتهي آجال أفراد جيل نرى جيلاً جديداً حل محلها وأخذ في الحياة دوره الفاعل من حيث انتهى دور الجيل الذي سبق. هي ذي إذن، استمرارية الوجود التي يمكن أن تبنى عليها الانظمة والقوانين الصحيحة التي تتوخى القيم المجتمعية. أعتقد أن هذه هي القضايا التي تشغل الروائي العربي هذه الايام، وقبل هذه الايام.


 
 توقيع : محمد بلال






رد مع اقتباس