هـــــــــــــــــــــــــام
علي الشعار: إيران (إسرائيل) الكبري من المحيط إلي الخليج!
تدريجيا، يتكشف الوجه القبيح للمخطط الفارسي الذي قرر أن ينافس المشروع الصهيوني في مد سيطرته علي العالم العربي من المحيط إلي الخليج.
لا نفتعل أزمة، ولا نلقي الاتهامات جزافا.. لكن بماذا يمكننا أن نفسر تبني إيران لحركة البوليساريو التي تعمل علي فصل الصحراء الغربية عن المغرب واعلانها دولة مستقلة؟
وبماذا نفسر قيام إيران بتزويد هذه الحركة السياسية المسلحة بالمال والسلاح كما تفعل في لبنان مع حزب الله، وفي فلسطين مع حركة حماس؟
وكيف نتعامل مع ما أعلنته المغرب بأن إيران تعمل علي ضرب النسيج المذهبي المالكي الذي تقوم عليه الوحدة الوطنية في المغرب، ليس مذهبياً فقط، انما عنصرياً أيضا، بين العرب والأمازيغ؟.
وهناك اتهامات أخري وجّهها المغرب إلي إيران، وكانت مبررا لقرار قطع العلاقات الدبلوماسية معها.
غير ان التساؤل الأهم يتعلق بموقف الجزائر التي كانت منذ عام 1975 حتي اليوم، الداعم الأول لحركة البوليساريو دبلوماسيا وسياسيا وحتي عسكريا.
فاذا كانت الاتهامات المغربية صحيحة، فهل تتحمل الجزائر النتائج المترتبة علي تحوّل البوليساريو الي قوة اقليمية مسلحة متحالفة مع إيران؟
واذا كان الجواب بالنفي، كما هو مفترض، فهل يتحول التحالف الجزائري مع البوليساريو إلي تحالف جزائري - مغربي ضد التوجه الجديد للبوليساريو؟
ثم ماذا عن مواقف كل من منظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية ، ومنظمة الوحدة الافريقية، وحتي الاتحاد المغربي المتعثر بسبب الاختلاف حول قضية الصحراء الغربية بالذات؟
من حيث الشكل، فإن البوليساريو هي كلمة مركبة تمثل الاحرف الأولي باللغة الاسبانية لعبارة جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب.
ومنذ انسحاب اسبانيا من الصحراء في عام 1975 رفعت هذه الجبهة شعار المطالبة بالصحراء دولة مستقلة رغم افتقارها الي الحدّ الأدني من مقومات الدولة بشرياً واقتصاديا وإداريا وأمنيا، ولولا ثروتها الكبيرة من الفوسفات لما أثارت كل هذا الاتهام.
أما من حيث الأساس فقد كان المغرب يمتد تاريخيا من البحر المتوسط شمالا حتي نهر السنغال جنوبا، وقد تقبّل المغرب علي مضض استقلال موريتانيا، إلا انه لم يبدِ أي استعداد للتخلي عن الصحراء.
أما الجزائر التي خاضت في مطلع الستينيات حربا محدودة مع المغرب حول الحدود في منطقة تندوف التي تقع علي الحدود بين البلدين، فقد أيدت بحرارة شعار استقلال الصحراء ودعمت جبهة البوليساريو ماديا وعسكريا وسياسيا، فقامت الحرب في الصحراء التي استمرت منذ ذلك الوقت والتي أرهقت اقتصاد البلدين، إضافة الي ما سببته من خسائر بشرية كبيرة.
