قصيدة النثر.. تيار حديث يتمرّد على القوالب الشعرية التراثية
دمشق- "قصيدة النثر" مصلح حداثي في اللغة يقترح تجديداً في بنية الشعر عامةً من حيث الشكل والمضمون وهي ولدت كتيار ثقافي حديث يحاول التخلص من القوالب الشعرية التراثية الجامدة وفتح الأفق أمام الشعراء ما جعل قصيدة النثر مجالاً للنقد والرؤيا والأخذ والرد أكثر من أي مصطلح ثقافي جديد.
وعلى الرغم من أن قصيدة النثر باتت تياراً أدبياً غير حديث على الصعيد الزمني إلا أنه مصطلح قابل لاقتراح الشعراء والنقاد ولم يحقق الاستقرار كنظرية شعرية عامة إضافة إلى رفض بعض الشعراء له خاصة من المتمسكين بالتراث الشعري العربي والقصيدة العمودية.
وقد اعتبر الشاعر محمد الفهد مقرر جمعية الشعر أن قصيدة النثر صعبة من حيث أنها تعوض عن نقص في القصيدة العمودية التي امتلكت اذن المتلقي العربي كالإيقاع والوزن مشيرا الى ضرورة ان تكون هناك حالة متفردة من الاختزال والشغل على اللغة التي تفتح النوافذ نحو آفاق جديدة.
واوضح الفهد ان قلة من الذين كتبوا قصيدة النثر استطاعوا أن يثبتوا جدارتهم مثل أدونيس وبخاصة في مجموعته "فضاء لغبار الطلع" التي تحدثت عن أمكنة في العالم تأخذ الروح إلى مسارات جديدة نحو التفتح والجمال.
من جهته قال الشاعر بديع صقور رئيس تحرير مجلة بناة الأجيال.. كي تمتلك ناصية الشعر الحديث يجب أن تمتلك ثقافة عالية لاسيما في مجالات الفنون والآداب والتاريخ إلى جانب الموهبة التي تعتبر شرطاً ضرورياً للإبداع.
واضاف صقور.. الشعر الحديث بحاجة إلى ثقافة موسوعية متميزة في الشعر والأدب والسياسة والتاريخ والأسطورة والدين والتراث إضافة إلى الشاعرية والمصداقية فيما يتناوله الشاعر فالشعر إحساس تجاه هذا الكون بما يفيض من جمال ومعاناة وغربة.
ويرى الشاعر أن النص الشعري بحديثه وقديمه هو وجدان الأمة التي ينتمي إليها فهو بجميع أشكاله مكون أساسي من مكونات الثقافة وهو حاجتنا الضرورية للفيض الروحي الذي يجمعنا بالآخر.
أما الشاعرة ليندا عبد الباقي فتحدثت عن الحداثة وما بعد الحداثة قائلة: جميلٌ أن نأخذ خيوط التراث وننسجها بنول الحداثة كما فعل بورخس موضحةً ان الحداثة ليست موضة خاوية من الشعر والفكر والأدب وإنما هي اقتراح بنى جديدة للواقع واللغة فاللغة في الشعر القديم أداة توصيل أما في الشعر الحديث فهي كائن ينبض بالحياة ويتعايش مع باقي المفردات مستشهدة بقول الشاعرة سوزان برنار "إن هناك قصائد جميلة تخلو من أبيات الشعر كما يوجد أبيات شعرية تخلو من الشعر".
واضافت عبد الباقي أن بعض شعراء الحداثة يتحدثون لغة عجائبية لها معنى غامض وواضح بسيط ومكثف حيث تختزل القصائد بومضة عبر اقتصادها في اللغة وبذخها في المعنى ومنهم من يتحدث بلغة نثرية فيمتص شحنة الشعر بطابع حسي وإيقاعي وكثير منهم يمضون ولا يسمعون هذا الصوت الخفي موضحة ان الشاعر الأصيل هو من يمتلك أداته وصوته الشعري الخاص.
