يديعوت أحرونوت : الاسد.. سقوط باسلوب بطيء
يونيو 20, 2012
القدس العربي
ان الجيش السوري ينزف، فقد قتل ثلاثون من رجاله هذا الاسبوع وهذا هو المتوسط في الشهر الاخير. وبين القتلى ضباط بعضهم من الضباط الكبار، وبعضهم من العلويين. وهم لا يقتلون في المعارك فقط بل يتصيدهم المعارضون ببساطة. فالضابط يخرج في الصباح من بيته مع ابناء عائلته فيطلق بعضهم النار فيقتل الجميع وهم في طريقهم الى المدرسة احيانا. وكان بعض المذابح التي نفذها العسكريون والشبيحة في قرية الحولة مثلا نوعا من الانتقام بحيث يقتل عشرة أولاد مقابل ابن الضابط.
توحي الطائفة العلوية بانها في أزمة. ففي مواقعها الاجتماعية يجري جدل كثيف ينحصر في الصراع على الحياة والموت. ويتحدثون هناك عن الحداد والثكل وعن الخوف والانتقام. ولا يكاد يوجد بيت علوي ليس فيه رجل أمن، وفي كل بيت كهذا سلاح. وتنظم الطائفة نفسها للدفاع عن نفسها. ويتحدثون في المواقع على الشبكة العنكبوتية عن عصابات مسلحة علوية، ربما اصبحت موجودة تشتغل بتصفية الاعداء من معارضي الرئيس.
لكن مجموع المعطيات هذا مثال صغير فقط على طوفان المعلومات التي تجمعها جهات البحث في الاستخبارات الاسرائيلية أمان والموساد وما أشبه عن الحياة في سورية. فهم يجمعون ويحللون قطعا من الحياة لفهم ما يحدث هناك ولمحاولة تقدير ماذا سيكون مصير بشار الاسد.
يوجد في وزارة الخارجية واحد من أشد المجسات حساسية في هذا الشأن. فالحديث عن جسم قليل الشهرة هو مركز البحث السياسي الذي يستعمل عشرات الباحثين ويحصر عنايته في مجالات مدنية وسياسية واقتصادية في المجتمعات حولنا. ويؤكد هناك بطبيعة الامر في السنة الاخيرة ما يجري في سورية، ويركز الموضوع واحد من السفراء القدماء خدم 11 سنة في الدول العربية ومعه سفير مكث ثماني سنوات في الدول العربية. وليسوا اناسا يقرأون المواد فقط بل يعرفون معرفة شخصية بعض الناس العاملين واذا لم يكونوا يعرفونهم فانهم يعرفون عائلاتهم ويعرفون جيدا الواقع الاجتماعي الثقافي من وراء المعلومات الاستخبارية الجافة.
منذ اليوم الاول للاضطرابات لم يروا في وزارة الخارجية سقوطا قريبا للاسد بل بالعكس. فقد تنبأوا بان تظل سورية تنزف زمنا طويلا لكنهم لا يشكون بان بشارا سيسقط، او كما يقول رئيس المركز دافيد فيلتسر: ‘ان مجرد حقيقة ان الاسد لم ينجح طوال سنة وخمسة اشهر في القضاء على التمرد حسم مصيره. ففي نظم حكم من هذا النوع تقوي حقيقة ان الناس لا ينكسرون ويستمرون على الخروج للتظاهر برغم علمهم انهم قد لا يعودون الى بيوتهم تقوي المواطنين اكثر. والاتجاه بالنسبة للاسد واحد هو نهاية طريقه’.
اوصى قسم البحث من البدء بسياسة تؤيد اسقاط نظام الاسد ان هذا الرجل ونظامه في دعامة مركزية من محور الشر المؤلف من ايران وسورية وحزب الله. ويجب الا تتدخل اسرائيل، بحسب التوصية. لكن اذا سقط فانه سيخدم المصالح ومنها موضوع الذرة الايرانية.
انهارت الخطط الدولية
تم في مدة سنة وخمسة اشهر احصاء اكثر من ستة عشر الف قتيل في سورية، منهم نحو من خمسة عشر الف مدني وحامل سلاح من مؤيدي المعارضة ونحو من الف ومائتي من العسكريين. ولا يعلم أحد كم جريحا يوجد في كل طرف لكن الحديث عن عشرات الالاف.
