الرئيسيةالمنتدياتالجوالالبطاقات المرئياتسجل الزوار الصوتياتالصورراسلناالديوانالاخبارالاعلانات  
 


مواضيعنا          يارب (اخر مشاركة : عبدالله القثامي - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          يوم الوطن (اخر مشاركة : محمد مرزوق السميري - عددالردود : 0 - عددالزوار : 185 )           »          دره ومرجانه (اخر مشاركة : محمد مرزوق السميري - عددالردود : 0 - عددالزوار : 682 )           »          عشنا وشفنا (اخر مشاركة : محمد مرزوق السميري - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2106 )           »          تـغ ـــريـدات حــــرّه ! (اخر مشاركة : عبدربه - عددالردود : 38 - عددالزوار : 15994 )           »          +*,, على جدار الذكريات ,,*+ (اخر مشاركة : عبدربه - عددالردود : 125 - عددالزوار : 48551 )           »          قائمة رشيد ذعار ..! (اخر مشاركة : عبدربه - عددالردود : 18 - عددالزوار : 3796 )           »          سهود ومهود (اخر مشاركة : محمد مرزوق السميري - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2772 )           »          دنيا الفنا (اخر مشاركة : محمد مرزوق السميري - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2772 )           »          فنجال المواجع (اخر مشاركة : محمد مرزوق السميري - عددالردود : 2 - عددالزوار : 4242 )           »         
 
العودة   منتديات المرقاب الأدبية > منتديات المرقاب الأدبية > ..: مرقاب الرّكن الهادئ :..

..: مرقاب الرّكن الهادئ :.. ابــداع بــلا ردود!!

إضافة رد
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 30-06-2010, 09:22 AM
فهد الماجدي
(*( عضو )*)
فهد الماجدي غير متصل
لوني المفضل sienna
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل : Feb 2007
 فترة الأقامة : 6819 يوم
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
بيانات اضافيه [ + ]
للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله !



للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

[المثال الأول]
وهو من أحسن الأمثلة: ملكٌ بنى داراً لم يرَ الراؤون ولم يسمع السامعون أحسن ولا أوسع ولا أجمع لكل ملاذّ النفوس منها، ونصب إليها طريقاً، وبعث داعياً يدعو الناس إليها، وأقعد على الطريق امرأة جميلة قد زُيّنت بأنواع الزينة، وأُلبست أنواع الحليّ والحلل، وممرُّ الناسِ كلهم عليها، وجعل لها أعواناً وخدماً، وجعل تحت يدها ويد أعوانها زاداً للمارّين السائرين إلى الملك في تلك الطريق، وقال لها ولأعوانها: من غضّ طرفه عنك، ولم يشتغل بك عنّي، وابتغى منكِ زاداً يوصله إلي؛ فاخدميه وزوّديه، ولا تعوّقيه عن سفره إليّ، بل أعينيه بكل ما يبلغه في سفره.
ومن مدّ إليكِ عينيه، ورضي بك وآثرك عليّ، وطلب وصالك، فسوميه سوء العذاب، وأوليه غاية الهوان، واستخدميه واجعليه يركض خلفك ركض الوحش، ومن نال منك فاخدعيه به قليلاً ثم استرديه منه واسلبيه إياه كلّه، وسلطي عليه أتباعك وعبيدك، وكلما بالغ في محبتك وتعظيمك وإكرامك، فقابليه بأمثاله قلىً وإهانة وهجراً حتى تتقطَّع نفسُه عليكِ حسرات.
فتأمل هذا المثل، وحال خطاب الدنيا وخطاب الآخرة، والله المستعان.
وهذا المثل مأخوذ من الأثر المروىّ عن الله عز وزجل: «يا دنيا اخدمي من خدمني، واستخدمي من خدمك» [السلسلة الضعيفة: 12].
[المثال الثاني]
ملك اختط مدينة في أصح المواضع وأحسنها هواء، وأكثرَها مياهَاً، وشقَّ أنهارَها وغرس أشجارها، وقال لرعيته: تسابقوا إلى أحسن الأماكن فيها، فمن سبق إلى مكان فهو له، ومن تخلف سبقه الناس إلى المدينة، فأخذوا منازلهم، وتبوأوا مساكنهم فيها، وبقى مع أصحاب الحسرات. ونصب لهم ميدان السباق، وجعل على الميدان شجرة كبيرة لها ظلٌّ مديد وتحتها مياه جارية، وفى الشجرة من كل أنواع الفواكه وعليها طيور عجيبة الأصوات، وقال لهم: لا تغتروا بهذه الشجرة وظلها، فعن قليل تُجْتثّ من أصلها، ويذهب ظلها، وينقطع ثمرها، وتموت أطيارها، وأما مدينة الملك؛ فأُكُلها دائم، وظلها مديد، ونعيمها سرمد. وفيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فسمع الناس بها فخرجوا في طلبها على وجوههم، فمروا في طريقهم بتلك الشجرة على أثر تعب ونصب وحرٍّ وظمأ، فنزلوا كلهم تحتها، واستظلوا بظلّها، وذاقوا حلاوة ثمرها، وسمعوا نغمات أطيارها، فقيل لهم: إنما نزلتم تحتها لتحموا أنفسكم، وتضمّروا مراكبكم للسباق، فتهيأوا للركوب وكونوا على أهبة، فإذا صاح النفير استدركتم حلبة السباق.
فقال الأكثرون: كيف ندع هذا الظلّ الظليل، والماء السلسبيل، والفاكهة النضيجة، والدعة والراحة، ونقتحم هذه الحلبة في الحرّ والغبار والتعب والنصب والسفر البعيد والمفاوز المعطشة التي تنقطع فيها الأعناق؟! وكيف نبيع النقد الحاضر بالنسيئة الغائبة إلى الأجل البعيد؟! ونترك ما نراه إلى مالا نراه، وذرّة منقودة في اليد أولى من ذرة موعودة بعد غد، خذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به، ونحن بنو اليوم، وهذا عيش حاضر كيف نتركه لعيش غائب في بلد بعيد لا ندرى متى نصل إليه؟!
ونهض من كل ألف واحد وقالوا: والله ما مقامنا هذا في ظل زائل تحت شجرة قد دنى قلعها، وانقطاع ثمرها، وموت أطيارها، ونترك المسابقة إلى الظلّ الظليل الذي لا يزول، والعيش الهنيء الذي لا ينقطع إلا من أعجز العجز، وهل يليق بالمسافر إذا استراح تحت ظل أن يضرب خباءه عليه ويتخذ وطنه خشية التأذي بالحرّ وبالبرد؟! وهل هذا إلا أسفه السفه؟! فالسباق السباق والبدار البدار.
حكم المنية في البرية جارى ... ما هذه الدنيـا بدار قرارِ
اقضوا مآربكم سراعاً إنما ... أعمارُكم سَفَرٌ من الأسفارِ
وتراكضوا خيلَ السباقِ وبادروا ... أن تُستَرَدَّ فإنَّهن عَواري
ودعوا الإقامة تحت ظلٍّ زائلٍ ... أنتم على سَفرٍ بهذي الدّارِ
من يرجُ طِيبَ العَيشِ فيها إنما ... يبنى الرّجاءَ على شَفيرٍ هارِ
والعَيشُ كلُّ العيش بعد فِراقِها ... في دارِ أهلِ السَّبقِ أكرَمِ دارِ
فاقتحموا حلقة السباق، ولم يستوحشوا من قلة الرفاق، وساروا في ظهور العزائم، ولم تأخذهم في سيرهم لومة لائم، والمتخلف في ظل الشجرة نائم.
فوالله ما كان إلا قليل حتى ذوت أغصان تلك الشجرة، وتساقطت أوراقها، وانقطع ثمرها، ويبست فروعها، وانقطع مشربها، فقلعها قيّمها من أصلها، فأصبح أهلها في حر السموم يتقلّبون، وعلى ما فاتهم من العيش في ظلها يتحسّرون، أحرقها قيّمها فصارت هي وما حولها ناراً تلظى، وأحاطت النار بمن تحتها فلم يستطع أحد منهم الخروج منها، فقالوا: أين الركب الذين استظلوا معنا تحت ظلها ثم راحوا وتركوه؟ فقيل لهم: ارفعوا أبصاركم تروا منازلهم، فرأوهم من البعد في قصور مدينة الملك وغرفها يتمتعون بأنواع اللّذات، فتضاعفت عليهم الحسرات ألا يكونوا معهم، وزاد تضاعفها بأن حيل بينهم وبين ما يشتهون، وقيل هذا جزاء المتخلفين، ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
[المثال الثالث]
قوم سكنوا مدينة مدة من الزمان، فكثرت فيها الأحداث والآفات، وطرقها المحن، وأغارت عليها عساكر الجور والفساد، فبنى ملكهم مدينة في محل لا يطرقه آفة ولا عاهة، وعزم على تخريب المدينة الأولى، فأرسل إلى سكانها، فنودي فيهم بالرحيل بعد ثلاث، ولا يتخلف منهم أحد، وأمرهم أن ينقلوا إلى مدينة الملك الثانية خير ما في تلك المدينة وأنفعه وأجلّه من الجواهر واللآلئ والذهب والفضة، وما خفّ حمله من المتاع، وعظم قدره، وصلح للملوك، وأرسل إليهم الأدلاّء وآلات النقلة، ونهج لهم الطريق، ونصب لهم الأعلام، وتابع الرسل يستحثونهم بعضهم في اثر بعض، فانقسموا فرقاً.
فالأقلون علموا قصر مدّة مقامهم في تلك المدينة، وتيقنوا أنهم إن لم يبادروا بتحصيل خير ما فيها وحمله إلى مدينة الملك، وإلا فاتهم ذلك فلم يقدروا عليه، فرأوا غبناً أن يقطعوا تلك المدة في جمع المفضول والاشتغال به عن الفاضل، فسألوا عن خير ما في المدينة وأنفسه وأحبه إلى الملك وأنفعه في مدينته، فلما عرفوه لم يلتفوا إلى ما دونه، ورأوا أن أحدهم إذا وافى بجوهرة عظيمة كانت أحب إلى الملك من أن يوافيه بأحمال كثيرة من الفلوس والحديد ونحوها، فكان همّهم في تحصيل ما هو أحب إلى الملك وأنفس عنده ولو قلّ في رأى العين.
وأقبلت فرقة أخرى على تعبئة الأحمال المحملة وتنافسوا في كثرتها، وهم على مراتب، فمنهم من أحماله أثمان، ومنهم من أحماله دون ذلك على قدر هممهم وما يليق بهم، لكن هممهم مصروفة إلى تعبئة الأحمال والانتقال من المدينة.
وأقبلت فرقة أخرى على عمارة القصور في تلك المدينة والاشتغال بطيباتها ولذّاتها ونزهها، وحاربوا العازمين على النقلة، وقالوا: لا ندعكم تأخذون من متاعنا شيئاً، فإن شاركتمونا في عمارة المدينة واستيطانها وعيشنا فيها، وإلا لم نمكنكم من النقلة، ولا من شيء من المتاع، فوقعت الحرب بينهم فقاتلوا السائرين، فعمدوا إلى أكل أموالهم وأهليهم، وما نقموا منهم إلا بسيرهم إلى دار الملك وإجابة داعيه، والرغبة عن تلك الدار التي أمرهم بتركها.
وأقبلت فرقة أخرى على التنزه والبطالة والراحة والدعة، وقالوا: لا نتعب أنفسنا في عمارتها، ولا ننتقل منها ولا نعارض من أراد النقلة، ولا نحاربهم، ولا نعاونهم.
وكان للملك فيها قصر فيه حريم له وقد أحاط عليه سوراً، وأقام عليه حرساً، ومنع أهل المدينة من قربانه، وطاف به القاعدون فلم يجدوا فيه باباً يدخلون منه، فعمدوا إلى جدرانه فنقبوه، ووصلوا إلى حريمه فأفسدوهم، ونالوا منه ما أسخط الملك وأغضبه وشقّ عليه، ولم يقتصروا على ذلك حتى دعوا غيرهم إلى إفساد حريمه والنيل منهم، فبينما هم على تلك الحال، وإذا بالنفير قد صاح فيهم كلهم فلم يُمكّن أحداً منهم من التخلف، فحملوا على تلك الحال وأحضروا بين يدي الملك، فاستعرضهم واحداً واحداً، وعرضت بضائعهم وما قدموا به من تلك المدينة عليه، فقبل منها ما يصلح له، وأعاض أربابه أضعاف أضعاف قيمته، وأنزلهم منازلهم من قربه، ورد منها مالا يصلح له وضرب به وجوه أصحابه، وقابل من نقب حماه وأفسد حريمه بما يقابل به المفسدون، فسألوا الرجعة إلى المدينة ليعمروا قصره، ويحفظوا حريمه، ويقدموا عليه من البضائع بمثل ما قدم به التجار، فقال هيهات قد خربت المدينة خراباً لا تعمر بعده أبداً وليس بعدها إلا المدينة التي لا تخرب أبداً.
نقله لكم
www.aborashed.com
من كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين ص 464



