نبدا في اول محور من محاور هذا اللقاء . . مع الاستاذ عبدالله الفارسي
عن تعريف المحاوره , وامتدادها ( نبذه تاريخيه عنها )
تعريف المحاورة وأمتدادها عبر التاريخ
الحقيقة أن البحث في تقديم تعريف خاص بالمحاورة لا يضيف شيئا للمتلقي بقدر ما يسترجع الكثير من الكلام المكرور والذي تحدث به الكثير من المؤلفين في كتب الأدب الشعبي مثل كتاب (الأدب النبطي) للمؤلف الشاعر طلال السعيد وكتاب (نسب حرب) للمؤلف والباحث الكبير عاتق البلادي الذي أفرد للأدب الشعبي حيزا فيه وتحدث عن المحاورة كأحد الفنون والألوان الشعبية التراثية لدى قبيلة حرب .
ولكن للحديث عن المحاورة لم أجد بحثا أفضل من البحث التاريخي الذي أجتهد فيه الزميل الأعلامي سلطان الجهني ونشر بمجلة جواهر الاماراتية بالعدد العدد الخامس عشر ـ مارس 2004م مع التصرف فيه بما يخدم الموضوع .. حيث كتب ( يعد لون أو فن المحاورة من أقدم الألوان الشعرية التراثية في الجزيرة العربية ، و المحاورة لها نصيبها الكبير من الشعر لأنها تعتمد في أساسها على الطواريق (الألحان) والوزن و القافية ، و هي في ذات الوقت من الفنون لما تحتوي عليه من الاداء الحركي للصفوف التي تؤدي هذا الفن بطريقة منسقة و مرتبة للتنافس تتضمن رقصة حماسية مبسطة ، و استحضار ذهني كامل من الشعراء والصقوق والجماهير .
في الحقيقية لم يقع بين يدي أي مصدر تاريخي يفيد بالبداية الفعلية لشعر القلطة ، إلا أن الباحث و الشاعر ذيب الشمري يقول إن أقدم المصادر التاريخية الدالة على بداية شعر المحاورة ، هي تلك التي تحدثت عن المحاورة التي جرت بين الشاعرين أمرؤ القيس و عبيد بن الأبرص بحضور جمع من الناس ، و يقول ذيب الشمري : (( المحاورة تمت بوجود مجموعتين من الناس ، كل مجموعة تناصر أحد الشعرين ، و في النهاية يعلن المتفوق ، و المجموعتان هنا لا تقومان بترديد البيت بطريقة الغناء كما هو الحال الآن ، بل واجبهم التمتع بالتحليل ، و يجوز أنه بعد حين من الدهر فضلوا أن يغنى البيت إلى أن يأتي الشاعر بالبيت الآخر ؛ و ذلك لإضفاء المتعة و طرد الوجوم و الملل ، إذ قال عبيد بن الأبرص يسأل :
ما السود و البيض و الأسماء واحدة
لايستطيع لهن الناس تماساً
فأجاب أمرؤ القيس :
تلك السحاب إذا الرحمن أرسلها
روى بها من محمل الأرض إيباساً
فقال عبيد بن الأبرص :
ما الحاكمون بلا سمع و لا بصر
ولا لسان فصيح يعجب الناس
فرد أمرؤ القيس :
تلك الموازين و الرحمن أنزلها
رب البرية بين الناس مقياساً ).
.. وهذه رؤية شاعر من داخل هذا الفن رغم أنه أتى إليه من الخارج ولكنها رؤية تستحق الأحترام بما تملكه من معلومات وأعتقد أن هذا الفن تطور عبر التاريخ وأتجه إلى الشعر العامي بعد أن أنفصلت اللهجه العامية عن سياقها التاريخي وحدث للمحاورة ما حدث من تطور وإضافات في الشعر و الأداء حتى أصبح الفن التراثي والشعري الأول جماهيرها وإعلاميا على مستوى الخليج .
ومعذرة على هذه القراءة المبسترة لضيق الوقت
المحور الثاني موجهه لـــ الشاعر : مطر الروقي , وايضا للشاعر : ابراهيم الشيخي . . .
