عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-2010, 05:28 AM   #6
فهد القحطاني
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد القحطاني
فهد القحطاني غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1778
 تاريخ التسجيل :  Jan 2008
 أخر زيارة : 30-04-2023 (02:16 PM)
 المشاركات : 1,033 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 7553
لوني المفضل : Green


( 2 ))
الأربعاء الوردي 9/7/1999
استيقظت موقناً أن للسماء لون وردي بهيج، وان الحياة لن تكون أجمل مما هي عليه، لذا تفاءلت خيراً... وذهبت لعم رضا الحلاق!
ثم مررت على الأقارب والمعارف والأعداء، في الكفور والنجوع والقرى المجاورة والنائية، مؤكداً عليهم ضرورة الحضور إلى حفل زواجي، ممنياً نفسي أن يرفضوا دعوتي!

مع ذلك، عدت موفور التعاسة خائب الرجا، فقد استقبل الجميع الدعوة بمزيد من الحفاوة والترحاب!
وكأنهم بذلك – أي الأنذال - وجدوا الفرصة مواتية لمراقبة إفلاسي الشهير عن كثب!

كنت محبطاً بشدة، فقررت المجازفة، فذهبت من فوري لاشتري حذاءً جديداً غير الحذاء القديم الذي اشتراه لي أبي أيام الجامعة، وذلك على سبيل التضحية!

أما أمي الحبيبة فقد انهمكت في نحر البطات الحزينات، وتلك الاوز الكسيرات، نازعة أوصالهن بلا رحمة، مجتثة رقابهن دون وازع من ضمير!
يا لتوحش الإنسان...
صبراً بطاتي الحبيبات... وداعاً إلى لقاء قريب!
ما كدر خاطري حقاً هو إنني أعرف يقيناً أن هذه القتيلات ستكون وجبات حزينة في كروش معازيمنا السعيدة!

أما أبي فقد استقصى لنفسه ركناً طينياً في عقر دارنا، واضعاً بين يديه قصعة مستديرة يئن في داخلها خمسيناً من الجمار الملتهبة، وبجواره برميلين من الشاي... متأهباً – كما رأيته - لسحب مليون نفس معسل على سبيل الاحتفال بالتخلص مني!

كانت الإضاءة خافته، بينما نيران الفحم متأججة، فبدا انعكاس وجهه مشتعلاً، ولسان حاله يقول:
من بيتي يا ولدي إلى بيت الزوجية، ومن هناك للقبر عدل...!
بأنفاس سريعة رأيت أبي يطارد "دخان" حلمه ليراني في القبر عدل!

خرجت من غرفتي شاعراً بين كل هذا الزحام أن الحياة أصبحت حقيقية!
كدت ابكي مطالباً بالعودة طفلاً، ألعب في التراب متشحاً اللا سروال!
مستمتعاً بوضع الطين في عيني وفمي...
آه... يا لذكريات الطفولة السعيدة!
***

الواحدة ظهراً...
منزلنا يوشك على الانهيار!
عجباً، هناك جرار زراعي يطرق باب المنزل!
متملصاً من آهاتي، قمت مقسماً أن افتك بالطارق... لاركلنه ركلاً مبرحاً حتى يفيض غيظي انهاراً!
كانت حماتي هي الطارق...
آثرت السلامة... وابتسمت متملقاً بغير سعادة، ماداً لها يدي بترحاب فرزدقي قائلاً:
أشرقت الأنوار، ألا ليتها ما أشرقت!

حماتي الفاضلة لم تضع الوقت في التفاصيل، وإنما وجهت لي تسديدة مباشرة أسفل قدمي - كأي بلطجي محترف - كي أفسح لها الطريق!
ولم تنس أن ترد التحية مؤكدة انني اقرع... وأهبل!

عندئذً تأكدّ لي أن العصر الجوراسي لم ينتهي... وانما بدأ تواً!
تحسست شعر رأسي في قلق لاتاكد إنني لست اقرعاً، موقناً أن أياماً بهيجة تنتظرني!

حدث هذا، بينما السماء في رعد وبرق، وصوتاً لـ 6 ذئاب تعوي من بعيد...!
مرّ الوقت سريعاً، وجاء الأعداء - أصدقائي سابقاً- لمواساتي!
وبينما نحن جلوساً في قمة سداسية مغلقة، بهدف رسم خارطة الطريق إلى ليلتي المنتظرة، كانت السماء في رعد وبرق، وصوت 6 ذئاب تعوي من بعيد!

صديقي متولي الكاسح "ملاكم مغمور" أزبد قائلاً:
- أوعى تديها نفس، خش في الموضوع، وجيب م الأخر، وأول ما تشوفها بدأت تدوخ، أديها بالقاضية!
الجدير بالذكر إن متولي الكاسح، عضو نشط في نادي السكة الحديد التابع للمحافظة!