وكان السؤال منذ بداية الأزمة وحتي اليوم هو: هل العالم العربي يحتاج إلي دولة جديدة؟. وأي تغيير استراتيجي يحققه قيام الدولة الصحراوية في المغرب العربي؟
أما الآن فان التطورات التي كشف عنها الموقف المغربي تعيد صياغة السؤال علي خلفية العلاقات العربية الإيرانية، وهو هل يتحمل العالم العربي دورا جديدا لإيران علي شاطئ الاطلسي مماثلا لدورها في الخليج العربي المتمثل في احتلال الجزر الثلاث طنب الكبري وطنب الصغري وأبو موسي؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الاشارة الي الأمرين التاليين: الأمر الأول هو التجربة الموريتانية، فبالرغم من أن موريتانيا تتمتع ببعض المقومات الذاتية التي تمكنها من التصرف كدولة، إلا ان حاجتها الي المساعدة الخارجية نقلها من الحضن الفرنسي الي حضن حزب البعث (جناح العراق سابقا) ومن حضن البعث الي الحضن الليبي، ومنه انتقلت الي الحضن الإسرائيلي حيث كانت حتي الحرب الإسرائيلية الأخيرة علي غزة، الدولة العربية الوحيدة من غير الدول الملتزمة بمعاهدة سلام مع اسرائيل التي تقيم علاقات دبلوماسية كاملة معها، حتي ان وزير خارجيتها تعمد القيام بزيارة رسمية لتل أبيب لتهنئة الجنرال إرييل شارون بانتخابه رئيسا للحكومة، واذا كان هذا الواقع المرير والمؤسف يصور كيف ان ضعف الامكانات لدي موريتانيا جعلها دولة في مهب رياح المتغيرات.. فكيف بالصحراء الاكثر فقرا وضعفا؟
أما الأمر الثاني فهو ما يجري في الجزائر من صراعات داخلية تهدد الوحدة الوطنية وتهدد بالتالي وحدة الدولة التي دفعت اكثر من مليون شهيد ثمن انتزاع استقلالها من فرنسا. فالاضطرابات ذات البعد العنصري بين العرب والأمازيغ (أحداث تيزي أوزو في شرق وجنوب شرق العاصمة الجزائرية) تشير الي أن هناك أيدي خارجية تعبث بوحدة الجزائر وتريد بها شرا. فماذا إذا صحّت اتهامات المغرب بأن إيران دخلت علي خط البوليساريو؟
استنادا الي ما يقوله وزير خارجية المغرب الاسبق محمد بوستة فان الصحراء الغربية هي مصدر السلاح الذي يستخدم في أعمال العنف الدامية التي تعانيها الجزائر منذ عدة أعوام. وهو يعني بذلك أن السلاح الذي زوّدت به الجزائر حركة البوليساريو لمقاتلة المغرب قد ارتدّ إليها، ذلك أن وظيفة السلاح هي القتل، وعندما خمدت الحرب في الصحراء بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الامم المتحدة، وجد هذا السلاح وظيفة جديدة له في الجزائر حيث حصلت عليه الجماعات التي تدّعي الاسلام وأغارت علي القري النائية فذبحت وقتلت لمجرد اثارة الرعب والانتقام، واذا أصبح السلاح مرتبطا بمشروع إيراني للمنطقة، فماذا تكون النتيجة؟
....................
إن اللعبة الإيرانية شديدة الخطورة، ويكفي أن نعرف أن الفرنسيون أثناء احتلالهم للمغرب والجزائر عجزوا عن ضرب الوحدة الوطنية بين العرب والأمازيغ، وقضية "الظهير البربري" أي المرسوم البربري الذي أصدره المفوض السامي الفرنسي في المغرب في عام 1930 يشكل علامة بارزة في هذا الشأن.
فقد حاول الظهير البربري إغراء البربر بمنحهم حق اللجوء إلي محاكمهم الخاصة التي تعتمد علي الاعراف والعادات القبلية الخاصة بهم والتحرر بالتالي من أي التزام بالمحاكم الشرعية التي تستند الي الشريعة الاسلامية. ولكن البربر - الأمازيغ - تضامنوا مع اخوانهم العرب في اسقاط تلك المؤامرة علي وحدتهم الوطنية، وقطفوا ثمن ذلك الاستقلال عن فرنسا، إلا ان محاولات شق الصف لم تتوقف منذ ذلك الوقت.
فهل يشكل اتهام إيران بتبني حركة البوليساريو سببا لوعي مغربي - جزائري يوحّدهما في وجه هذا الاحتمال الخطير، ويكون مدخلاً لاعادة ترتيب علاقاتهما الثنائية في اطار الوحدة المغاربية؟
في عام 1960 اتخذت الجامعة العربية في مؤتمر عقدته في شتورا بلبنان، قرارا بتأييد حق المغرب في موريتانيا وباعتبارها جزءا من المغرب، الا ان الجامعة اضطرت الي التراجع عن هذا القرار فيما بعد تحت إلحاح الجزائر، فوافق المغرب بالتالي ولو عن غير رضا علي استقلال موريتانيا، وخضع للأمر الواقع الجديد، وهكذا قامت موريتانيا كدولة مستقلة، وكانت النتيجة التي وصلنا إليها الآن أن أصبحنا نقف موقف المتفرج ونحن نري موريتانيا تنفتح علي اسرائيل متحدية مشاعر العرب والمسلمين.