ويحصون في الجيش السوري 12 13 الف منشق، اكثرهم جنود من الاوساط هربوا الى بيوتهم. و700 800 من المنشقين ضباط. وانتقل فريق منهم ولا سيما المقاتلون ذو الخبرة الى صفوف المتمردين. ونقول بالمناسبة ان الضباط حينما يعدمون جنودا انشقوا فليس من الواضح ما الذي يقولونه لعائلاتهم، لكن السلطات تعدهم على أنهم جنود قتلوا في المعركة. ان عدد المتمردين المسلحين غير واضح لان انتشارهم في مناطق، ولا يوجد جسم اعلى يركز جميع العمليات. ويتحدث تقرير مبالغ فيه جدا عن نحو من 20 الف مسلح يقاتلون الجيش، وفي الاثناء يوجد في السجون نحو من 25 الفا اعتقلوا منذ نشبت الاضطرابات.
يتوقعون في جميع جهات البحث ان يزداد سفك الدماء في سورية جدا، ولا سيما انه لا توجد في الافق اية خطة خارجية قد تفضي الى حل. وقد عرضت خطة كوفي عنان للمصالحة على أنها أداة فارغة. وانهارت الخطة الامريكية التركية. كان اردوغان الشريك الاكبر في محاولة واشنطن استعمال ضغط عسكري على دمشق لاقناع النخبة العلوية باستبدال واحد آخر من الطائفة بالرئيس.
آمن الامريكيون بهذه الخطة لكن اردوغان لم يفِ بنصيبه من الصفقة ورجع عنها. وتبين للولايات المتحدة ما اصبحوا يعرفونه في اسرائيل منذ زمن وهو أن اردوغان ينبح فقط. فهو لن يعمل إلا اذا اصاب الجيش السري حزب العمال الكردستاني في سورية.
ثمّ انطباع ان الامريكيين فقدوا الثقة بسياستهم الخارجية الاقليمية. فالاخفاقات في ليبيا ومصر جعلتهم اشد محافظة، فهم يصرون على نظام علوي في سورية كي يضمنوا الاستقرار للدولة. وهم يرون انه يفترض أن يكون نظاما مواليا للولايات المتحدة متصلا بحلف مع انقرة ومقطوعا عن طهران وحزب الله.
وذلك لم تنجح الاتصالات الامريكية بالروس بشأن تحقيق ‘النموذج اليمني’ الذي يمكن من اخراج الاسد لان كل طرف منهما يقصد شيئا مختلفا. او كما يقولون في مركز البحث السياسي، يتحدث الطرفان بالصينية بعضهما الى بعض. فمعنى ‘النموذج اليمني’ عند الروس هو التحادث قبل كل شيء بين المعارضة والسلطة. وهو عند الامريكيين اخراج الاسد خارج الدولة أولا.
بدأ الروس يستعدون لما بعد الاسد: فقد أعلن البنك الروسي للتجارة الخارجية بانه سيغلق الحسابات المصرفية السورية عن فرض انها لن تفي بالالتزامات. وقد أعلن وزير الخارجية لافروف من قبل ان روسيا غير متمسكة بالاسد بل بالاستقرار.
وبالجملة فان الطرف الروسي يزيد على العصيدة السورية أشياء هاذية. فقد عقدت في روسيا في المدة الاخيرة بعض المؤتمرات في اليمين المتطرف تحت عنوان ‘قدماء الجيش الاحمر الذين خدموا في سورية’. والحديث عن اطراف تقول ان سقوط الاسد سيفضي الى طوفان اسلامي او استعماري غربي يغرق روسيا ولهذا اعلنوا انشاء كتائب متطوعين يخرجون لتعزيز الجيش السوري لكنهم لا ينظرون اليهم بجدية الى الان. وفي داخل سورية وبغير اعلان رسمي بحرب اهلية ، سيقتل الجميع الجميع، ولا توجد خطوط جبهة واضحة وفي كل مكان تجري حروب وعصابات مسلحة. وينسب فريق من الهجمات على منشآت الجيش الحساسة الى ‘جيش الانقاذ’: وهو مجموعات مسلحة توالي القسم العراقي من القاعدة.