فن المحاوره له لغته الخاصة ورموزه ,ومصطلحاته ,ما مادى تأثير اللهجة والإقليمية عليه وكيفية
تأثر الشاعر بها واجادتها . . .
أولا / أنا لا أحبذ إطلاق تسمية (اللغة) على لهجة الموروث الشعبي، نظرا
لأن اللغة تقوم على قواعد ونحو وأساليب تعبير وغيرها والمعلوم أن اللهجة أيا كانت _وبالذات في موروثاتنا_ تفتقر لبعض أو كل هذه العناصر .
ثانيا/ لهجة المحاورة يصعب تحديد دائرتها ولكن وفقا للرواية التي يكاد يتفق عليها الجميع أن المحاورة بدأت من منطقة الحجاز، إذا تم الاتفاق على هذا الأمر وجب القول إن لهجة المحاورة هي لهجة القبائل التي تقطن منطقة الحجاز بالضرورة فمن غير المعقول أن تكون لهجة المحاورة خارجة عن لهجة هذه القبائل، ثم إن المحاورة انتشرت واتسعت رقعتها لتشمل مناطق وأقاليم شاسعة من الجزيرة وبالتالي من المتوقع أن تختلف طرق اللفظ، وإظهار الحروف ومخارجها، لكني أقول إن المحاورة اليوم وصلت إلى لهجة شبه مستقرة فإذا استمعت إلى شاعر محاورة في الكاسيت وأنت لا تعرفه يصعب عليك تحديد قبيلته أو منطقته إلا إذا كنت متبحرا في هذا المجال، ولا شك أن معرفة اللهجة المتداولة في المحاورة مفتاح لا يستغني عنه أي شاعر يدخل مجالها.
ثالثا/ رموز المحاورة تختلف باختلاف المعنى المطروح فإذا جئنا برمز الجمل تجده يختلف باختلاف الشعراء وقدرتهم على تحويره وهذا الأمر ينسحب أيضا على رمز الذيب والجبل وغيرها .أما المصطلح فأنا لا أفهم كلمة مصطلح محاورة إلا في إطار التسميات (موال ، شيلة ، قاف ، مروبع ومثومن وغيرها ) من الأمور التي اصطلح الناس على تسميتها ولذلك أقترح اسم (اصطلاح) بدل (مصطلح) لأن كلمة مصطلح لها دلالات أخرى قد لا تنطبق على الموروثات الشعبية .
وقبل ان اجيب على المحور الاول مستعينا بالله اود الايضاح بان كلامي نابع من رؤيتى الشخصيه للموضوع وليس نتاج دراسات بحثيه فى هذا الجانب وبذلك ان وفقت فذلك من توفيق الله وان اخطأت فحسبي اجتهادي والكمال لله.
اولا اعتقد انه ليس هناك للمحاوره لغه خاصه بها بالمعنى الدقيق لنقول ان هذه اللغه تختص فقط بفن المحاوره..اما توظيف الرمز واستخدام بعض المصطلحات فهذه وارده وهي من ادوات شاعر المحاوره الاساسيه.والاختلاف فى مقدرة الشاعر وتمكنه من استخدام الرمزيه للدلاله على المعنى المدفون والمقصود من خلال استخدام النقض والفتل.
ووفقا لمعجم الشاعر اللغوي والشعري الخاص به.
وحينما نتحدث عن عن تاثير اللهجه والاقليميه كما هو المطلوب فى هذا المحور فيجب ان ندرك ان بدايات تاريخ المحاوره الحديث كان انطلاقته من منطقة الحجاز وهو محور حديثنا عن اللهجه ولن اتحدث عن تاريخ المحاوره القديم وليس لدي رصد تاريخي يوثق ذلك الا ان بعض المراجع تشير الى انها بدأت منذ القدم واستدلوا بالمعلقات السبع منذ العصر الجاهلي وماتلى ذلك فى عصر الاسلام وصولا الى عهد المحاوره المعاصر والذي شكل الانطلاقه القويه لهذا الفن فى ومن منطقة الحجاز تحديدا. وكما هو معلوم عندما نتحدث عن اللهجه ان الشاعر ابن بئته وشاعر المحاوره ذو طبيعه بدويه وبداء من بيئه بدويه. وان لم يقتصر ذلك على ابناء الباديه فقط بل هناك شواهد وتجارب لشعراء من الحاضره.