ولكي لا تتكرر مثل هذه الفاجعة القومية في الصحراء، أصبح حتميا أن تعمل الجزائر والمغرب علي معالجة هذه القضية وتحويلها من سبب لتصارعهما إلي سبب لتفاهمهما واتحادهما، فعندما يعاني الجناح الغربي للوطن العربي من خطر التمزق بسبب قضية الصحراء الغربية (خاصة اذا دخلت إيران علي الخط)، وبسبب قضية الأمازيغ، تضعف مقومات المجابهة والصمود في وجه الخطر الصهيوني الذي يهدد الأمة العربية مشرقا ومغربا في مصيرها ومستقبلها، فالعالم العربي لن يحتمل مزيدا من بؤر الاستغلال الخارجي، إضافة إلي أن الانقسامات عرقية كانت أو طائفية او مذهبية هي مرض معدٍ وسريع الانتشار.
إن المخطط الفارسي يظهر بالتدريج.
وواضح أن ما عجزت الولايات المتحدة عن فعله باستخدام إسرائيل، ستنجح في فعله باستخدام إيران.
وربما تتذكرون أننا قبل شهور تناولنا مثلث العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الإيرانية، وقلنا ونحن نغلق الباب أمام أي مجال للشك أن القوي الثلاث أو الدول الثلاث تتفق ولا تختلف، وأن كل ما يظهر علي السطح من نقاط اختلاف ما هو إلا محاولات للتعمية عن الهدف الأساسي وهو السيطرة علي المنطقة العربية.
وقتها، استعرضنا في ملف طويل بالأدلة والبراهين الأدوار التي لعبتها إيران لصالح المشروع الصهيوني والمشروع الأمريكي، وقلنا إن الحكومات الإيرانية المتعاقبة لم تدخر جهدا لخدمة الأهداف الأمريكية في المنطقة، وها نحن نعيد ونكرر ما ذكرناه، ونضيف إلي ما سبق ما حدث من مستجدات.. وأحدثها الخطوة التي أراد بها أوباما أن يجعل التبعية الإيرانية لأمريكا أمرا معلنا، بدلا من كونها مستترة.
..................
إذا لم تكن رسالة التهنئة الصباحية كافية، فرسالة المساء ستحقق الهدف.. فالولايات المتحدة لديها مشاريع مبادرات أخري.
هذا ما أعلنه البيت الأبيض، بعد الرسالة التاريخية التي وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الجمعة مباشرة إلي القادة والشعب الإيرانيين.
إنه إلحاح أمريكي لا مثيل له منذ سنوات للتعبير عن حسن النوايا تجاه إيران، أثار عاصفة من الترحيب في الاتحاد الأوروبي وروسيا، قد لا يختلف كثيرون علي أنها قد تكون بمثابة نسمات باردة تهب علي بؤر التوتر الساخنة، إقليميا ودوليا، بما يشمل الساحة العربية.
وفي حين أن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس امتنع عن الحديث عن هذه المبادرات الأمريكية المقبلة، إلا انه قال "نعم. هناك مبادرات أخري، لكن لا يسعني اليوم الحديث عن أي منها". إيران، كعادتها، فضلت الحذر في الوقت الراهن.
ويجيء هذا التطور بعد سلسلة من التطورات الإقليمية المهمة، ربما تبدأ بالإخفاق الإسرائيلي في حرب غزة، والمصالحات العربية في قمة الكويت الاقتصادية، والقمة الرباعية في الرياض، والانفتاح المتبادل بين السعودية وسوريا، ثم جولة وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي إلي الرياض والعواصم الخليجية والتي سبقتها زيارة المبعوثين والنواب الأمريكيين إلي دمشق، مرورا بقرار الحكومة البريطانية التواصل مع "حزب الله"، والإشارات المتواصلة حول الرغبة الدولية بقيام حكومة وفاق وطني في لبنان، في ما بعد انتخابات السابع من يونيو المقبل. وحدها المملكة المغربية ذهبت في الاتجاه المعاكس لأجواء التهدئة المتفشية في المنطقة، وقطعت علاقاتها مع طهران.