يا لسخرية القدر. فقد استجدى الامريكيون الاسد في حرب الخليج الا يمكن هذه المجموعة المسلحة من تنظيم نفسها على أرضه ودخول العراق منها. وهي الان تسير في اتجاه معاكس للمس به. ثمّ مفارقة اخرى هي تبادل الادوار: فقد اصبحت لبنان الان التي ترسل المقاتلين والسلاح الى سورية غير المستقرة. واذا لم يكن هذا كافيا فان رئيس وزراء لبنان السابق سعدا الحريري الذي يمكث في باريس، ينظم السلاح من اجل المعارضة في سورية.
ويشك السوريون في الاردنيون ايضا. وقد عقد الملك عبدالله قبل بضعة اسابيع مؤتمرا اقليميا في العقبة ‘لبحث المستقبل في منطقتنا’. واذا لم يكن هذا كافيا فقد تم قبل نحو من شهر تدريب عسكري امريكي اردني مشترك. وهاج السوريون وماجو واعلنت الحكومة انها صادرت اراضي على حدود الاردن وبدأت تبني ثكن عسكرية لمقاومة الغزو.
حصل متمردون سوريون في المدة الاخيرة على سلاح وبخاصة سلاح خفيف بين الاتراك والقطريين، لكنهم يتلقون جل التأييد من السعوديين. وحقيقة أن الاسد لا ينجح في قمعهم تعزز الثقة لديهم وتصبح الهجمات على نظام حكمه أجرأ.
هوجم في الايام الاخيرة في ضواحي دمشق مركز استخبارات واصيب رجاله. وانتهت احدى الهجمات على قاعدة لسلاح الجو باحتلالها. ويهاجم المتمردون ايضا مطارات عسكرية وفي اسرائيل يتابعون في اهتمام نجاعاتهم في الهضبة ايضا.
اضيفت الى الميدان العسكري في الاسابيع الاخيرة قوات كانت في الماضي تجول في سوريا غير أنه صار لها في هذه المرة صورة اخرى اكثر عنفا. وهي وحدات اغتيال من حزب الله الى جانب وحدات مشابهة غير كبيرة لكنها فتاكة جدا تأتي من ايران. وفي المقابل يشتغل ناس حزب الله بتدريب وحدات عسكرية على حرب العصابات، ويسهم الايرانيون بما يستطيعون في جمع معلومات استخبارية تكتيكية. يوجد في حزب الله، وسورية هي أفضل استثمار سياسي له، يوجد خوف من اليوم التالي وتشتمل الاستعدادات له على سيطرة على وسائل القتال ونقلها الى لبنان. وتوجد في هذه المستودعات صواريخ سكود د وصواريخ مضادة للطائرات، والشيء الوحيد الذي يمنع نصر الله من فعل ذلك الان هو الخوف من ان تقصفها اسرائيل.
الاغنياء ينظرون متنحين
برغم الفوضى الفاشية، وبرغم حقيقة ان الاسد يفقد السيطرة على مناطق تزداد، لا ترى التقديرات الاستخبارية انهياره القريب حتى الان. فهي تتحدث عن ضعف آخر لا عن تحول حاسم.
في مركز البحث السياسي يجعلون استقرار الاسد عند درجة 6 في سلم 10. فالاتجاه هو الى السقوط ولكنه لا يزال بعيدا. ويقولون هناك ان صدام حسين ايضا استمر ممسكا بزمام الحكم سنين طويلة تحت ضغط دولي بعد حرب دمرت جيشه. ويستطيع الاسد ان يظل يحكم ما بقيت له شرعية في الجيش وعند جزء من الشعب، وعند الروس والصينيين واللبنانيين والايرانيين. واذا لم يحكم الدولة كلها فسيحكم اجزاء كبيرة منها. ولن يكون الاقتصاد المتعثر سببا لتنحيه، هذا الى أن الايرانيين يساعدونه. ويأتيه المال ايضا من مهاجرين سوريين صاروا اغنياء في الخارج وظلوا مقربين من النظام. حينما يحللون في وزارة الخارجية الصدامات الدامية، يتبين ان المواجهات العسكرية تجري في الاساس في أرياف المدن. وفي هذا الاسبوع كانت نوبة محافظة اللاذقية لتقبل المذبحة الجديدة، حينما هاجم الجيش مدينة الحفة.