والشعر يحلل التاريخ بينما التاريخ يكون حاجزا صلبا أمام الشعر الحديث بحسب عبد الباقي فالشاعر قديما كان مقدسا له قوة ثابتة وعنيدة لا تقهر ولا تشوه يستعمل لغة الكبرياء والصلف والعلو بينما الشاعر الحديث هو رقم يدور حول التاريخ ويحصي خسائره ويمشي في حقول ألغامه وهو يتمثل بكبرياء من سبقوه من الشعراء فيدور بين الانفتاح والانغلاق عما يجري حوله ويبحث عن قصيدته وبصمة إبهامه الخاصة.
وترى الشاعرة أن هناك من يكتب قصيدة النثر للتحرر من الأوزان والتفعيلة وهناك من يكتبها للتباهي بالحداثة ومسايرة توجهات الجيل وغيره من يكتبها قناعة بأن قصيدة النثر هي شعر غير مكبل فقصيدة النثر وحدة متماسكة من المنبع إلى المصب ليس لها فروع وفيها اقتصاد لغوي وكثافة وإيجاز وفيها خيال يخدم المعنى ويتمركز فيه.
كما تحتاج كتابة قصيدة النثر من وجهة نظر الشاعرة إلى مسؤولية مضاعفة وموهبة استثنائية إلا أن الحداثة كانت عنيفة برفضها أشكال الشعر واعتبار الشعر القديم خصماً لدوداً وقطع الجذور بنفي ما سبقها إلا أن الشعر في النهاية لا يكون حديثاً إلا بتنوع الحداثة لخدمة مستقبل الإنسان والثقافة.
في حين أن الشاعر سليمان السلمان عضو اتحاد الكتاب العرب يرى أن القصيدة هي الشاعر الذي هو اب لها وبالتالي فهي الآن صورة حديثة لزمن يعيش به الشاعر فالقصيدة الحديثة ابنة شعر الحياة في الواقع المرسوم وصورة للزمن الجديد المنفتح وبالتالي هي مختلفة عن قصيدة الزمان الماضي والحداثة من هذا المنظور هي إنتاج الواقع الحديث في لباسه وأفكاره وأهله وبالتالي كيف يكون الشعر حديثا إذا لم يكن قائله حديث الرؤية والفكر.
وأوضح السلمان ان القصيدة الحداثية هي صيغة الحاضر الماثل بين يديها لا بنت الماضي والوزن الجميل لافتا إلى أن الشعر الحديث ابن زمنه في كل مستجد في الحضارة حيث يستطيع الشعراء أن يجتازوا تراثاً جامداً من خلال تجديد قوانين التراث بما يتناسب مع العصر وبالتالي فإن شعر الحداثة يتكئ على لغة معاصرة تتطور وتتجدد فالحداثة بحسب رأيه صورة متجددة في ألوانها وايحاءاتها وعواطفها.
وقال الشاعر فرحان الخطيب رئيس المركز الثقافي في أشرفية صحنايا.. بحكم جدلية التجربة الشعرية العربية وتلاقح الثقافات ومنها احتكاك العرب بالناتج الشعري العالمي والميل نحو التحديث والذهاب بالجملة الشعرية على أنها العنصر الأخاذ والمدهش ولدت القصيدة النثرية الحديثة أو ما يسمى "قصيدة النثر" التي ارتبطت بالحالة الشعرية الحديثة.
وأضاف الخطيب أن هناك الكثيرين ممن نظروا في هذا المصطلح على أن شرطه الأول هو الابتعاد عن الوزن والقافية أما شرطه الثاني فهو تكثيف الجملة الشعرية مبيناً أن الشعر يبقى شعرا والحداثة ربما تكون متضمنة في بيت للمتنبي وقد لا تتوفر عند سواه من شعراء العصر الحالي. –سانا-
|