ومن الطبيعي جدا ان يوظف الشاعر مايحيط به من ادوات وكائنات وظروف واحداث فى هذا الفن. اعتمادا على وعيه وقوة موهبنه مستخدما كل هذه الاشياء كرمز فى مايقول وبالتالي لم يكن هناك اختلاف كبير فى لهجة شعراء المحاوره فى منطقة الحجاز نظرا لكون بئتهم واحده ومصادرهم واحده ويشتركون فى عادات وتقاليد واعراف متعارف عليها بينهم.
ولكن مرت المحاوره بعد ذلك بمراحل تطور مختلفه ووجدت اصداء اوسع وانتشار اكبر لدى مختلف شرائح المجتمع ووصلت لبقية مناطق المملكه ودول الخليج ونظمت لها المهرجانات ووجدت المزيد من الرعايه والاهتمام على المستوى الرسمي والشعبي.وكانت المنطقه الوسطى تقريبا بعد منطقة الحجاز ميدان جديد لهذ اللون ولكن لم يكن هناك تاثير قوى للهجه على المحاوره لشابه البيئه البدويه فى الحجاز ونجد وانصهار القبايل مع بعضها البعض وان كان
هناك اختلاف ملحوظ الا انه محدود فى كيفية نطق بعض الكلمات بل وحتى بعض الحروف واستخدام لبعض المسطلحات التى تكون شائعه فى منطقه او قبيله دون اخرى.
وهنا اوكد وهذا راي شخصي من خلال المتابعه فانا ارى ان شعراء منطقة نجد اثروا ايجابا فى تقويم لهجة المحاوره مما ذكرت حتى على شعراء الحجاز وهذا يحسب لهم.
ولكن الاهم من ذلك ان التاثير من شعراء الحجاز كان فى كيفية استخدام الرمز فالنجاح والسبق فيه يحسب لشعراء
الحجاز وبتمكن وبالتالي كان علىالشعراء فى منطقة نجد التعامل مع ذلك بفهم واحترافيه اكبر حتى اجاد بعضهم ذلك اجاده تامه وبل ومنهم من تفوق .
واؤكد هنا ان الرمز هو مايستعصي على الشعراء القادمين لهذا الفن من ابواب الفنون الاخرى.
ولكن نجح الشاعر الذي اقترب جدا من لهجة المحاوره الدراجه وتمكن من اجادتها حينما استطاع بذكائه وقدرته على التخلي عن لهجته الاقليميه المعتاده. واستطاع ان يروض لسانه حتى لا تكاد تلاحظ اي فارق بينه وبين الشاعر ابن هذه البيئه. ولذلك اسباب فهذا الامر ليس مطلقا ابدا ومن نجح من الشعراء المعنيين لم ينجح بمحض الصدفه واستطيع ان استشهد مثلا بشاعر قديم وشاعر حديث.