 توقيع : فهد الماجدي


أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة ،
وأن يجعلك مباركاً أينما كنت ، وأن يجعلك ممن إذا أُعطي شكر ، وإذا ابتُلي صبر ، وإذا أذنب استغفر ،
فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة.
موقع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمة الله
والعلامه محمد امان الجامي رحمه الله
,
« اللهم إنك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق، المقر بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبته، وذل لك جسده، ورغم لك أنفه، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين، ويا خير المعطين »

استغفر الله الذي لا اله إلا هو الحي الغيوم واتوب اليه




آخر تعديل محمد بلال يوم 07-07-2010 في 12:16 AM.
رد مع اقتباس
قديم 30-06-2010, 09:49 AM   #2
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ؛ أتصبرون












﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ؛ أتصبرون﴾








للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله





وهذا عامٌّ في جميع الخلق؛ امتحن بعضهم ببعض:

فامتحنَ الرُّسُلَ بالمرسَل إليهم، ودعوتهم إلى الحق، والصبر على أذاهم، وتحمُّلِ المشاقّ في تبليغهم رسالاتِ ربِّهم.

وامتحنَ المرسَلَ إليهم بالرسُل؛ وهل يطيعونهم، وينصرونهم، ويُصدّقونهم؟ أم يكفرون بهم، ويرُدّون عليهم، ويقاتلونهم؟

وامتحنَ العلماءَ بالجهّال؛ هل يعلِّمونهم، وينصحونهم، ويصبرون على تعليمهم، ونصحهم، وإرشادهم، ولوازم ذلك.

وامتحن الجهالَ بالعلماء؛ هل يطيعونهم، ويهتدون بهم؟

وامتحن الملوك بالرعية، والرعية بالملوك.

وامتحن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء.

وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء.

والسادة بالأتباع، والأتباع بالسادة.

وامتحن المالكَ بمملوكه، ومملوكَه به.

وامتحن الرجل بامرأته، وامرأته به.

وامتحن الرجال بالنساء، والنساء بالرجال.

والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين.

وامتحن الآمرين بالمعروف بمن يأمرونهم، وامتحن المأمورين بهم.

ولذلك كان فقراءُ المؤمنين وضعفاؤهم من أتباع الرسل؛ فتنةً لأغنيائهم ورؤسائهم، امتنعوا من الإيمان بعد معرفتهم بصدق الرسُل، وقالوا: ﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ هؤلاء، وقالوا لنوح عليه السلام: ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾.

قال تعالى : ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ فإذا رأى الشريفُ الرئيسُ المسكينَ الذليلَ قد سَبَقَهُ إلى الإيمان ومتابعةِ الرسول؛ حَمِىَ وأنِفَ أن يُسْلِمَ فيكون مثله! وقال: أُسلم فأكون أنا وهذا الوضيع على حد سواء؟!

قال الزَّجَّاج : كان الرجلُ الشريفُ ربما أراد الإسلام، فيمتنع منه لئلا يقال: أسلم قبله من هو دونه، فيقيمُ على كفرهِ؛ لئلاّ يكون للمسلم السابقةُ عليه في الفضل.

ومن كون بعض الناس لبعضهم فتنة :

أن الفقير يقول : لِمَ لَمْ أكنْ مثل الغنيّ ؟!

ويقول الضعيف : هلاَّ كنتُ مثل القوي ؟!

ويقول المبتلَى : هلا كنتُ مثل المعافَى ؟!

وقال الكفار : ﴿لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ﴾.

قال مُقاتل : نزلت في افتتانِ المشركين بفقراء المهاجرين - نحو بلال، وخبّاب، وصهيب، وأبي ذرٍّ، وابن مسعود، وعمّار - كان كفّارُ قريشٍ يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين تَبِعوا محمداً من موالينا وأراذلنا ؟!

قال الله تعالى : ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ۝ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ۝ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ فأخبر - سبحانه - أنه جزاهم على صبرهم كما قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾.

قال الزَّجَّاج : أي أتصبرون على البلاء، فقد عرفتم ما وَجدَ الصابرون ؟!

قلت : قَرَنَ الله - سبحانه - الفتنةَ بالصبر ههنا، وفي قوله: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا﴾ فليس لمن قد فُتِن بفتنةٍ دواءٌ مثلُ الصبرِ، فإن صبرَ كانت الفتنةُ مُمَحِّصَةً له، ومُخلِّصة من الذنوب، كما يُخلّصُ الكِيرُ خَبَثَ الذَّهبِ والفِضّة.

فالفتنةُ كيرُ القلوب، ومَحَكّ الإيمان، وبها يتبين الصادق من الكاذب.

قال تعالى : ﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾.