وقبل يومين، تحدثت دمشق صراحة بضرورة وضع الغرب لخطة مفصلة وواضحة لتقوم بوساطتها مع إيران، فيما يستعد الزعماء العرب لقمتهم المرتقبة في الدوحة بعد أيام.
علي أي حال، فقد فتح أوباما بابا واسعا أمام حوار أصبح أكثر ترجيحا مع إيران، في رسالة تلفزيونية غير مسبوقة، طغت عليها لغة إيجابية تخاطب الشعب والنظام معا، دون أن تدخل في تفاصيل الخلافات وحلولها، عارضة دبلوماسية أمريكية متجددة، تتحرر من "التهديدات"، وتقوم علي "الاحترام" المتبادل، ومنح الجمهورية الإسلامية "المكانة المناسبة" في المجتمع الدولي.
وإذا كانت إيران تلقت الرسالة بحذر، إلا أنها رحبت بالنبرة الإيجابية التي طبعت الدقائق الأربع تقريبا التي تحدث فيها أوباما، وأعربت عن استعدادها لتجاوز الماضي ونسيان خلافاته، مشترطة لذلك أن تترجم الإدارة الأمريكية أقوالها إلي "أفعال"، لتنتقل العلاقات بين البلدين من مرحلة العداء المطلق، إلي مرحلة أقل عدائية، قد تجر معها منطقة الشرق الأوسط، والعالم، إلي حقبة لم تختبر من قبل.
وأن تخاطب الإيرانيين في ذروة إحيائهم عيد النيروز، أي رأس السنة الفارسية (هجري شمسي)، تكون إما تخاطر بألا تصل رسالتك إلي مسامعهم، بسبب انصرافهم عن همومهم ومتابعاتهم اليومية والنفور من مدنهم ومنازلهم إلي سفر داخلي أو خارجي بهدف الاستجمام، أو أن تصل إلي قلوبهم لأنك اخترت المناسبة الأهم والأعز عندهم من دون سواها من المناسبات والأعياد.
ولا بد أن الرئيس الأمريكي افترض الحالة الثانية، وهي أن يصل إلي قلوب الإيرانيين في عيدهم الأكبر، عندما وجه رسالته غير المسبوقة التي نالت ترحيبا أوروبيا واسعا، في توقيتها ومضمونها ودلالاتها والجهة المرسلة إليها.
وإن كانت الرسالة تمتاز بحصريتها هذه المرة، أي تخصيصها لإيران في سابقة رئاسية أمريكية أيضا، فإن ما تقدم عليها من شعارات انتخابية ومن مواقف بعد تولي إدارة البيت الأبيض، مثّل إشارات علي توجهات أوباما حيال إيران ودورها وملفها النووي، برغم التعرجات التي ظهرت علي مسار مقاربة فريق الرئيس الأمريكي لأساليب التعامل مع الجمهورية الإسلامية خلال الأشهر الماضية، ومنها المواقف غير المشجعة التي صدرت عن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، صاحبة شعار محو إيران عن الخريطة إذا هاجمت إسرائيل، وتلميحات رئيس أركان الجيوش الأمريكية مايكل مولن عن اقتراب إيران من امتلاك سلاح نووي، فضلاً عن إعادة المتحدثين باسم البيت الأبيض والخارجية التذكير باستمرار علي طرح جميع الخيارات علي الطاولة، بما فيها الخيار العسكري.
لكن الرسالة التي أطلق عليها أوباما اسم "رسالة النوروز"، وختمها بالعبارة الفارسية "عيد شما مبارك"، أي عيدكم مبارك، أخذت الإيرانيين، لا سيما المسئولين منهم والمعنيين من عطلة النوروز، وفتحت باب التحليل واسعا لاستقراء ماهية التحول الأمريكي علي مستوي الشكل والمضمون.
وقال أوباما في رسالته "أود أن أتحدث بشكل خاص مباشرة مع شعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقادتها"، مشيرا إلي أن إدارته تتعهد "باتباع دبلوماسية تعالج مجموعة من القضايا التي نواجهها، والسعي إلي إقامة علاقات بنّاءة بين الولايات المتحدة وإيران والمجتمع الدولي.. وهذه العملية لن تتعزز بالتهديدات، ونحن نسعي بدلا من ذلك إلي حوار نزيه يقوم علي الاحترام المتبادل".
