شعراء : الشاعر الجيد لا يكتب نثرا رديئا
في خضم التزاحم الإبداعي ، وتداخل الأجناس الأدبية بعضها ببعض ، بتنا نلحظ ، أو نشهد ، انتقال بعض الشعراء من فضاءات الشعر إلى النثر أو السرد ، ما يطرح سؤالا مشروعا ، هو: هل الشاعر الجيد ناثر أو سارد جيد؟ ولنا أمثلة فاشلة كثيرة لشعراء لم تلق كتاباتهم النثرية نجاحا مثلما لاقت كتاباتهم الشعرية ، وفي المقابل هناك شعراء تميزوا في النثر والسرد. حول صورة الشاعر ناثرا تساءلت أمام مجموعة من الشعراء ، فكانت هذه الرؤى..
حكمت النوايسة:
إن الكاتب ، إجمالا ، أمام تحد ، وكل كتابة جديدة هي تحد ، سواء أكانت الكتابة شعرا أم نثرا ، وأنا لا أميل إلى مثل هذه المقارنات والمفارقات ، فالكاتب كاتب ، يهجس بالكتابة ، محسوب عليها ، وقد ناقشت هذا الأمر في كتابي "وعي الكتابة" ، وأنا أعيده هنا ، الكاتب كاتب ، شاعرا كان أم قاصا أم روائيا ، إذا تحققت فيه شروط الكتابة فإنه سيكون جيدا بالدربة والضرورة ، وعلى ذلك ، فإن القول بـ "الشاعر الجيد ناثر جيد" كقولنا: السماء زرقاء إذا لونها أزرق ، وقولنا: الطائر الذي يطير له أجنحة.. الأمر ليس كذلك ، وإنما الأمر في تحقق الشرط الأساس للعملية الكتابية الإبداعية ، وهو أن تكون هناك نوازع داخلية للكتابة ، هي هواجس الكتابة ، وبعد هذه النوازع تأتي الموهبة ، وبعد الموهبة تأتي الدربة والتدريب ، ومن يمر بهذه المراحل ، أو تتحقق عنده هذه الأشياء فإنه سوف يكون جيدا.. في الأغلب ، لكنّ ما أضيفه هنا أن الأذكياء فقط هم من يستطيعون أن يكونوا كتابا جيدين.
عصام السعدي:
الشاعر الجيد هو ناثر جيد بالضرورة ، ولا أظنُّ أن تحدْ يواجهه وهو يكتب نثرا ، فمن تعود الكتابة ، بالاشتراطات الفنية للشعر ، لن يواجه تحديا تقنيا في النثر.
مشكلة بعض الشعراء في الكتابة النثرية أنهم يخطئون حين يصرون على الكتابة بلغة المجاز ، حتى لو كان ذلك في مقالة تتناول أمرا لا بد له من وضوح وموقف حاسم ومباشر ، هنا تصبح اللغة الشعرية في مأزق ناتج عن سوء التوظيف ، كذلك هي الحال مع بعض الشعراء الذين ذهبوا للسرد ، والرواية تحديدا ، فجعلوا منها حقلا للاستعراض اللغوي على حساب الحكاية ، هنا لا أجد فضيلة لهذه اللغة التي ضيعت جنسها ، فلا هي بالشعر كي تُقرأ كذلك ولا هي باللغة السردية الحاملة للحكاية فتُحمد على ما حملت ، إذن: هي أزمة توظيف ، ولهذا كان نثر محمود درويش ، مثلا ، لا يقل متعة عن شعره ، لأنه استطاع أن يوظف جماليات لغته نثرا إلى أقصى مدى دون أن يجعلنا نخطئ فنقول عنها أنها شعر ، ولكننا لن نخطئ في معرفة نسبتها لكاتبها الفذّ.
المشكلة ، اليوم ، ليست في الشاعر الجيد الذي يكتب نثرا ، بل في تحديد من هو الشاعر ، أنا أرى أن هناك اعتداء على الشعر من الناثرين السيئين الذين حملوا لقب الشاعر قبل أن يستكملوا عدة الكتابة ، هؤلاء ، حتما ، سيكونون شعراء سيئين ، وسيواجهون مشكلة في كل ما يكتبون ، مهما سموه ، الشاعر الجيد لن يكتب نثرا رديئا.
أحمد الخطيب:
الشاعر ينظر إلى اللغة من زوايا أكثر انفتاحاً على التأويل والإدهاش ، وهو يحمل في جبّتهً أكثر من فضاء لغوي ، لهذا هو مرًنْ في تعامله مع اللغة ، هذا الكائن الحي ، ومرًن مع تشكلاتها وتوالدها المفاجىء ، وهو مسكون بأثر تشكيلي ، وتركيبي ، وانزياحي ، من هنا ، هو الأقدر على قراءة تشعباتها ، وإرهاصاتها ، ومنازلها الظاهرة والخفيّة ، لذلك أعتقد أنه الأوفى حظاً ، والأنجح على تصيّد هذا الكائن ، نثراً كان أو شعراً ، ومع هذا لكلّ قاعدة استثناء ، ومردّ ذلك إلى سيطرة الطيف الشعري أحياناً على شاعر هنا وشاعر هناك.
الدستور
|