فالفتنةُ قَسَمتِ الناس إلى صادقٍ وكاذبٍ، ومؤمن ومنافق، وطيبٍ وخبيث، فمن صبر عليها؛ كانت رحمةً في حقِّه، ونجا بصبره من فتنةٍ أعظم منها، ومن لم يصبر عليها؛ وقع في فتنةٍ أشّدَّ منها.

فالفتنة لا بد منها في الدنيا والآخرة كما قال تعالى : ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ۝ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ فالنار فتنة من لم يصبر على فتنة الدنيا، قال تعالى في شجرة الزقوم: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ﴾...

والكافر مفتونٌ بالمؤمن في الدنيا، كما أن المؤمن مفتون به، ولهذا سألَ المؤمنون ربّهم أنْ لا يجعلهم فتنةً للذين كفروا، كما قال الحُنفاء: ﴿ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ۝رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وقال أصحاب موسى عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.

قال مجاهد : المعنى لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذابٍ من عندك؛ فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق؛ ما أصابهم هذا.

وقال الزَّجَّاج : معناه : لا تُظهِرهم علينا؛ فيظنّوا أنهم على حقٍّ، فيفتنوا بذلك.

وقال الفرّاء : لا تُظهر علينا الكفارَ؛ فيَرَوْا أنهم على حقٍّ وأنَّا على باطل.

وقال مقاتل : لا تُقتِّر علينا الرزق وتبْسُطه عليهم؛ فيكون ذلك فتنة لهم.

وقد أخبر الله سبحانه أنه قد فتن كلا من الفريقين بالفريق الآخر فقال : ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ فقال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾.

والمقصود : أن الله - سبحانه - فتن أصحاب الشهواتِ بالصّوَر الجميلة، وفَتن أولئك بهم، فكل من النوعين فتنةٌ للآخر، فمن صبر منهم على تلك الفتنة؛ نجا مما هو أعظم منها، ومن أصابته تلك الفتنة؛ سقط فيما هو شرّ منها، فإن تدارك ذلك بالتوبة النصوح، وإلا فبسبيل من هلَكَ، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم - «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»[رواه البخاري وسلم] أو كما قال.

فالعبدُ في هذه الدار مفتونٌ بشهواته، ونفسه الأمّارة، وشيطانه المغوِي المزين، وقرنائه، وما يراه، ويشاهده، مما يَعجِزُ صبرُهُ عنه، ويتفقُ مع ذلك ضعفُ الإيمان واليقين، وضعف القلب، ومرارة الصبر، وذوق حلاوة العاجل، وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا، وكون العِوض مؤجّلاً في دار أخرى غير هذه الدار التي خلق فيها، وفيها نشأ، فهو مكلفٌ بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الإيمان به:




فوالله لولا الله يُسعِد عبده ...,. بتوفيقه والله بالعبد أرحمُ








لما ثَبَتَ الأيمان يوماً بقلبه ... على هذه العلاّت والأمرُ أعظمُ








ولا طاوعته النفس في ترك شهوةٍ ... مخافةَ نارٍ جمرُها يتضرَّم








ولا خافَ يوماً من مقام إلهه .. عليه بحكمٍ القِسطِ إذ ليسَ يُظلم








نقله لكم








www.aborashed.com








من كتاب "إغاثة اللهفان" ( 2 / 881 )


 

رد مع اقتباس
قديم 30-06-2010, 09:52 AM   #3
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


الفتنة نوعان









قال ابن القيم رحمه الله:





الفتنة نوعان





فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين وفتنة الشهوات





وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما



فـفتنة الشبهات:

[سببها]

من ضعف البصيرة وقلة العلم، ولا سيّما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيء القصد الحاكم عليه الهوى لا الهدى مع ضعف بصيرته وقلة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الذين قال الله تعالى فيهم:



{إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ}



وقد أخبر الله سبحانه أن إتباع الهوى يضل عن سبيل الله فقال :



{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}.



[مآلها]

وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.

[كيفية النجاة منها]

ولا ينجى من هذه الفتنة إلا تجريد إتباع الرسول، وتحكيمه في دق الدين وجله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام، وما يثبته لله من الصفات والأفعال والأسماء، وما ينفيه عنه، كما يتلقى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها، ومقادير نصب الزكاة ومستحقيها، ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة، وصوم رمضان، فلا يجعله رسولاً في شيء دون شيء من أمور الدين، بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل لا يتلقى إلا عنه، ولا يؤخد إلا منه، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وكل ما خرج عنها فهو ضلال، فإذا عقد قلبه على ذلك، وأعرض ما سواه ووزنه بما جاء به الرسول فإن وافقه قبله؛ لا لكون ذلك القائل قاله بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه رده ولو قاله من قاله، فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.



[نشوئها]

وهذه الفتنة تنشأ :

تارة من فهم فاسد،

وتارة من نقل كاذب،

وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به،

وتارة من غرض فاسد وهوى متبع،

فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة.



[فتنة الشهوات]

وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنة الشهوات.

وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله:



{كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلاَقِكُمْ}



أي: تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها. والخلاق هو النصيب المقدر،

ثم قال:



{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ}



فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات.

فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان؛ من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأن فساد الداعين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح.

فالأول : هو البدع وما والاها.

والثاني : فسق الأعمال.

فالأول: فساد من جهة الشبهات، والثاني: من جهة الشهوات.

ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى قد فتنه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه. وكانوا يقولون: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل؛ فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون.

[أصل كل فتنة]

وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.

فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثاني: أصل فتنة الشهوة.

[كيفية دفع الفتنتين]

ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل الله سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين فقال:



{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.



فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

وجمع بينهما أيضاً في قوله:



{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}



فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات.

وجمع بينهما في قوله:



{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ}



فالأيدي: القوى والعزائم في ذات الله، والأبصار: البصائر في أمر الله وعبارات السلف تدور على ذلك ...

وقال جاء في حديث مرسل: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.

فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة، والله المستعان.



نقله لكم بشيء من الاختصار





www.aborashed.com





من كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان





للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله


 

رد مع اقتباس
قديم 30-06-2010, 10:00 AM   #4
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna



لماذا نقرأ سورتي الإخلاص في سنة الفجر والمغرب والوتر؟





للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله



ملاك السعادة والنجاة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى، وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله، وإليهما دعت الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- من أولهم إلى آخرهم:

أحدهما : التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي المتضمن إثبات صفات الكمال لله تعالى، وتنزيهه فيها عن التشبيه والتمثيل، وتنزيهه عن صفات النقص.

والتوحيد الثاني : عبادته وحده لا شريك له، وتجريد محبته، والإخلاص له، وخوفه، ورجاؤه، والتوكل عليه، والرضى به رباً وإلاهاً وولياً، وأن لا يجعل له عدلاً في شيء من الأشياء.

وقد جمع سبحانه وتعالى هذين النوعين من التوحيد في سورتي الإخلاص وهما:

1-سورة : {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} المتضمن للتوحيد العملي الإرادي،

2- وسورة : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} المتضمنة للتوحيد العلمي الخبري.

فسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيها بيان ما يجب لله تعالى من صفات الكمال، وبيان ما يجب تنزيهه من النقائص والأمثال.

وسورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فيها إيجاب عبادته وحده لا شريك له، والتبريء من عبادة كل ما سواه.

ولا يتم أحد التوحيدين إلا بالآخر ولهذا كان النبي يقرأ بهاتين السورتين في سنة الفجر والمغرب والوتر اللتين هما فاتحة العمل وخاتمته ليكون مبدأ النهار توحيدا، وخاتمته توحيدا.



نقله لكم





www.aborashed.com





من كتاب اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية ص 93


 

رد مع اقتباس
قديم 30-06-2010, 10:07 AM   #5
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


احذر أصدقائك كما تحذر أعدائك





لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله



لا يكون العبد عبداً لله خالصاً مخلصاً دينه لله كله، حتى لا يكون عبداً لما سواه، ولا فيه شعبة ولا أدنى جزء من عبودية ما سوى الله، فإذا كان يرضيه ويسخطه غير الله فهو عبد لذلك الغير، ففيه من الشرك بقدر محبته ...

وكذلك الذين يحبون العبد كأصدقائه، والذين يبغضونه كأعدائه؛ فالذين يحبونه يجذبونه إليهم، فإذا لم تكن المحبة منهم له لله كان ذلك مما يقطعه عن الله. والذين يبغضونه يؤذونه ويعادونه فيشغلونه بأذاهم عن الله، ولو أحسن إليه أصدقاؤه الذين يحبونه لغير الله أوجب إحسانهم إليه محبته لهم وانجذاب قلبه إليهم ولو كان على غير الاستقامة، وأوجب مكافأته لهم فيقطعونه عن الله وعبادته.

