
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نايف معلا
محمد صالح العتيبي
شكراً لمداخلتك ، وتعقيباً على ما أوردت تجاوزاً لأي أجندة أخرى :
أولاً : نعلم أن في القرآن ماهو معرَّب وهو في الأصل فارسي أو أعجمي أو غيره من الكلمات ، ولا أرى مبرر لتمهيد ردك بهذه الإشارة لأنها باختصار خروج عن الإطار المعرفي الواسع للموضوع طالما أننا متفقون جميعاً أن القرآن مرجع البلاغة الأول في اللغة العربية ، وإن كنت أعلم أن إيرادك لهذه الإشارة استدلال على أن ليست كل كلمة في القرآن بليغة ، وأنا أقول لك يا أخي الفاضل ورود الكلمة في سياق معين يجعلها بليغة ، مثال بسيط هناك من يرى بأن كلمة ( كلب ) مذمة ، وهناك من يرى أنها مديح إذا ما وضعت في سياق معين على نحو قول علي بن الجهم : أنت كالكلب في حفاظه للود !
ولعل في البيئة دور في ذلك ، ولكن المصيبة أن السواد الأعظم يعتقد أن علي بن الجهم عندما قال ذلك خضع لعملية تغيير بيئية نتج عنها ( عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري ) ، بل أنا أظن أن الخليفة آنذاك أسكنه بيتاً فاخراً مطلاً على الجسر جزاء قصيدته ( أنت كالكلب في وفائه ) .. ولكن ما يهمنا هو متى تكون الكلمة بحد ذاتها بليغة ؟ الإجابة في نظري عندما تكتب في سياق كالطلع المنضود يدعم دلالاتها المعرفية لإيصال فكرةٍ ما بطريقة محبذة ..
أي أننا لو قلنا ( فلان ذيب ) أبلغ من أن نقول ( فلان شجاع ) ..
وقد قالت أمة خلت : ( الشعر تلميح وليس تصريح ) ..
ثانياً : إصطلاح الناس أو بلفظٍ أصح العرف الاجتماعي لا يمثل دليلاً قاطعاً في كثير من الأحيان ، فعلى سبيل المثال ، تعارفت مجتمعاتنا البدوية على قول ( يسارك يمين وعجفاك سمين ) ، وهذا فيه مخالفة شرعية صريحة ، وقد صدر في ذلك فتوى من هيئة كبار العلماء تحرم هذه المقولة .. ما أود أن ألوي الأعناق إليه هو أن الشعر ليست له مرجعيات محددة ، ولا أختلف معك في أن شعراء كثير يحددون العرف الثقافي كمرجع أساس للشعر ، ولكن هذا إذا قبلنا به في أحوال ، فلا نسلم به في كل الأحوال..ولعله من المناسب أن أشير هنا إلى أمر أراه في غاية الأهمية ، وهو أن الشعر فضاء رحب متى ما قيدته قربته من أرض النظم ، ولعلك تلاحظ أن أغلب الشعراء الذين خلدت قصائدهم وباتوا مضرب الأمثال في بلاغة الأقوال هم أولئك الذين تمردوا على الحدود العرفية وعلى الأنماط الممجوجة والمكررة !
أرجو ألا يفهم من ذلك أنني أبوء نفسي مقعداً مع أولئك الشعراء ..
ثالثاً : تقول أن كثير من الشعراء يدعمون دفاعهم عن أخطائهم بأخطاء غيرهم حسب ما فهمته من قولك ، فأنا أقول هذه الآلية أو هذه الطريقة يضطلع بها دائماً من ينادي بعدم الخروج عن ما تعارف عليه الناس في مجال الأدب بمفهومٍ أعم ، فهو يخطئ غيره لأنه خرج عن العرف الثقافي ولم يفكر ولو برهة بأن مجتمعه قد يكون هو الخاطئ !