فمثلا الشاعر الكبير بكر الحضرمي لكونه من مواليد السعوديه خواله من قبيلة سليم العريقه ولنشأته فى هذه البيئه البدويه الحجازيه ولموهبته بلا شك فقد نجح فى ان يضع لنفسه مكانه بين شعراء هذا اللون منذ ذلك الامد. وان كنا ندرك سماعيا من خلال محاوراته ان هذا الشاعر ليس من بيئه شعر المحاوره وان لم يكن فى ذلك نشازا واضحا. فقد اجاد كثيرا حتى فى اكتساب وتوظيف الرمز مع كبار شعراء االلون ويكفي ان استدل بهذا البيت له فى محاوره له قديمه مع الراحل الكبير/ صياف الحربي وبحضور الشاعر الكبير/ مستور العصيمي لندرك مدى تمكنه المذهل من توظيف الرمز وان كنت اتحفظ على المعنى المقصود على الرغم من الشاعر الكبير / صياف رد على البيت بعد ان افترض حسن النيه..لكننى اورده للاستدلال..على ماذكرت فهو من قال
مامثل صياف غير الشيخ مستور
مستور غالي وابن عواد غالي
واستشهد بشاعر اخر من الجيل الجديد وقد دخل للمحاوره من باب العرضه الجنوبيه وهى اللون السائد فى منطقتهم وهو الاخ العزيز/ ابراهيم الشيخي وهو خير من يتحدث عن تجربته من خلال هذ المحور الا اننا ندرك جميعا انه نجح بتفوق وحقق مالم يحققه غيره ممن سبقوه بمراحل من شعراء الجنوب..ولم يجد الشيخي صعوبه فى منازلة شعراء المحاوره الكبار وربما يعود ذلك الا انه لم ينشأ فى المنطقه الجنوبيه وبالتالي لم يحتاج الى ترويض لسانه على لهجة المحاوره الدارجه اضف الى ذلك ان اصدقائه وجلسائه منذ الصغر هم من ابناء هذه البيئه التى تعتبير المحاوره لونهم الاول.
وبالتالي حقق النجاح فى هذا اللون ولم تقف اللهجه عائقا امامه. وكذلك لم يعد الرمز مستعصيا عليه بعد ان اكتسب الخبره الكافيه مارس المحاوره مع كبار رموزها المعروفين.
وهذا الامر ينسحب على من استطاع تحقيق النجاح لنفسه ومقارعة شعراء المحاوره فى ميادينهم من بقية قبائل المملكه العريقه ومن قبائل دول الخليج الذين لاتعتبر المحاوره من الوانهم التراثيه..فقد يدلف للمحاوره شاعر من باب العرضه كما اسلفنا وقد ياتى شاعر من باب الدحه او الدمه اوالقزوعي او الكسره او السامرى او العزاوي اذا توافرت فيه ادوات شاعر المحاوره التى اسلفنا ذكرها.
محورنا الثالث لــــ الفارسي , والروقي , والشيخي . .
الأساليب في المحاوره مختلفه , وايضا في طرق طرح ومناقشه المواضيع
اساليب المحاوره تكاد تكون مشتركه بين معظم الشعراء وان تفاوتت فى طريقة استخدامها وقدرة كل شاعر على اجادة اسلوب اكثر من اخر. الا اننا نجد من يجيد اسلوب الفتل بشكل قوى والنقض باقل من ذلك ونجد من يجيد النقض افضل من الفتل وهناك من يجمع بين قوة الفتل والنقض معا.
ايضا عرفنا فى فن المحاوره شعراء ينتهجون الاسلوب الهجومي واخرين يلجأون للاسلوب الدفاعي وعلى حسب الشاعر المقابل يضع الشاعر نفسه مستخدما الاسلوب المناسب للتعامل معه.. ونجد ايضا شعراء مسالمين ولا يجدون انفسهم الا فى هذا الاسلوب.
وقد شاع عن فن المحاوره اسلوب المخاصمه والمفاخره وللاسف ادت بعض الممارسات لشعراء محسوبين على شعر المحاوره الى تكريس مثل هذه الاساليب وتدوالها بطريقه سطحيه وتحمل الاساءه للفن نفسه وللاخرين. بعضها عن وعي وادراك وبعضها عن جهل وقلة معرفه.
ولكن تظل خاصية الفتل والنقض هى الاسلوب الامثل باستخدام الرمز الدقيق بصوره مخفيه لتحفيز الشاعر المقابل على الوصول الى المعنى المقصود وكذلك اشراك الجمهور فى التفكير فى ذلك. ولعل ابرز من نجح فى هذا الاتجاه وله حق الرياده فى هذا النهج هو الشاعر الكبير الراحل/ مطلق الثبيتى رحمه الله فقد وظف وعيه وثقافته فى نقل المحاوره من اسلوب التنابز والمفاخره والادعاء الى فضاء اوسع وارحب وبرؤيه رمزيه فى اخفاء المعنى مع الاحتفاظ بالوحده الموضوعيه فى معالجة مختلف الموضوعات والقضايا الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه والاحداث المحيطه.
