عرض مشاركة واحدة
قديم 07-07-2010, 02:39 AM   #17
فهد القحطاني
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد القحطاني
فهد القحطاني غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1778
 تاريخ التسجيل :  Jan 2008
 أخر زيارة : 30-04-2023 (02:16 PM)
 المشاركات : 1,033 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 7366
لوني المفضل : Green


(( 3 ))
الخميس المنتظر...
هذه ليلتي...
وكانت بحق ليلة ليلاء...
ما زلت اذكر يومي الدراسي الأول، عندما قرر أبي أنه حان الوقت لأتعلم...
اذكر أنني كنت خائفاً، وأن أمي ذهبت معي مشجعة، من ثمّ أدخلتني الفصل بعدما وضعت في حقيبتي كراسة وقلم و17 سندويتش... وبرميل مياه، وغيارين من الملابس الداخلية!

اذكر أنني كدت أبكي، أما أمي فكانت تبكي:
ح روح البيت أجيب لك "غطيان الكازوزة" عشان تلعب بيهم في الفسحة، ح ارجع عالطول، ما تخاف يا ولدي، إياك تخاف!

ما زلت اذكر مشاعر الهلع والخوف التي انتابتني بعد أن ذهبت أمي بـ 9 ثوان... اذكر أيضاً أن الطلاب الأكبر سناً لاحظوا أن أسفل ملابسي مبتل!
كانوا يضحكون، وكنت أبكي...
أين أنت يا أمي؟!
###
بدأت مراسم الحبور، فجاء المعازيم وكلهم سرور، ليس فرحاً بي، ولكن لأنهم سيأكلون طعامي مجاناً!
انشغلت النسوة بالزغاريد، بينما اخذ الرجال في العراك بالعصي والهراوات، مستمتعين بإسالة دماء احدهم الآخر!

عكاشة "فتوة المنطقة" اخذ يشرف على المذبحة راضياً، مؤكداً انه هكذا تكون الأفراح ولا بلاش!
في الجهة المقابلة، كان أعدائي الآخرين – أصدقائي سابقاً – مشغولين بحشو أطايب الطعام في كروشهم الفسيحة، وكأنهم لم يأكلوا بطاً من قبل!
كنت اعرف أنهم جاؤوا رأساً من بيت الفيل إلى بيتي!

كان يوماً سعيداً بحق...
7 أرواح فقط هي التي وافتها المنية يوم زفافي السعيد!
ولأنني رجل محظوظ، كانت الوفيات كلها من أقارب زوجتي...
أفادت المصادر التي واكبت الحدث الأليم، أن سبعاً من الوفيات أرديت قتيلة بنيران صديقة، نتيجة حماس غير مقصود من أقاربي الائتلافيين أثناء رقصهم البرئ ببنادق الكلاشنكوف!
###

انصرف الحضور والأقارب إلى بيوتهم هانئين...
فانصرفت إلى بيتي الجديد مشتتاًً، بعدما قضيت وقتاً طويلاً في التعبير عن امتناني لكل من حضر حفل زواجي، مؤكداً لهم ان العاقبة في المسرات، والأيام دول!

كما بادلني عم صلاح أبو زوجتي التهديد صمتاً... كانت عينانا في حرب ضروس!
قالت عيناه: ح أقتلك، لو فكرت تلمس شعره واحدة من بنتي يا معفن!
فأجابت عيني: كن على ثقة إنني لن اكتفي بذلك يا عمي!

أما حماتي الحنون فأخذتني بين ذراعيها بالوطيد، مبديةً عكس ما تضمر، مطلقة في أذني فحيح منذر:
لو بنتي اشتكت منك يا اقرع تقدر تعتبر نفسك من الأموات!
ثم استدارت المرأة الإخطبوط باكية، متجهة نحو ابنتها مواسية!
شكوكي في هذه المرأة تتعمق يوماً بعد يوم، أكاد اُقسم أن لها صلات خفية بمجهولين جاؤوا من كواكب مجاورة!

خلا المنزل إلا مني وأبي، كذلك أمي والعروس!
ومن بين ابتسامات ابويه الماكرة، ودموع أمي المشفقة، كان وداعنا الأخير...
وداعاً يا أمي...
###

أهواها كما تهواني... ويعشق ناقتها بعيري!
كنا وحدنا... لا ثالث بيننا!
مرة أخرى، راودتني مخاوف اليوم الدراسي الأول!
وأين؟
هنا، في بيتي الجديد، وأمام هذه الغرفة، مع فرق بسيط هو إنني أصبحت أكثر تحكماً في مسألة ابتلال ملابسي!

أشعلت سيجارة لعينة أهداها لي عكاشة "فتوة المنطقة" والتي لم أكن انوي استخدامها، لكنه أكد لي أنها – أي السيجارة – لها مفعول السحر!
استعنت بالله، طالباً غفرانه، ثم أشعلتها...
بعد أربعة أنفاس متلاحقة، خلت أن ثمة "نملة" تغني على معصمي!
كنت كسنجاب في ورطة!
ألا لعنة الله عليك يا عكاشة...!
بعد النفس الخامس، كنت كـ فراري في وضعية الدفع الرباعي في صحاري مدغشقر، هذا لو كان في مدغشقر صحاري!
###
أقبلت فأطرقت متلصصاً، ثم طرقت الباب طالباً السماح لي بالدخول...
لكن لا مجيب!
تنحنحت مواصلاً الطرق والإطراق...
وأيضاً لا مجيب!
طيب يا لهلوبة...
لاقتحمن إذن الحدود اقتحاماً، لنرى منا سيكون الأطرش بعد الزفة!
###
فور اقتحامي الغرفة، توقفت الـ فيراري، بعدما اعتزلت النملة الغناء، في الوقت الذي تخلص فيه السنجاب من ورطته!
كانت "اللهلوبة" قائمة تصلي، بحجاب ابيض جميل، مبتهلة لله في خشوع مهيب...
ألا لعنة الله عليك يا عكاشة...!

انصرفت آسفاً على فراغ نفسي وسوء توجهاتي، فذهبت من فوري لأتوضأ!
ثم معاً قمنا نصلي...
###
بعد 9 أشهر ويوم...
كان بيننا ثالث... أسميناه فارس!
بعد خمس سنوات، كنا خمسة، أنا وهي وثلاثة أبناء!

ماذا عن البقية؟
أبي طبعاً ما زال يشرب الشيشة... محيلاً "الحياة" إلى ضباب كثيف!
أمي ما زالت تبكي مشفقة...
عم صلاح رجل طيب جداً رغماً عن ابتساماته الخبيثة!
أم اللهلوبة... ما زلتُ مُتأكداً أنها سقطت سهواً من كوكب عطارد!
أما أنا فسعيد بكل هؤلاء...
وبكل ما قدموه لنا من حب...
وعطاء...

(انتهى)


 
 توقيع : فهد القحطاني

،

سبحان الله وبحمده
سبحان الله العظيم


.


رد مع اقتباس