ان أسباب المذابح محلية دائما تقريبا. وهي الانتقام. واشارت اوراق بحث قسم البحث من أمان التي اعدت في بدء المواجهة العسكرية الى الانتقام لاعتباره ظاهرة ستميز التطورات العنيفة في سورية.
يسكن حلب الكبرى ودمشق الكبرى مع المدن التابعة لهما نحو من عشرة ملايين من بين سكان سورية الثلاثة والعشرين مليونا. وان جل المصابين وجل الاحداث الى الان لم يمسوا هذين المركزين اللذين تسكن فيهما الطبقة الوسطى العليا وفيها النخبة السنية. ومعنى ذلك ان اجزاء واسعة من الجمهور لا تزال توالي الرئيس. حتى اليوم مع وجود تقارير عن احداث في أرياف المدينتين البعيدة.
ان الطبقة العليا ونسبتها 4 5 في المائة من السكان تملك ثورة سورية كلها. وبرغم الازمة الاقتصادية، ما يزال الشعور بالمرارة لم يبلغ الى عمال الدولة الكبار والى رجال الاعمال الكبار السنيين. وهذا هو السبب الذي يجعل الامم المتحدة، بضغط من الولايات المتحدة، تدعو الى استعمال عقوبات اقتصادية على سورية.
لم تنضم الطائفة الدرزية الى المتمردين، والاكراد منقسمون، والمسيحيون لا يزالون الى جانب الرئيس. وما يزال الجيش برغم الانشقاقات يطيع مقر القيادة العام في دمشق. وباختصار تدل جميع الدلائل على ضعف ولكن لا يوجد انهيار. فالتدخل الخارجي فقط أو دراما داخلية لا مثيل لها كتمرد ضابط علوي كبير او اغتيال الاسد قد يغيران المعادلة الدامية. وما يزال هذا لا يرى في الافق الى الان. بل بالعكس. فكمية السلاح والقوات التي تتدفق على ميدان القتال تزيد اللهيب فقط ويبقى التعادل في ميدان القتال.
سيعقد في باريس في تموز ‘مؤتمر الدول الصديقة’ لسوريا وهي مجموعة دول من تركيا الى قطر تؤيد المتمردين. وسيكون للمباحثات التي ستتم هناك تأثير معنوي في المتمردين لا أكثر، لان هذه التدبيرات ايضا لن تنجح في أن تفعل اهم شيء للمعارضة وهو جمع جميع فصائل المعارضة في غرفة واحدة وانشاء جسم يراه العالم جهازا حاكما بديلا.
في هذه الايام استبدلت الحكومة السورية الجالية بقائدها برهان غليون. فقد عُزل غليون وهو استاذ جامعة في السوربون لانتقادهم اياه بعدم قدرته على توحيد الصفوف. وحل محله عبدالباسط سيدا، وهو جالٍ من أصل كردي يسكن السويد ولن يجيء الخلاص منه ايضا، فلا أحد يتوقع ان ينجح حتى في جعل الاقلية الكردية تخرج عن عدم اكتراثها.
لكنهم في مركز البحث التابع لوزارة الخارجية يعطون المعارضة مع كل ذلك احتمالات. ففي دولة عاشت زمنا طويلا تحت الاضطهاد يحتاج الى زمن طويل لبناء معارضة قوية، يقولون.
لا ترى اسرائيل ان الوضع الحالي يعرضها لتهديد يقتضي عملا سوى المتابعة من قريب. ومع ذلك قد تتغير الصورة مع البلوغ الى نقطة الحسم لان مستودعات السلاح غير التقليدي قد تعرض المنطقة للخطر وقد يتم اخراج نظم السلاح الباليستية. من المؤكد أننا نقترب لكن من المؤكد أننا لم نصل الى هناك بعد.
|