وفيما وصف الرئيس الأمريكي الاحتفالات بالعام الإيراني الجديد بأنها "موسم بدايات جديدة"، مشددا علي "مستقبل يتم التغلب فيه علي الانقسامات القديمة"، قال إن "الولايات المتحدة تريد أن تأخذ جمهورية إيران الإسلامية مكانها المناسب في المجتمع الدولي"، مشيدا بـ "الإنجازات" الإيرانية التي قال إنها "نالت احترام الولايات المتحدة والعالم".
ويتفق معظم المتابعين الإيرانيين علي أن الرئيس الأمريكي اختار المناسبة الإيرانية الأبرز ليشير إلي اهتمام خاص وأولوية متقدمة. ويقول أحد المختصين بمتابعة العلاقات الإيرانية - الأمريكية، إن "النوروز يعني بالفارسية اليوم الجديد، ورسالة أوباما تمهد بالضرورة لصفحة جديدة في العلاقات متي توافرت آليات ترجمة النوايا إلي خطوات عملية وحوار مباشر".
ويري أن الرسالة، التي يمكن اعتبارها الخطوة العملية الأولي، حملت دلالات مهمة وغير مسبوقة في تاريخ العلاقة منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ومن هذه الدلالات "توجيه أوباما رسالته إلي القيادة والشعب الإيرانيين، وليس اقتصار الخطاب علي الشعب الإيراني كما كان يفعل أسلافه في البيت الأبيض وآخرهم جورج بوش الذي وجه رسالة إلي الشعب الإيراني في آخر جولاته الخليجية ألّبه فيها علي "نظام الملالي".. كما لفت استخدام أوباما عبارة الجمهورية الإسلامية في إيران وليس إيران فقط. ولم تقتصر إشادته علي الحضارة الفارسية العظيمة، بل أضاف مشيدا بالإنجازات التي قال إنها نالت احترام الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، وقد يكون ذلك إشارة إلي الإنجازات العلمية في عهد الجمهورية الإسلامية لأن الحديث عن الحضارة شيء، وعن الإنجازات شيء آخر".
ويذهب المختص بالعلاقات الأمريكية الإيرانية إلي حد القول إن إشارة أوباما إلي الإنجازات، مقدمة للاعتراف بحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية وكذلك القدرات العلمية المتعلقة بالصواريخ والأقمار الاصطناعية.
ولا تقلل مصادر رسمية إيرانية من أهمية التوقف عند دلالات الرسالة في الشكل، وكذلك خلفيات بعض عباراتها، لكنها تصر علي المبدأ الإيراني القائم علي اشتراط تقديم خطوات عملية، وتشير إلي ما قاله أحد أبرز مستشاري الرئيس الإيراني علي أكبر جوانفكر "لن ندير ظهرنا لأوباما إذا تجاوز الكلام إلي الفعل، وكلامه عن تجاوز خلافات الماضي، كلام مهم".
وأوضح جوانفكر "أظهرت الأمة الإيرانية أن بمقدورها نسيان السلوك المتسرع لكننا ننتظر خطوات عملية من جانب الولايات المتحدة". وأضاف "ما قدمته إدارة أوباما حتي الآن هو الكلام"، مشيرا إلي أن "العقوبات غير المحدودة التي لا تزال قائمة والتي جددتها الولايات المتحدة هي خطأ وينبغي مراجعتها". كما لفت أيضا إلي الدعم الأمريكي لإسرائيل، قائلا "دعم إسرائيل ليس إشارة ودودة"، فيما قال وزير الطاقة الإيراني برويز فتاح إن رسالة أوباما "إيجابية.. رغم وجود بعض النقاط السلبية فيها".
غير أن مرشد الجمهورية آية الله السيد علي خامنئي، تجاهل رسالة الرئيس الأمريكي، معتبرا أن القوي العالمية اقتنعت بأنه لا يمكنها وقف تقدم إيران النووي. وفي خطاب مسجل منفصل بمناسبة العام الإيراني الجديد، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أيضا إن القوي العالمية وصلت إلي "طريق مسدود"، لكنه لم يتطرق كذلك بالذكر إلي رسالة أوباما.