وبذلك يكون له السبق فى تغيير اسلوب المحاوره من المباشره الى المعنى الرمزي ومن دائرة القبيله الى هموم المجتمع الاخرى.
وهنا تبرز ثقافة الشاعر الكبير/ الثبيتى فى ادراكه لما يسمى علم الدلاله كفرع من علم اللغه وهو مايدرس المعنى ويوضح الشروط الواجب توفرها فى الرمز ليكون قادرا على حمل المعنى وكذلك يدرس العلاقه بين الرمز اللغوي ومعناه.
وقد اجاد كثيرا رحمه الله فى هذا الجانب .فقد استخدم االمعنى الرمزي وهو المخفى والافضل والاصعب وهو مايعنى التوريه فى اللغه بحيث يذكر وصف شي ويكون المقصود شي اخر.مع التمكن من تفصيل اللفض على المعنى.
ولا ينفي ذلك عدم نجاح الشعراء الاخرين من الذين عايشوا فترته حتى وان لم يكن لهم نصيبا من العلم والثقافه الا انه استطاع التاثير فيهم وقد استفادوا من تجربته ونافسوه واجادوا ومن ابرزهم الراحل الكبير/ صياف السحيمي والشاعر الكبير/ مستور العصيمي والشاعر الكبير/ الزلامي وهناك ايضا من الاساليب الاسلوب المباشر فى الطرح وهذا على جانب سلبي وايجابي فالجانب السلبي حينما يستخدم للقذف والشتيمه باسلوب واضح ومكشوف ومباشر. وهذا لايستخدمه الا الشاعر الاجوف والعاجزعن اجادة المعنى الرمزي !!
والجانب الايجابي هو مانلاحظه فى بعض محاورات كبار الشعراء المباشره فى طرح المعنى حينما يرغبون فى مناقشة قضيه اجتماعيه او معالجة هم من هموم المجتمع اليوميه بهذا الاسلوب حتى يصل صوتهم كما ينبغي. ولا يعاب عليهم ذلك متى ماكانت الالفاظ راقيه وفى مكانها السليم.
وارى انه كلما استطاع شاعر المحاوره خلق تركيب نظمي ورمزي وابتعد عن الكلمات الجامده والقاموسيه المباشره. كلما استطاع ان يخلق ابدااع جديد. وبالتاكيد هذا لن يتحقق مالم يجتهد الشاعر فى تطوير ذاته وقدراته بالوعي والثقافه وبالابتعاد عن الطرح السطحي والاسفاف وعن مانشاهده من اسلوب مباشر فيه الكثير من المهاترات والفحش وينم عن جهل كبير وعن معرفه ضحله تؤثر بالتاكيد على جمال هذا الفن الاصيل.
أعتقد أن كل لون من الألوان الأدب الشعبي له خصوصيته ومعجمه الشعري الذي يتفرد به عن الفنون والألوان التراثية الأخرى ، بل يزيد ذلك إلى أختلاف الأداء الحركي بين كل الفنون والألوان التراثية وهذا ما يؤدي إلى تميز كل فن على حده وقدرته على التأثير على المتلقي والشاعر في آن واحد.
ومما لاشك فيه أن المحاورة فن له قاموسه ومعجمه (اللهجوي) - إذا ما نظرنا إلى أن هذه الالوان والفنون تعتمد على شعر اللهجة العامية – وله خصوصية التأثير على الآخر ، فالشاعر لكي يحقق النجاح والتميز المطلوب لابد له يتقن لهجة هذا الفن من خلال لهجة الحيز الجغرافي الذي ينتشر فيه وفهم خصوصية هذا الفن من خلال الأدوات التعبيرية التي يستخدمها الشعراء ومن أهمها أستخدم الرمز وطريقة توظيفه ، وكيفيّة هذا التوظيف ، لكي يستطيع الشاعر المقابل من فك الرمز و التعامل معه على ضوءه ويستطيع الجمهورالتفاعل مع الشاعرين والمحاورة بعيدا عن التكرَّيس من قبل بعض الشعراء لشعر المحاورة السطحي من خلال بعض المحاورات الساخنة التي يتمّ فيها تداول الأبيات بطريقة مكشوفة ، وبسطحيَّة أقرب إلى فهم الجمهور السطحيّ .