فلا تزول الفتنة عن القلب إلا إذا كان دين العبد كله لله عز وجل؛ فيكون حبه لله ولما يحبه الله، وبغضه لله ولما يبغضه الله، وكذلك موالاته ومعاداته، وإلا فمحبة المخلوق تجذبه، وحب الخلق له سبب يجذبهم به إليه، ثم قد يكون هذا أقوى وقد يكون هذا أقوى، فإذا كان هو غالباً لهواه، لم يجذبه مغلوب مع هواه، ولا محبوباته إليها؛ لكونه غالباً لهواه ناهياً لنفسه عن الهوى، لما في قلبه من خشية الله ومحبته التي تمنعه عن انجذابه إلى المحبوبات.

وأما حُب الناس له فإنه يوجب أن يجذبوه هم بقوتهم إليهم، فإن لم يكن فيه قوة يدفعهم بها عن نفسه من محبة الله وخشيتهوإلا جذبوه وأخذوه إليهم ...

فالغالب على الناس في المحبة من الطرفين أنه يقع بعض الشر بينهم، والمعصوم من عصمه الله ...

وقد يحبونه لعلِمه أو دينه أو إحسانه أو غير ذلك؛ فالفتنة في هذا أعظم؛ إلا إذا كانت فيه قوة إيمانية، وخشية، وتوحيد تام؛ فإن فتنة العلم والجاه والصور فتنة لكل مفتون. وهم مع ذلك يطلبون منه مقاصدهم إن لم يفعلها وإلا نقص الحب. أو حصل نوع بغض، وربما زاد أو أدّى إلى الانسلاخ من حبه فصار مبغوضاً بعد أن كان محبوبا.

فأصدقاء الإنسان يحبون استخدامه واستعماله في أغراضهم حتى يكون كالعبد لهم، وأعداؤه يسعون في أذاه وإضراره، وأولئك يطلبون منه انتفاعهم وإن كان مضراً له، مفسداً لدينه، لا يفكرون في ذلك. وقليل منهم الشكور. فالطائفتان في الحقيقة لا يقصدون نفعه، ولا دفع ضرره، وإنمايقصدون أغراضهم به، فإن لم يكن الإنسان عابداً لله متوكلا عليه، مواليا له ومواليا فيه، ومعاديا، وإلا أكلته الطائفتان وأدى ذلك إلى هلاكه في الدنيا والآخرة. وهذا هو المعروف من أحوال بني آدم وما يقع بينهم من المحاربات والمخاصمات والاختلاف والفتن. قوم يوالون زيدا ويعادون عمرا. وآخرون بالعكس؛ لأجل أغراضهم فإذا حصلوا على أغراضهم ممن يوالونه وما هم طالبونه من زيد انقلبوا إلى عمرو، وكذلك أصحاب عمرو كما هو الواقع بين أصناف الناس.

وكذلك " الرأس " من الجانبين يميل إلى هؤلاء الذين يوالونه، وهم إذا لم تكن الموالاة لله أضرّ عليه من أولئك؛ فإن أولئك إنما يقصدون إفساد دنياه: إما بقتله، أو بأخذ ماله، وإما بإزالة منصبه، وهذا كله ضرر دنيوي لا يعتد به إذا سلم العبد، وهو عكس حال أهل الدنيا ومحبيها الذين لا يعتدون بفساد دينهم مع سلامة دنياهم. فهم لا يبالون بذلك. وأما " دين العبد " الذي بينه وبين الله فهم لا يقدرون عليه. وأما أولياؤه الذين يوالونه للأغراض فإنما يقصدون منه فساد دينه بمعاونته على أغراضهم وغير ذلك، فإن لم يفعل انقلبوا أعداء. فدخل بذلك عليه الأذى من " جهتين " :

من جهة مفارقتهم .

ومن جهة عداوتهم .

وعداوتهم أشد عليه من عداوة أعدائه؛ لأنهم قد شاهدوا منه، وعرفوا ما لم يعرفه أعداؤه. فاستجلبوا بذلك عداوة غيرهم فتتضاعف العداوة. وإن لم يحب مفارقتهم احتاج إلى مداهنتهم ومساعدتهم على ما يريدونه وإن كان فيه فساد دينه. فإن ساعدهم على نيل مرتبة دنيوية ناله مما يعملون فيها نصيباً وافراً وحظاً تاماً من ظلمهم وجورهم، وطلبوا منه أيضاً أن يعاونهم على أغراضهم ولو فاتت أغراضه الدنيوية. فكيف بالدينية إن وجدت فيه أو عنده، فإن الإنسان ظالم جاهل لا يطلب إلا هواه. فإن لم يكن هذا في الباطن يحسن إليهم ويصبر على أذاهم. ويقضي حوائجهم لله، وتكون استعانته عليهم بالله تامة، وتوكله على الله تام. وإلا أفسدوا دينه ودنياه، كما هو الواقع المشاهد من الناس ممن يطلب الرئاسة الدنيوية؛ فإنه يطلب منه من الظلم والمعاصي ما ينال به تلك الرئاسة ويحسّن له هذا الرأي، ويعاديه إن لم يقم معه، كما قدجرى ذلك مع غير واحد. وذلك يجري فيمن يحب شخصاً لصورته فإنه يخدمه ويعظمه ويعطيه ما يقدر عليه ويطلب منه من المحرم ما يفسد دينه.

وفيمن يحب صاحب "بدعة" لكونه له داعية إلى تلك البدعة يحوجه إلى أن ينصر الباطل الذي يعلم أنه باطل. وإلا عاداه ولهذا صار علماء الكفار وأهل البدع مع علمهم بأنهم على الباطل ينصرون ذلك الباطل؛ لأجل الأتباع والمحبين ويعادون أهل الحق ويهجنون طريقهم.

فمن أحب غير الله، ووالى غيره؛ كره محب الله ووليه. ومن أحب أحداً لغير الله؛ كان ضرر أصدقائه عليه أعظم من ضرر أعدائه؛ فإن أعداءه غايتهم أن يحولوا بينه وبين هذا المحبوب الدنيوي، والحيلولة بينه وبينه رحمةً في حقه، وأصدقاؤه يساعدونه على نفي تلك الرحمة وذهابها عنه، فأي صداقة هذه! ويحبون بقاء ذلك المحبوب ليستعملوه في أغراضهم وفيما يحبونه، وكلاهما ضرر عليه. قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ﴾. قال الفضيل بن عياض عن ليثعن مجاهد: هي المودات التي كانت لغير الله، والوصلات التي كانت بينهم في الدنيا ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾. فالأعمال التي أراهم الله حسرات عليهم: هي الأعمال التي يفعلها بعضهم مع بعض في الدنيا كانت لغير الله، ومنها الموالاة والصحبة والمحبة لغير الله. فالخير كله في أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



نقله لكم باختصار





www.aborashed.com





الفتاوى ( 10 / 598-606 )


 

رد مع اقتباس
قديم 01-07-2010, 08:08 PM   #6
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna




الـخـائـنـة





من كلام الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله



كل أحد يحتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده، وأعلم الناس أعرفهم بذلك على التفصيل، وأقواهم وأكيسُهُم من قوي على نفسه وإرادته، فاستعملها فيما ينفعه وكفها عما يضره، وفي ذلك تتفاوت معارف الناس وهممُهُم ومنازلهم ، فأعرَفُهُم من كان عارفا بأسباب السعادة والشقاوة، وأرشدَهُم من آثر هذهِ على هذهِ، كما أن أسفَهُهُم من عكس الأمر.

والمعاصي تخون العبد أحوجَ ما كان إلى نفسه في تحصيل هذا العلم، وإيثار الحظ الأشرف العالي الدائم على الحظ الخسيس الأدنى المنقطع، فتحجبه الذنوب عن كمال هذا العلم، وعن الاشتغال بما هو أولى به، وأنفع له في الدارين.

فإذا وقع مكروه واحتاج إلى التخلص منه ، خانه قلبه ونفسه وجوارحه، وكان بمنزلة رجل معه سيف قد غشيه الصدأ ولزم قرابه، بحيث لا ينجذب مع صاحبه إذا جذبه، فعرض له عدو يريد قتله، فوضع يده على قائم سيفه واجتهد ليخرجه، فلم يخرج معه، فدهمه العدو وظفر به.

كذلك القلب يصدأ بالذنوب ويصير مثخنا بالمرض، فإذا احتاج إلى محاربة العدو لم يجد معه منه شيئا، والعبد إنما يحارب ويصاول ويقدم بقلبه، والجوارح تبع للقلب، فإذا لم يكن عند ملكها قوة يدفع بها، فما الظن بها ؟

وكذلك النفس فإنها تخبث بالشهوات والمعاصي وتضعف، أعني النفس المطمئنة، وإن كانت الأمارة تقوى وتتأسد، وكلما قويت هذه ضعفت تلك، فيبقى الحكم والتصرف للأمارة.

وربما ماتت نفسه المطمئنة موتا لا يرتجى معه حياة ينتفع بها، بل حياته حياة يدرك بها الألم فقط.