وتعتبر المصادر الرسمية "أن المشاكل بين طهران وواشنطن ليست عاطفية وحلها ليس في الكلام، وعلي الولايات المتحدة أن تغير موقفها علي الأرض من إيران". وتضيف" نأمل أن تتشكل زوايا التفاؤل مع أوباما ولكن الحقائق والتجارب تخبرنا انه يجب عدم الإفراط في التفاؤل". لكن المصادر نفسها تفيد بأن دوائر القرار في طهران عكفت علي قراءة رسالة الرئيس الأمريكي وهي بصدد تحديد أو تجديد مسار خريطة الطريق في التعامل مع التبدلات الأمريكية، والموقف الرسمي سيتبدي علي مراحل خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة لأن إيران في عطلة طويلة حاليا قد تستمر عشرة أيام.
وتكشف مصادر إيرانية أخري أن رسالة أوباما قد تكون تتويجا لا بداية لاتصالات ومفاتحات دبلوماسية بين الطرفين جرت وتجري في أكثر من مكان، "وإن كانت زيارة فريق المصارعة الأمريكي إلي طهران في النصف الأول من مارس الجاري انتهت إلي عدم تحقيقه أي فوز، فإن زيارته جاءت في سياق إشارات متبادلة منها قرار المدعي العام الإيراني بتخلية سبيل الصحفية الأمريكية من أصل إيراني روكسانا صابري التي أثارت واشنطن ضجة كبيرة حول قضيتها". وتشير المصادر إلي ما أشيع عن لقاءات عقدها أحد مستشاري الرئيس الإيراني مجتبي ثمرة هاشمي مع خبراء وأكاديميين أمريكيين في أوروبا في سياق مراجعات عن العلاقات بين إيران والغرب.
وتتحدث المصادر عن أكثر من مناسبة مقبلة قد تشهد مفاتحات دبلوماسية بين الطرفين أقربها مؤتمر دول منظمة شنغهاي للتعاون في موسكو في 27 مارس الحالي حيث لم يستبعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن يعقد علي هامشه لقاء بين نائب مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية باتريك مون، ومسئولين إيرانيين سيشاركون في المؤتمر.
وبعد ذلك، سيكون مؤتمر لاهاي حول أفغانستان في 31 مارس مناسبة مهمة قد يجلس وزيرا خارجية البلدين خلالها إلي طاولة واحدة، رغم أن طهران لم تؤكد حضورها المؤتمر بعد بسبب تذبذب موقف هيلاري كلينتون واضطرارها لمسايرة نظيرها الفرنسي برنار كوشنير، الذي ألح علي توجيه دعوة لإيران باعتبارها لاعبا مهما في المعادلة الأفغانية. وبعدها بأيام قليلة، سيكون الرئيس الأمريكي ضيف الشرف في منتدي تحالف الحضارات في اسطنبول الذي ترعاه تركيا بشراكة إيرانية. كذلك ستكون إيران شريكاً فعلياً في مؤتمر حول أفغانستان أيضا يعقد في إيطاليا في يونيو المقبل.
...............
علينا أن نعيد النظر لما شهدته المنطقة العربية خلال الفترة الماضية، من زاوية مختلفة.
علينا أن نعيد النظر للدور الذي لعبه الأخ الفاضل بشار الأسد الذي أوقعته خبرته المحدودة أسيرا للعبة دنيئة اعتقد أنه سيخرج منها مستفيدا، وها هو يخرج منها عاريا لا يعلم أحد غير الله المصير الذي ينتظره.
والشيء نفسه ينسحب علي أمير دويلة قطر، الذي اعتقد أن الأمر له علاقة بـ "فتحة الصدر" و"الفهلوة"، بينما يؤكد الواقع مرارا وتكرارا أن المخطط تم وضعه منذ فترة طويلة ولا يمكن أن يكون طرفا فيه إلا باعتباره دمية تستقر أغلب خيوطها في أيدي أمريكا التي تركت بقية الخيوط لتتقاسمها إيران وإسرائيل!
لقد تحولت المنطقة العربية بفعل هؤلاء إلي سيرك، لا وظيفة فيه لـ"الأسد" إلا القفز داخل دائرة نيران مشتعلة، يتبعه أو يسبقه البهلوان بأغنية "أنا شجيع السيما.. أبو شنب بريما".. وبينما نحن مشغولون بالفرجة تقوم الإدارة الأمريكية بعمل مزاد بين الفرس والصهاينة، تقرر علي أساسه من سيفوز بالشعار.. من سيصبح صاحب الدولة الكبري من المحيط إلي الخليج؟!
ياسر بركات
|