أما صديقنا علي النمس "محترف كرة شراب"، فقال ناصحاً إيايّ محذراً:
اوعاك تخلي العروسة تسدد قبلك، مستقبلك المهني في خطر، ركز معايه يا أخ محمد، لازم تسدد أنت الأول!
يشار إلى أن علي النمس لم ينجح خلال العشرين سنة الماضية في تسديد أي كرة في أي مرمى لأي خصم!

أما صديقي صبحي الرزين، فاستمر يبكي مواسياً لنصف ساعة، قبل أن يقول:
الغرس الجيد في المرة الأولى يعطي نتائج جيدة، المهم الغرس يكون مضبوط!
صبحي الرزين خريج كلية زراعة، تخصص محاصيل!

لكن الأخ عبده حوادث "سائق لوري" ابدى لنا وجهة نظر مختلفة تماماً، فقال منفعلاً:
خليك دايس بتزين لحد ما الماكينة تضبط معاك، وإن ما حصلش، أبقى هدي شويه، عشان الكمبوروسر ما يسخنش!
طبعاً الحبيب "دبابة" اجدع سواق لوري ممكن تقابله في حياتك!

مع ذلك، ومع جوهرية هذه النصائح، كان للأخ المناضل عكاشة السريع "بلطجي المنطقة" رأي آخر!
فقال ممتعضاً بينما رذاذ ما يتطاير من شفتيه، في ظل شعاع ما يلتهب في عينيه:
يا أخ محمد اضرب الحديد وهو سخن، فاهم يا أخ محمد وهو سخن، اسمع كلامي أحسن لك!

ثم وضع إحدى يديه في عيني على سبيل تأكيد النصيحة!
من حسن حظي أن الأخ عكاشة صديق عزيز، ونصائحه ذات أهمية طبعاً!

انتهى عواء الذئاب الستة... بينما استمرت السماء في رعد وبرق!
###
أبديت لأعدائي – أصدقائي سابقاً - امتناني الشديد، لاعناً في خفايا القلب حظي الكسير...
فلولا وازعاً من ضمير، لكانت المحروسة بنت عم صلاح طريحة صندوق خشبي في طريقها إلى تايوان بهدف إعادة "تجميع أشلاء"!
وكأنهم - أي الأوغاد - يحسبونني سأتزوج قاطرة!

كنت قد ذقت ذرعاً بهم، فصرفتهم بطريقة هي اقرب للطرد، مبدياً لهم ندمي الشديد على الهواء الذي تنفسوه في بيتي!
***
بعد أن انصرفوا، وجدت الفرصة السانحة للاسترخاء!
لكن من قال أن الاسترخاء، فضلاً عن الفرص هو من حقوق المقامرين بالحرية!

فقبل أن التقط أنفاسي جاء أبي يرتدي جلبابه الواسع الأزرق، حاملاً في إحدى يديه نرجيلته الخالدة، وعلى رأسه طاقية بنية مزركشة أمالها قليلاً كي يبدو سعيداً!
دخل الوالد غرفتي، فتكهربت أجوائي...
ألا أيها الليل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح عنك بأمثلِ!

وبهدوء يثير الهواجس، جلس قبالتي على "الكنبة"، حيث تصطرع المخاوف والزعابيب تباعاً، ناظراً نحوي بنفاذ بصيرة، قائلاً بصوت دهاليزي سحيق:
يا محمد، أي بني، هل تعلم ما يتوجب عليك فعله الليلة؟!

قلت في نفسي متنفساً الصعداء:
آها، هي الحكاية كده!

مع ذلك قلت ببراءة عذراء العنكبوت في خدرها:
لا يا أبويه... والله ما أنا عارف حاجة!

وممزوجاً – أي أنا - بخبث الدهماء في مجالس الخلفاء قلت:
تكلم يا أبي لا فض فوك!

ومع غروب الشمس، واكفهرار السماء، خرجت من فم أبي الوصايا السبع المباركة، تصاحبها أنفاس النرجيلة الحبيبة!
الحقيقة – والحق يقال - أن نصائح أبي كانت ذات قيمة، بعيدة كل البعد عن نصائح أصدقائي "المعفنين" و"اضرب الحديد وهو سخن"!
وكأني سأتزوج ماسورة... ألا لعنة الله عليك يا عكاشة!

بعد ساعات...
في ما بين الحبور والسرور نمت ملتاعاً تصحبني الاشواق إلى غدٍ...
غداً حيث وداعاً للعزوبية...
غداً حيث شهرزاد تروي، بينما شهريار ينصت صامتاً!

حدث هذا بينما السماء في رعد وبرق، وصوت حصان يصهل من بعيد...!
وما زال للحديث بقية...

يتبع...


 
 توقيع : فهد القحطاني

،

سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم


.


رد مع اقتباس