وأتفق مع بعض ما ذهب إليه الأخوين إبراهيم الشيخي ومطر الروقي في حجازية المحاورة وتأثرها بلهجة قبائل الحجاز وتأثيرها على الشعراء الداخلين إليها من خارج هذه القبائل ، وأن أصبحت حاليا اللهجة في جميع المناطق السعودية تميل إلى اللهجة البيضاء التي يفهمها الجميع بفعل انتشار ثقافة التعليم وبفعل أختلاط القبائل مع بعضها البعض ، لاسيما في المدن والمحافظات الكبيرة .
أعتقد أن للمحاورة أسلوبين وينطوي تحت كل أسلوب منطقة وشعراء :
الاسلوب الأول : الرد على المعنى بلفظ مختلف عن لفظ البادع وفي اعتقادي أن هذا الأسلوب تشتهر به _في الغالب_ منطقة الحجاز وأذكر من رموزها مستور العصيمي وهو شاعر لا نختلف على أنه يعتمد هذا الأسلوب في معظم مسيرته الشعرية، كما أذكر مطلق الثبيتي و جار الله السواط وهلال السيالي، وبن تويم، وصياف الحربي بحكم أنه بدأ مسيرته الشعرية من مكة وجدة وإن كان من ضواحي المدينة في الأصل ولا أنسى المسعودي والجبرتي وأبو مشعاب .
الأسلوب الثاني : الرد على المعنى بلفظ قريب من لفظ البادع وهذا يشتهر به شعراء منطقة نجد
مثل حبيب العازمي ورشيد الزلامي وملفي المورقي وغيرهم كثير .
أما طرق طرح المواضيع فهي تبدأ بالترميز عادة ويكون هذا الرمز مركبا بطرق تختلف باختلاف الشعراء، وأحيانا يكون المعنى بلفظ المخاطب كأن يقول الشاعر أنت كذا وكذا والمقصود أمر بعيد تماما هذا في الغالب الأعم وقد تتغير الأساليب بحسب قوة الموهبة لدى الشاعر البادئ بالذات لأنه هو أساس المحاورة الذي يعتمد عليه نجاح الطاروق أو فشله .
محورنا الرابع والأخير :
دور الإعلام وتأثيره في تاريخ المحاوره قديما وحديثا ومدى فاعليته
لاشك ان وسائل الاعلام لها دور كبير وتأثير جلي فى تاريخ المحاوره. فكما اخذ الاعلام فى حياتنا العامه والخاصه مساحه كبيره فقد ساعد كثيرا فى انتشار هذا اللون من الفنون الشعبيه وكان اكثر تركيزا على المحاوره مما جعل لها شعبيه كبيره فى اوساط المجتمع المختلفه وفى فئة الشباب تحديدا فى السنوات الاخيره ومثل ماكان له الكثير من الايجابيات الا ان الانفتاح الاعلامي الهائل والتركيز على هذا الفن دون غيره بدرجه اكبر. اظهرت لنا بعض السلبيات من الامور التى تسئ للمحاوره ولشعرائها وجمهورها.
وقد باتت معروفه دون الحاجه لذكرها.ولعل الاستاذ/ عبدالله الفارسي وهو من يشاركنا الليله فى هذه الندوه وبحكم انتسابه الطويل للاعلام وقربه من وسائله المتعدده يجعله اكثر درايه منى فى ايضاح الدور الايجابي والسلبي للاعلام فى تاريخ المحاوره.
وبالتاكيد نحن بحاجه ماسه لتفعيل هذا الدور فى نشر الوعي المعرفي وتعزيز القيم الاجتماعيه والوحده الوطنيه من خلال الانتقاء الامثل بين كل ماينشر وما يعرض من محاورات لشعراء تتفاوت مواهبهم ومشاربهم واهدافهم! ونصل الي استغلال هذا اللون الحر فى ابراز قضايا المجتمع وتسليط الضؤ عليها لمعالجتها وايجاد الحلول الامثل لها.
