من غزل الفقهاء ( 2 )
ومن قال لك يا سيدي إن الله نزه نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن الشعر لأن الشعر قبيح؟ إنما نفى عنه أن يكون شاعرًا كمن عرف العرب من الشعراء ورد عليهم قولهم: "إنه شاعر" لأن الشاعر يأتيه الوحي من داخل نفسه، والنبي يجيئه من السماء، وهذا الذي لم تدركه العرب، فقالوا قولتهم التي ردها الله عليهم.
وأين وجدت حرمة الشعر، أو مذمته من حيث هو كلام جميل، يصف شعورًا نبيلاً؟ إنما يقبح إذا اشتمل على الباطل، كما يقبح كل كلام يشتمل عليه.
ومن أين عرفت أن العلماء قد ترفعوا عنه، والكتب مملوءة بالجيد من أشعارهم، في الحب والغزل ووصف النساء؟
أو ما سمعت بأن النبي – صلى الله عليه وسلم - أصغى إلى كعب وهو يهدر في قصيدته التي يتغزل فيها بسعاد… ويصفها بما لو ألقي عليك مثله لتورّعت عن سماعه… وتصاممت عنه ، وحسبت أن التقى يمنعك منه وذهبت تلوم عليه، وتنصح بالإقلاع عن قائله :
وما سعاد غداة البين إذ برزت
ـــــــــــــــ كأنها منهل بالـراح معلـول
هيفاء مقبلة عجـزاء مدبـرة
ـــــــــــــــ لا يشتكي قصر منها ولا طول
وأن عمر كان يتمثّل بما تكره أنت من الشعر، وأن ابن عباس كان يصغي إلى إمام الغزليين عمر بن أبي ربيعة، ويروي شعره؟ وأن الحسن البصري كان يستشهد في مجلس وعظه، بقول الشاعر:
اليوم عندك دلها وحديثها
ـــــــــــــــ وغدا لغيرك كفها والمعصم
وأن سعيد بن المسيب سمع مغنيا يغني:
تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت
ـــــــــــــــ به زينب فـي نسـوة خفـرات
فضرب برجله وقال: هذا والله مما يلذ استماعه، ثم قال:
وليست كأخرى أوسعت جيب درعها
ـــــــــــــــ وأبدت بنـان الكـف للجمـرات
وعالت فتات المسد وخفـاً مرجّـلا
ـــــــــــــــ على مثل بـدر لاح فـي الظلمـات
وقامت تراءى يـوم جمـع فأفتنـت
ـــــــــــــــ برؤيتهـا مـن راح مـن عرفـات
فكانوا يرون هذا الشعر لسعيد بن المسيب .!
|