والمقصود أن العبد إذا وقع في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما هو أنفع شيء له، فلا ينجذب قلبه للتوكل على الله تعالى والإنابة إليه والجمعية عليه والتضرع والتذلل والانكسار بين يديه، ولا يطاوعه لسانه لذكره، وإن ذكره بلسانه لم يجمع بين قلبه ولسانه، فينحبس القلب على اللسان بحيث يؤثر الذكر، ولا ينحبس القلب واللسان على الذكر، بل إن ذكر أو دعا ذكر بقلب لاه ساه غافل، ولو أراد من جوارحه أن تعينه بطاعة تدفع عنه لم تنقد له ولم تطاوعه.

وهذا كله أثر الذنوب والمعاصي كمن له جند يدفع عنه الأعداء، فأهمل جنده، وضيعهم، وأضعفهم، وقطع أخبارهم، ثم أراد منهم عند هجوم العدو عليه أن يستفرغوا وسعهم في الدفع عنه بغير قوة.

هذا ، وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى منه وأمر، وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال إلى الله تعالى، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك، حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها.



وقيل لآخر: قل : لا إله إلا الله، فقال: شاه رخ، غلبتك. ثم قضى .

وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فقال :



يا رب قائلة يوما وقد تعبت .... أين الطريق إلى حمام منجاب



ثم قضى .

وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاتنا تننتا. حتى قضى

وقيل لآخر ذلك، فقال: وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية إلا ركبتها ؟ ثم قضى ولم يقلها.

وقيل لآخر ذلك، فقال: وما يغني عني، وما أعرف أني صليت لله صلاة ؟ ثم قضى ولم يقلها.

وقيل لآخر ذلك، فقال: هو كافر بما تقول. وقضى.

وقيل لآخر ذلك، فقال: كلما أردت أن أقولها لساني يمسك عنها.

وأخبرني من حضر بعض الشحاذين عند موته، فجعل يقول: لله، فلس لله. حتى قضى.

وأخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه: لا إله إلا الله، وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذا مشتر جيد، هذه كذا. حتى قضى.

وسبحان الله ! كم شاهد الناس من هذا عبرا ؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.

فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان، واستعمله فيما يريده من معاصي الله، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله تعالى، وعطل لسانه عن ذكره وجوارحه عن طاعته، فكيف الظن به عند سقوط قواه واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع ؟

وجمع الشيطان له كل قوته وهمته، وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في تلك الحال، فمن ترى يسلم على ذلك؟ فهناك ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ : 27 ].

فكيف يوفق بحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا. فبعيد من قلبه بعيد من الله تعالى، غافل عنه متعبد لهواه أسير لشهواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته مشتغلة بمعصيته - أن يوفق للخاتمة بالحسنى.

ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين، وكأن المسيئين الظالمين قد أخذوا توقيعا بالأمان ﴿ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ ﴾ [ سُورَةُ الْقَلَمِ : 39 - 40 ].



كما قيل :



آمِنًا مِنْ قَبِيحِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَهَلْ ... أَتَاكَ تَوْقِيعُ أَمْنٍ أَنْتَ تَمْلِكُهُ





جَمَعْتَ شَيْئَيْنِ أَمْنًا وَاتِّبَاعَ هَوًى ... هَذَا وَإِحْدَاهُمَا فِي الْمَرْءِ تُهْلِكُهُ





وَالْمُحْسِنُونَ عَلَى دَرْبِ الْمَخَاوِفِ قَدْ ... سَارُوا وَذَلِكَ دَرْبٌ لَسْتَ تَسْلُكُهُ





فَرَّطْتَ فِي الزَّرْعِ وَقْتَ الْبَذْرِ مِنْ سَفَهٍ ... فَكَيْفَ عِنْدَ حَصَادِ النَّاسِ تُدْرِكُهُ





هَذَا وَأَعْجَبُ شَيْءٍ مِنْكَ زُهْدُكَ فِي ... دَارِ الْبَقَاءِ بِعَيْشٍ سَوْفَ تَتْرُكُهُ





مَنِ السَّفِيهُ إِذًا بِاللَّهِ أَنْتَ أَمِ الْ ... مَغْبُونُ فِي الْبَيْعِ غَبْنًا سَوْفَ يُدْرِكُهُ









من كتاب الداء والدواء ص 90





 

رد مع اقتباس
قديم 06-07-2010, 06:33 PM   #7
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


مرآة التوحيد

للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله

التوحيد ألطفُ شيء، وأنزهُهُ، وأنظفه، وأصفاه، فأدنى شيء يخدِشُه ويدنِّسه ويؤثِّرُ فيه، فهو كأبيض ثوبٍ يكون؛ يؤثِّر فيه أدنى أثر، وكالمرآة الصافية جداً أدنى شيء يؤثر فيها، ولهذا تُشوِّشُه اللحظة واللفظة والشهوة الخفية، فإن بادر صاحبه وقَلعَ ذلك الأثر بضده، وإلا: استحكم وصارَ طبعاً يتعسر عليه قلعه.

وهذه الآثار والطبوع التي تحصل فيه:

منها ما يكون سريع الحصول سريع الزوال،

ومنها ما يكون سريع الحصول بطيء الزوال،

ومنها ما يكون بطيء الحصول سريع الزوال،

ومنها ما يكون بطيء الحصول بطيء الزوال،

ولكن من الناس من يكون توحيده كبيراً عظيماً، ينغمرُ فيه كثيرٌ من تلك الآثار، ويستحيل فيه بمنزلة الماء الكثير الذي يخالطه أدنى نجاسة أو وسخ، فيتغير به صاحب التوحيد الذي هو دونه، فيخلطُ توحيده الضعيف بما خلط به صاحبُ التوحيدِ العظيمِ الكثير توحيده، فيظهر تأثيره فيه ما لم يظهر في التوحيد الكثير.

وأيضا فإن المحلَّ الصافي جداً يظهر لصاحبه ممّا يدنِّسهُ مالا يظهر في المحل الذي لم يبلغْ في الصفاءِ مبلغه، فيتدارَكُه بالإزالة دونَ هذا؛ فإنه لا يشعر به.

وأيضا فإن قوة الإيمان والتوحيد؛ إذا كانت قويةً جداً أحالت المواد الرديئة وقهرتها، بخلاف القوة الضعيفة.

وأيضا فإن صاحب المحاسن الكثيرة والغامرة للسيئات لَيُسامح بما لا يُسامح به من أتى مثل تلك السيئات، وليست له مثل تلك المحاسن(1) كما قيل:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع

وأيضا فإن صدق الطلب، وقوة الإرادة، وكمال الانقياد يحيل تلك العوارض والغواشي الغريبة إلى مقتضاه وموجبه، كما أن الكذب وفساد القصد وضعف الانقياد يحيلُ الأقوال والأفعال الممدوحة إلى مقتضاه وموجَبِهِ، كما يشاهد ذلك في الأخلاط الغالبة وإحالتها لصالح الأغذية إلى طبعها.

______________

(1) والقاعدة في اعتبار ذلك: سلامة المنهج، وصفاء العقيدة.



من كتاب الفوائد لابن القيم الجوزية


 

رد مع اقتباس
قديم 06-07-2010, 06:58 PM   #8
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


احذر السقوط


للإمام ابن قيّم الجوزية

كلما عمل العبد معصية نزل إلى أسفل درجة، ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين، وكلما عمل طاعة ارتفع بها درجة، ولا يزال في ارتفاع حتى يكون من الأعلين.
وقد يجتمع للعبد في أيام حياته الصعود من وجه، والنزول من وجه، وأيهما كان أغلب عليه كان من أهله، فليس من صعد مائة درجة ونزل درجة واحدة، كمن كان بالعكس.
ولكن يعرض هاهنا للنفوس غلط عظيم، وهو أن العبد قد ينزل نزولا بعيدا أبعد مما بين المشرق والمغرب، ومما بين السماء والأرض، فلا يفي صعوده ألف درجة بهذا النزول الواحد، كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة الواحدة ، لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أَبْعَدَ مما بين المشرق والمغرب».
فأي صعود يوازن هذه النزلة ؟ والنزول أمر لازم للإنسان، ولكن من الناس من يكون نزوله إلى غفلة، فهذا متى استيقظ من غفلته عاد إلى درجته، أو إلى أرفع منها بحسب يقظته.
ومنهم من يكون نزوله إلى مباح لا ينوي به الاستعانة على الطاعة، فهذا متى رجع إلى الطاعة فقد يعود إلى درجته، وقد لا يصل إليها ، وقد يرتفع عنها، فإنه قد يعود أعلى همة مما كان، وقد يكون أضعف همة ، وقد تعود همته كما كانت.
ومنهم من يكون نزوله إلى معصية، إما صغيرة أو كبيرة، فهذا يحتاج في عوده إلى درجته إلى توبة نصوح، وإنابة صادقة.
واختلف الناس هل يعود بعد التوبة إلى درجته التي كان فيها، بناء على أن التوبة تمحو أثر الذنب، وتجعل وجوده كعدمه فكأنه لم يكن، أو لا يعود، بناء على أن التوبة تأثيرها في إسقاط العقوبة، وأما الدرجة التي فاتته فإنه لا يصل إليها.
قالوا : ومثل ذلك رجلان يرتقيان في سلمين لا نهاية لهما، وهما سواء، فنزل أحدهما إلى أسفل، ولو درجة واحدة، ثم استأنف الصعود، فإن الذي لم ينزل يعلو عليه ولا بد.
وحكم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين الطائفتين حكما مقبولا فقال:
التحقيق أن من التائبين من يعود إلى أرفع من درجته، ومنهم من يعود إلى مثل درجته، ومنهم من لا يصل إلى درجته.
قلت : وهذا بحسب قوة التوبة وكمالها، وما أحدثته المعصية للعبد من الذل والخضوع والإنابة، والحذر والخوف من الله، والبكاء من خشية الله، فقد تقوى هذه الأمور، حتى يعود التائب إلى أرفع من درجته، ويصير بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة، فهذا قد تكون الخطيئة في حقه رحمة، فإنها نفت عنه داء العجب، وخلصته من ثقته بنفسه وإدلاله بأعماله، ووضعت خد ضراعته وذله وانكساره على عتبة باب سيده ومولاه، وعرفته قدره، وأشهدته فقره وضرورته إلى حفظ مولاه له، وإلى عفوه عنه ومغفرته له، وأخرجت من قلبه صولة الطاعة، وكسرت أنفه من أن يشمخ بها أو يتكبر بها، أو يرى نفسه بها خيرا من غيره، وأوقفته بين يدي ربه موقف الخطائين المذنبين، ناكس الرأس بين يدي ربه، مستحيا خائفا منه وجلا، محتقرا لطاعته مستعظما لمعصيته، عرف نفسه بالنقص والذم. وربه متفرد بالكمال والحمد والوفاء كما قيل:


استأثر الله بالوفاء وبالحمد ... وولى الملامة الرجلا

فأي نعمة وصلت من الله إليه استكثرها على نفسه ورأى نفسه دونها ولم يرها أهلا، وأي نقمة أو بلية وصلت إليه رأى نفسه أهلا لما هو أكبر منها، ورأى مولاه قد أحسن إليه، إذ لم يعاقبه على قدر جرمه ولا شطره، ولا أدنى جزء منه.
فإن ما يستحقه من العقوبة لا تحمله الجبال الراسيات، فضلا عن هذا العبد الضعيف العاجز، فإن الذنب وإن صغر، فإن مقابلة العظيم الذي لا شيء أعظم منه، الكبير الذي لا شيء أكبر منه، الجليل الذي لا أجل منه ولا أجمل، المنعم بجميع أصناف النعم دقيقها وجلها - من أقبح الأمور وأفظعها وأشنعها، فإن مقابلة العظماء والأجلاء وسادات الناس بمثل ذلك يستقبحه كل أحد مؤمن وكافر. وأرذل الناس وأسقطهم مروءة من قابلهم بالرذائل، فكيف بعظيم السماوات والأرض، وملك السماوات والأرض، وإله أهل السماوات والأرض؟ ولولا أن رحمته سبقت غضبه، ومغفرته سبقت عقوبته، وإلا لتدكدكت الأرض بمن قابله بما لا يليق مقابلته به، ولولا حلمه ومغفرته لزلزلت السماوات والأرض من معاصي العباد، قال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾[ سورة فاطر:41].
فتأمل ختم هذه الآية باسمين من أسمائه ، وهما : " الحليم ، والغفور " كيف تجد تحت ذلك أنه لولا حلمه عن الجناة ومغفرته للعصاة لما استقرت السماوات والأرض ؟
وقد أخبر سبحانه عن كفر بعض عباده أنه : ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾[سورة مريم: 90].
وقد أخرج الله سبحانه الأبوين من الجنة بذنب واحد ارتكباه وخالفا فيه نهيه، ولعن إبليس وطرده وأخرجه من ملكوت السماوات والأرض بذنب واحد ارتكبه وخالف فيه أمره، ونحن معاشر الحمقى كما قيل :


نصل الذنوب إلى الذنوب ونرتجي ... درج الجنان لذي النعيم الخالد


ولقد علمنا أخـرج الأبوين من ... ملكوتـه الأعلى بذنب واحد

والمقصود أن العبد قد يكون بعد التوبة خيراً مما كان قبل الخطيئة وأرفع درجة، وقد تضعف الخطيئة همته وتوهن عزمه، وتمرض قلبه، فلا يقوى دواء التوبة على إعادته إلى الصحة الأولى، فلا يعود إلى درجته، وقد يزول المرض بحيث تعود الصحة كما كانت ويعود إلى مثل عمله، فيعود إلى درجته.
هذا كله إذا كان نزوله إلى معصية، فإن كان نزوله إلى أمر يقدح في أصل إيمانه، مثل الشكوك والريب والنفاق، فذاك نزول لا يرجى لصاحبه صعود إلا بتجديد إسلامه.







من كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص 86


 

رد مع اقتباس
قديم 10-07-2010, 06:48 PM   #9
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


أقسام الناس في تحقيق إياك نعبد

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

لا يكون العبد متحققا بـ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾إلا بأصلين عظيمين :
أحدهما : متابعة الرسول.
والثاني : الإخلاص للمعبود. فهذا تحقيق إياك نعبد.
والناس منقسمون بحسب هذين الأصلين أيضاً إلى أربعة أقسام :
أحدها : أهل الإخلاص للمعبود والمتابعة؛
وهم أهل إياك نعبد حقيقة، فأعمالهم كلها لله، وأقوالهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعهم لله، وحبهم لله، وبغضهم لله، فمعاملتهم ظاهرا وباطنا لوجه الله وحده، لا يريدون بذلك من الناس جزاء ولا شكورا، ولا ابتغاء الجاه عندهم، ولا طلب المحمدة والمنزلة في قلوبهم، ولا هرباً من ذمهم، بل قد عدّوا الناس بمنزلة أصحاب القبور؛ لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، فالعمل لأجل الناس وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم ورجائهم للضر والنفع منهم لا يكون من عارف بهم ألبتة، بل من جاهل بشأنهم وجاهل بربه، فمن عرف الناس أنزلهم منازلهم، ومن عرف الله أخلص له أعماله وأقواله وعطاءه ومنعه وحبه وبغضه، ولا يعامل أحدٌ الخلق دون الله إلا لجهله بالله وجهله بالخلق، وإلا فإذا عرف الله وعرف الناس آثر معاملة الله على معاملتهم.
وكذلك أعمالهم كلها وعبادتهم موافقة لأمر الله، ولما يحبه ويرضاه، وهذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عامل سواه، وهو الذي بلى عباده بالموت والحياة لأجله قال الله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ وجعل ما على الأرض زينة لها ليختبرهم أيهم أحسن عملا.
قال الفضيل بن عياض: «العمل الحسن هو أخلصه وأصوبه». قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: «إن العمل:
إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل،
وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل،
حتى يكون خالصاً صواباً؛
والخالص: ما كان لله،
والصواب: ما كان على السنة».
وهذا هو المذكور في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، وفي قوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ فلا يقبل الله من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه على متابعة أمره، وما عدا ذلك فهو مردود على عامله يرد عليه أحوج ما هو إليه هباء منثوراً. وفي الصحيح من حديث عائشة عن النبي – صلى الله عليه وسلم - : «منْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا، فَهو ردٌّ» وكل عمل بلا اقتداء فإنه لا يزيد عامله من الله إلا بعداً؛ فإن الله تعالى إنما يُعبد بأمره لا بالآراء والأهواء.
الضرب الثاني : من لا إخلاص له ولا متابعة، فليس عمله موافقا لشرع، وليس هو خالصا للمعبود.
كأعمال المتزينين للناس، المرائين لهم بما لم يشرعه الله ورسوله، وهؤلاء شرار الخلق وأمقتهم إلى الله عز و جل، ولهم أوفر نصيب من قوله: ﴿لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يفرحون بما أُتوا من البدعة والضلالة والشرك، ويحبون أن يُحمدوا بإتباع السنة والإخلاص.
وهذا الضرب يكثر فيمن انحرف من المنتسبين إلى العلم والفقر والعبادة عن الصراط المستقيم، فإنهم يرتكبون البدع والضلالات والرياء والسمعة ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوه من الإتباع والإخلاص والعلم فهم أهل الغضب والضلال.
الضرب الثالث : من هو مخلص في أعماله لكنها على غير متابعة الأمر:
كجهال العبُّاد، والمنتسبين إلى طريق الزهد والفقر، وكل من عبد الله بغير أمره واعتقد عبادته هذه قربة إلى الله، فهذا حاله؛ كمن يظن أن سماع المكاء والتصدية [المُكَاء: الصفير، والتصدية: التصفيق]قربة، وأن الخلوة التي يترك فيها الجمعة والجماعة قربة، وأن مواصلة صوم النهار بالليل قربة، وأن صيام يوم فطر الناس كلهم قربة، وأمثال ذلك.
الضرب الرابع : من أعماله على متابعة الأمر لكنها لغير الله.
كطاعة المرائين، وكالرجل يقاتل رياء وحمية وشجاعة، ويحج ليقال، ويقرأ القرآن ليقال، فهؤلاء أعمالهم ظاهرها أعمال صالحة مأمور بها لكنها غير صالحة، فلا تقبل ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.
فكل أحد لم يؤمر إلا بعبادة الله بما أمر، والإخلاص له في العبادة، وهم أهل إياك نعبد وإياك نستعين.