باختصار أخي محمد ، إن كنت لا تقبل ورود هذه الكلمة في قصيدتك فهذا شأنك ومن حقك أن تختط لنفسك مذهباً معيناً ، ولكن أن تعمم هذه النظرة فلا أعتقد أنك أوردت ما يثبت أنك على حق في ذلك. كل ما ذكرته يدور في محور ما أثير حول هذا الموضوع ، وهو :
- لا ينبغي الاحتكام إلى القرآن .
- يجب التقيد بما تعارف المجتمع عليه .
- نفي صفة البلاغة عن مفردة ذروق .
أخي محمد ، أنا الذي سأشكرك على سعة صدرك ،،
تحيتي وتقديري
أشكرلك تعليقك و تفنيدك، والذي يعكس لنا مدى ثقافتك ولباقتك وتقبلك لوجهات
النظر الاخرى.
أخي نايف .. هناك بعض الألفاظ التي قد تكون مباحة شعراً وغير مستحبة قولاً، والعكس قلما يكون صحيح، فمن يجرأ أن يخاطب الملك أو الخليفة أو الامير بإسمه مجرداً من أي لقب، ومن ذا الذي
يجرؤ أن يذكر اسم أمه أو اخته!! وكل ذلك لا يكون إلا في الشعر.
وفي حادثة ابن الجهم تحتاج لمرجع تاريخي موثوق كي لا تطلق القياس حسب ما تظنّه وتعتقده، ولو كان الخليفة أهداه قصراً وأغدق عليه، فليس لأنه قال : أنت كالكلب - وكالتيس - وكالدلو .. الخ
ولم يكن كذلك استحباباً من الخليفة بهذا المدح، إنما تبقى هناك أمور تقديرية بالنسبة للخليفة وفي كل عصر تقع مثل هذه الأمور أو ما يقاربها.
نعم يا أستاذ نايف / الشعر تلميح وليس تصريح، فأين الكلمة المثارة من قول الأمة التي خلت !!؟
سؤال يحتاج إلى اجابة شافية 
اما الكلمة فلا أدري صراحةً من جاوز استحباب الكلمة إلى بلاغتها، ولو سلمنا ببلاغتها استناداً
لسياق الشطر، فهذه دائرة أخرى ننشط لها -إن أردت- مناقشة ومماحكة وليس هذا مجالها.
واذا كان العرف الاجتماعي ليس دليلاً قاطعاً في بعض الأحيان، إلا أنه من المهم جداً الإحاطة بنواحيه، فالذي يعرقل الشاعر من التغزل بمفاتن محبوبته ويسهب فيها، هو العرف الإجتماعي، والذي منع الشاعر من التطرق للخمر - حتى لوكان ثملاً- هو العرف الإجتماعي، وإلا كيف يكون ثملاً ولا يصف
الخمر !!
وهناك فرق بين من اشُتهر لأنه "مخالف"، وبين من خالف لأنه "ابتكر" ، فلا يصح "أدبياً" أن
نقول مثلاً عن "الكلباني" أنه متبحر في الفقه والحديث، قياساً بشهرته ومخالفته !
ولا يصح أيضاً أن نقول "ابو نواس" ظهر ابداعه وتفوقه لأنه وصف الخمر في شعره، بيد أنه أكثر من
ذلك، فعلاقة الإبداع بعيدة كل البعد عن المحاذير الشرعية وما خالف العرف والمجتمع، وقد تمتزج
سوء المخالفة مع حسن الصنعة لكنها لا تعمم.
ختاماً .. والله ما قصدت أن أضع رأيي الخاص بالمفردة رأي المستخدم لها من عدمه، قرأت هذا
الموضوع وشغفت بالمشاركة بما أظنه صحيحاً عندي، وقد لا يكون كذلك.
المهم أني سعدت بما أمليته أخي نايف من تصوّر ووجهة نظر وثباتك أيضاً على موقفك من
الكلمة.