المحاوره...بحد ذاتها صحافه حره.......وخطيره لمن يحسن التعامل معها..وبها
الشعراء هم الذين بحاجه للارتقاء....للوصول الي قمة المحاوره الحقيقيه.
بالوعي والثقافه والفكر.
- ساهم الاعلام مساهمة فاعلة في انتشار المحاورة ليس على مستوى السعودية فقط ، وإنما على مستوى دول الخليج .
فعلى مستوى الصحافة المقروءة كانت صفحة البادية والزراعة بجريدة الندوة أول من احتفى بشعر وشعراء المحاورة من خلال حوار مع شاعر المحاورة الكبير عبدالله المسعودي عام 1386هـ وامتدت إلى صفحات وملاحق خاصة بهذا الفن في عدد من الصحف والمجلات الشعبية في مرحلة لاحقة ، وعبر الإذاعة السعودية والتلفزيون السعودي توالى الاهتمام إعلاميا بهذا الفن الأصيل بدءا من برنامج (من البادية ) الذي أنطلق في أواخر الثمانينات الهجرية ورسخ المحاورة في أذهان الناس من خلال أبرز شعراؤها حتى جاءت طفرة القنوات الفضائية الخاصة وأفردت له مساحة كبيرة من اهتمامها ، وكذلك كان لهذا الفن مساحة شاسعة في الشبكة العنكبوتية .
ومن وجهة نظر شخصية أعتقد أن الأعلام له تأثير إيجابي وتأثير سلبي على كل مناحي الحياة ، وليس على المحاورة فقط ، ومثل ما ساهم الإعلام في انتشارها بين شريحة كبيرة من الناس وهذا تأثير إيجابي ، فقد زرع الملل في نفوس الناس بالتكريس لها ودفع الكثير إلى عدم متابعتها بعد أن أصبحت تطاردهم عبر الأطباق الفضائية في كل مكان وتأتي لهم بالغث والسمين على حد سواء وهذا تأثير سلبي .
مع أعتذاري على الأختصار والتأخير
الإعلام في الماضي كان إعلام يشارك فيه الناس لسببين : الأول عدم توافر أدوات إعلامية ، الثاني : رغبتهم الداخلية في نقل ما يستحق النقل من أبيات الشعراء وأخبارهم وفي المقابل الغض من الشعراء الذين يرونهم عيئا على الشعر .
الإعلام في الحاضر : إعلام خاص تقوم به مؤسسات أو أشخاص وبالتالي أصبح الإعلام حرفيا أو مهنيا ولا شك أن الإعلام التجاري_بطبيعته_ يبحث عن الصيرورة والربحية وبالتالي يبث معظم ما يحصل عليه من مواد أدبية ويترك للمتلقي الاختيار وهنا أصبح المتلقي الحديث معرضا يوميا لكميات
من البرامج والحفلات والمواضيع الأدبية غثها وسمينها وتبقى مسألة فلترتها وقبول ما يريد قبوله ورفض ما يريد رفضه
أريد أن اختم بمسألة : أسمع كثيرا تضجر الجمهور من المحاورات المتواصلة يوميا حتى أشعرتهم بالملل وهنا أقول لم يمنع متابعي القنوات الرياضية والإخبارية التي تبث برامجها المتخصصة على مدار 24 شاعة أقول لم يمنعهم ذلك من تقنين المشاهدة واختيار البرامج التي تناسبهم وترك باقي البرامج . فأنا لم أسمع رياضي واحد يشتكي من قناة الجزيرة الرياضية مثلا ويقول كل شوي مباراة .. ولم أسمع متابع للأخبار يشتكي من الجزيرة ويقول كل شوي نشرة
لكن جمهور العرضة والقلطة يتضجرون لأنهم طيلة الوقت يقلبون في القنوات الشعبية ويقولون أشعرتنا بالملل . بالمختصر نحن نحتاج متلقي واع ومستهلك راشد لكي نخرج أدبنا الشعبي من دائرة التماهي ومن دائرة الضجر والملل