من كتاب مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين ( 1 / )


 

رد مع اقتباس
قديم 12-07-2010, 05:01 AM   #10
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


أربع قواعد لتحقيق ما يحبه الله ورسوله


الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

بُنى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ على أربعِ قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه من قول اللسان والقلب، وعمل القلب الجوارح.
فالعبودية اسم جامع لهذه المراتب الأربع:
[ 1- قول اللسان ، 2- قول القلب، 3- عمل القلب، 4- عمل الجوارح ]
فأصحاب إياك نعبد حقا هم أصحابها.
فقول القلب : هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه، وعن أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وملائكته، ولقائه، على لسان رسله.
وقول اللسان : الإخبار عنه بذلك، والدعوة إليه، والذب عنه، وتبيين بطلان البدع المخالفة له، والقيام بذكره، وتبليغ أوامره.
وعمل القلب : كالمحبة له، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والخوف منه، والرجاء له، وإخلاص الدين له، والصبر على أوامره، وعن نواهيه، وعلى أقداره، والرضى به وعنه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، والذل له، والخضوع، والإخبات إليه، والطمأنينة به، وغير ذلك من أعمال القلوب التي فرضها أفرض من أعمال الجوارح، ومستحبها أحب إلى الله من مستحبها، وعمل الجوارح بدونها إما عديم المنفعة، أو قليل المنفعة.
وأعمال الجوارح : كالصلاة، والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمعة والجماعات، ومساعدة العاجز، والإحسان إلى الخلق، ونحو ذلك.
فـ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ : التزام لأحكام هذه الأربعة، وإقرار بها،
وَ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ طلب للإعانة عليها، والتوفيق لها.
و﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ متضمن للتعريف بالأمرين على التفصيل، وإلهام القيام بهما، وسلوك طريق السالكين إلى الله بها.

من كتاب "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين" ( 1 / 98 )


 

رد مع اقتباس
قديم 12-07-2010, 05:11 AM   #11
مشخص السلمي
الإدارة


الصورة الرمزية مشخص السلمي
مشخص السلمي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 418
 تاريخ التسجيل :  Aug 2002
 أخر زيارة : يوم أمس (05:05 PM)
 المشاركات : 18,018 [ + ]
 الإقامة : الرياض
 زيارات الملف الشخصي : 47452
 الدولهـ
Saudi Arabia
لوني المفضل : Darkkhaki


فهد الماجدي


الله يجزاك خير على هالمتصفح الثمين جداً
رحم الله الشيخ العلامه الإمام / ابن قيّم الجوزية

شكراً من القلب .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-07-2010, 01:53 AM   #12
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


بارك الله فيك على المرور الطيب والمبارك يالغالي لاعدمناك والله يالغالي مشخص


 

رد مع اقتباس
قديم 15-07-2010, 01:57 AM   #13
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


السر الأعظم

للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله

ما هو السر الأعظم، الذي لا تقتحمه العبارة، ولا تجسر عليه الإشارة، ولا ينادي عليه المنادي على رءوس الأشهاد، بل شهدته قلوب الخواص فازدادت به معرفة ومطالعة له.

وقد كان الأولى بنا طَيُّ الكلام فيه إلى ما هو اللائق بأفهامِ بني الزمان وعلومهم، ونهاية أقدامِهم من المعرفة، وضعف عقولهم عن احتماله،

غير أنّا نعلم أن الله عز وجل سيسوق هذه البضاعة إلى تجارها، ومن هو عارف بقدرها، وإن وقعت في الطريق بيد من ليس عارفا بها، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

فاعلم أن الله سبحانه وتعالى اختص نوع الإنسان من بين خلقه بأن كرّمه وفضّله وشرّفه، وخلقه لنفسه، وخلق كلَّ شيء له، وخصّه من معرفته ومحبته وقُربه وإكرامه بما لم يُعطه غيره، وسَخَّر له ما في سماواته وأرضه وما بينهما، حتى ملائكته - الذين هم أهل قربه - استخدمهم له، وجعلهم حفظة له في منامه ويقظته وظعنه وإقامته، وأنزل إليه وعليه كتبه، وأرسله وأرسل إليه، وخاطبه وكلمه منه إليه، واتخذ منهم الخليل والكليم، والأولياء والخواص والأحبار، وجعلهم معدن أسراره، ومحلَّ حكمته، وموضع حبه، وخلق لهم الجنة والنار، فالخلق والأمر والثواب والعقاب مداره على النوع الإنساني؛ فإنه خلاصة الخلق، وهو المقصود بالأمر والنهي، وعليه الثواب والعقاب.

فللإنسان شأن ليس لسائر المخلوقات، وقد خلق أباه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلَّمه أسماء كل شيء، وأظهرَ فضله على الملائكة فمن دونهم من جميع المخلوقات، وطرد إبليس عن قربه وأبعده عن بابه إذ لم يسجد له مع الساجدين، واتخذه عدوا له.

فالمؤمن من نوع الإنسان: خير البرية على الإطلاق، وخيرة الله من العالمين، فإنه خلقه ليتم نعمته عليه، وليتواتر إحسانه إليه، وليخصه من كرامته وفضله بما لم تنله أمنيته، ولم يخطر على باله، ولم يشعر به، ليسأله من المواهب والعطايا الباطنة والظاهرة العاجلة والآجلة التي لا تنال إلا بمحبته، ولا تنال محبته إلا بطاعته، وإيثاره على ما سواه، فاتخذه محبوبا له، وأعدَّ له أفضلَ ما يُعده محب غني قادر جواد لمحبوبه إذا قدم عليه، وعهد إليه عهداً تقدم إليه فيه بأوامره ونواهيه، وأعلمه في عهده ما يقربه إليه، ويزيده محبة له وكرامة عليه، وما يبعده منه، ويسخطه عليه، ويسقطه من عينه.

وللمحبوب عدو؛ هو أبغض خلقه إليه، قد جاهره بالعداوة، وأمر عباده أن يكون دينهم وطاعتهم وعبادتهم له، دون وليهم ومعبودهم الحق، واستقطع عباده، واتخذ منهم حزبا ظاهروه ووالوه على ربهم، وكانوا أعداء له مع هذا العدو، يدعون إلى سخطه، ويطعنون في ربوبيته وإلهيته ووحدانيته، ويسبونه، ويكذبونه، ويفتنون أولياءه، ويؤذونهم بأنواع الأذى، ويجهدون على إعدامهم من الوجود، وإقامة الدولة لهم، ومحو كل ما يحبه الله ويرضاه، وتبديله بكل ما يسخطه ويكرهه. فعرفه بهذا العدو وطرائقهم وأعمالهم ومالهم، وحذره موالاتهم والدخول في زمرتهم والكون معهم.

وأخبره في عهده: أنه أجود الأجودين، وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين. وأنه سبقت رحمته غضبه، وحلمه عقوبته، وعفوه مؤاخذته، وأنه قد أفاض على خلقه النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وأنه يحب الإحسان والجود والعطاء والبر، وأن الفضل كله بيده، والخير كله منه، والجود كله له، وأحب ما إليه: أن يجود على عباده، ويوسعهم فضلا، ويغمرهم إحساناً وجوداً، ويتم عليهم نعمته، ويضاعف لديهم منته، ويتعرف إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبب إليهم بنعمه وآلائه.

فهو الجواد لذاته، وجود كل جواد خلقه الله ويخلقه أبداً: أقل من ذرة بالقياس إلى جوده. فليس الجواد على الإطلاق إلا هو، وجود كل جواد فمن جوده، ومحبته للجود والإعطاء والإحسان والبر والإنعام والإفضال فوق ما يخطر ببال الخلق، أو يدور في أوهامهم، وفرحه بعطائه وجوده وإفضاله أشد من فرح الآخذ بما يعطاه ويأخذه، أحوج ما هو إليه أعظم ما كان قدراً. فإذا اجتمع شدة الحاجة وعظم قدر العطية والنفع بها، فما الظن بفرح المعطي؟ ففرح المعطي سبحانه بعطائه أشد وأعظم من فرح هذا بما يأخذه، ولله المثل الأعلى. إذ هذا شأن الجواد من الخلق؛ فإنه يحصل له من الفرح والسرور والابتهاج واللذة بعطائه وجوده فوق ما يحصل لمن يعطيه، ولكن الآخذ غائب بلذة أخذه عن لذة المعطي وابتهاجه وسروره، هذا مع كمال حاجته إلى ما يعطيه، وفقره إليه، وعدم وثوقه باستخلاف مثله، وخوف الحاجة إليه عند ذهابه، والتعرض لذل الاستعانة بنظيره ومن هو دونه، ونفسه قد طبعت على الحرص والشح.

فما الظن بمن تقدّس وتنزّه عن ذلك كله، ولو أن أهل سماواته وأرضه، وأول خلقه وآخرهم، وإنسهم وجنهم، ورطبهم ويابسهم، قاموا في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كل واحد ما سأله، ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة.

وهو الجواد لذاته، كما أنه الحي لذاته، العليم لذاته، السميع البصير لذاته، فجوده العالي من لوازم ذاته، والعفو أحب إليه من الانتقام، والرحمة أحب إليه من العقوبة، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.

فإذا تعرض عبده ومحبوبه الذي خلقه لنفسه، وأعد له أنواع كرامته، وفضّله على غيره، وجعله محل معرفته، وأنزل إليه كتابه، وأرسل إليه رسوله، واعتنى بأمره ولم يهمله ولم يتركه سدى، فتعرض لغضبه، وارتكب مساخطه، وما يكرهه، وأبِقَ منه، ووالى عدوه، وظاهره عليه، وتحيز إليه، وقطع طريق نعمه وإحسانه إليه، التي هي أحب شيء إليه، وفتح طريق العقوبة والغضب والانتقام؛ فقد استدعى من الجواد الكريم خلاف ما هو موصوف به من الجود والإحسان والبر، وتعرض لإغضابه وإسخاطه وانتقامه، وأن يصير غضبه وسخطه في موضع رضاه، وانتقامه وعقوبته في موضع كرمه وبره وعطائه، فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحب إليه منه، وخلاف ما هو من لوازم ذاته من الجود والإحسان.

فبينما هو حبيبه المقرب المخصوص بالكرامة، إذا انقلب آبقاً شارداً، راداً لكرامته، مائلا عنه إلى عدوه، مع شدة حاجته إليه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين.

فبينما ذلك الحبيب مع العدو في طاعته وخدمته، ناسيا لسيده، منهمكا في موافقة عدوه، قد استدعى من سيده خلاف ما هو أهله، إذ عرضت له فكرة، فتذكر بر سيده وعطفه وجوده وكرمه، وعلم أنه لا بد له منه، وأن مصيره إليه، وعرضه عليه، وأنه إن لم يقدم عليه بنفسه قدم به عليه على أسوأ الأحوال، ففر إلى سيده من بلد عدوه، وجدّ في الهرب إليه حتى وصل إلى بابه، فوضع خده على عتبة بابه، وتوسد ثرى أعتابه، متذللاً متضرعاً، خاشعاً باكياً، آسفا، يتملق سيده ويسترحمه، ويستعطفه ويعتذر إليه، قد ألقى بيده إليه، واستسلم له، وأعطاه قياده، وألقى إليه زمامه، فعلم سيده ما في قلبه، فعاد مكان الغضب عليه رضا عنه، ومكان الشدة عليه رحمة به، وأبدله بالعقوبة عفواً وبالمنع عطاءً، وبالمؤاخذة حلماً، فاستدعى بالتوبة والرجوع من سيده ما هو أهله، وما هو موجب أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فكيف يكون فرح سيده به؟ وقد عاد إليه حبيبه ووليه طوعاً واختياراً، وراجع ما يحبه سيده منه برضاه، وفتح طريق البر والإحسان والجود التي هي أحبُّ إلى سيده من طريق الغضب والانتقام والعقوبة.

وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَلّهُ أشدُّ فْرَحا بتوبةِ عبده - حين يَتُوبُ إليه - من أحدِكم كان على راحلته بأرضٍ فلاةٍ فَانْفَلَتتْ منه، وعليها طعامُه وشرابهُ فَأَيسَ منها، فأتَى شَجرة فاضطَجَع في ظِلِّها قد أيسَ من راحلته فبينا هو كذلك، إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخِطامِها، ثم قال من شِدَّة الفرح: "اللهم أنت عَبْدي وأنا ربكَ"، أخطأ من شدة الفرح» هذا لفظ مسلم

وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين: أنه حصل له شرود وإباق من سيده، فرأى في بعض السكك باباً قد فُتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده، حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكراً فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أُخرج منه، ولا من يؤيه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزيناً، فوجد الباب مرتجاً، فتوسده؛ ووضع خده على عتبة الباب ونام، فخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي، أين تذهب عني؟ ومن يؤيك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادتي الخير لك، ثم أخذته ودخلت.

فتأمل قول الأم: "لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبلت عليه من الرحمة والشفقة".

وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: « لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها » وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء ؟

فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه، فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى به.

فهذه نبذة يسيرة تطلعك على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح هذا الواجد لراحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها.

ووراء هذا ما تجفو عنه العبارة، وتدق عن إدراكه الأذهان.



من كتاب مدارج السالكين - منزلة التوبة ( 1 / 186 )


 

رد مع اقتباس
قديم 15-07-2010, 08:45 PM   #14
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


كيف تعرف الشبهة وتدفعها

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله


الشبهة: واردٌ يَرِدُ على القلب يحولُ بينهُ وبينَ انكشافِ الحقِّ له، فمتى باشرَ القلبُ حقيقَةَ العلمِِ لم تؤثر تلك الشبهة فيه، بل يقوى علمُه ويقينُه بردِّها ومعرفَةِ بطلانها، ومتى لم يُباشِرْ حقيقَةَ العلمِ بالحقِّ قلبُهُ قَدَحَت فيه الشكَّ بأوَّلِ وهلةٍ، فإن تَدارَكَها وإلاّ تتابعت على قلبه أمثالُها، حتى يَصيرَ شاكّاً مرتاباً.
والقلبُ يتواردُهُ جيشانِ من الباطلِ : جيشُ شهواتِ الغيِّ وجَيشُ شُبُهاتِ الباطلِ؛ فأيّما قلبٍ صغا إليها ورَكَنَ إليها تشرَّبَها وامتلأ بها فينضَحُ لسانُهُ وجوارحُهُ بموجبها، فإن أُشرِبَ شبهات الباطلِ تفجّرت على لسانِه الشكوكُ والشبهاتُ والإيراداتُ، فيظنُّ الجاهلُ أنَّ ذلكَ لِسَعَةِ علمهِ وإنّما ذلكَ من عَدَمِ علمهِ ويقينه.
وقال لي شيخُ الإسلام رضي الله عنه -وقد جعلتُ أوِردُ عليه إيراداً بعدَ إيراد - : "لا تجعَل قلبَك للإيراداتِ والشبهاتِ مثل السِّفِنْجَة، فيتشرَّبها فلا ينضحَ إلا بها، ولكن اجعله كالزُّجاجة الْمُصْمتَة تَمُرُّ الشبهاتُ بظاهرها، ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه، ويدفعُها بصلابته، وإلا فإذا أشرَبْتَ قلبَك كلَّ شبهةٍ تمرُّ عليها صارَ مَقرَّاً للشبهات "
أو كما قال .
فما أعلمُ أني انتفعت بوصيةٍ في دفعِ الشبهاتِ كانتفاعي بذلك.
وإنما سُمِّيت الشبهة شُبهةً لاشتباه الحقِّ بالباطلِ فيها؛ فإنها تلبِسُ ثوبَ الحقِّ على جسمِ الباطلِ وأكثَرُ الناس أصحابُ حُسنٍ ظاهرٍ، فينظرُ الناظر فيما أُلبِسَتْهُ من اللباسِ فيعتقدُ صحَّتَها.
وأمَّا صاحبُ العلمِ واليقينِ ؛ فإنه لا يغترُّ بذلك، بل يُجاوِزُ نَظرَهُ إلى باطِنها وما تَحتَ لباسها، فينكشفُ له حقيقتُها، ومثالُ هذا: الدرهم الزَّائف؛ فإنَّه يغترُّ به الجاهلُ بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباسِ الفضَّةِ والنّاقدُ البصيرُ يُجاوزُ نَظَرَهُ إلى ما وراءَ ذلكَ فيطَّلعُ على زيفهِ.
فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضَّةِ على الدِّرهم الزَّائفِ، والمعنى كالنُّحاسِ الذي تحته.
وكم قد قَتلَ هذا الاغترارُ من خلقٍ لا يحصيهم إلا الله !
وإذا تأمَّلَ العاقلُ الفَطِنُ هذا القدرَ وتدبَّرَهُ رأى أكثَرَ الناسِ يقبلُ المذهَبَ والمقالَةَ بلفظٍ، ويردُّها بعينها بلفظٍ آخر.
وقد رأيتُ أنا من هذا في كُتُبِ الناس ما شاء الله !
وكم رُدَّ من الحقِّ بتشنيعهِ بلباسٍ من اللفظِ قبيح !
وفي مثل هذا قال أئمَّةُ السُّنة - منهم الإمام احمد وغيره - : لا نُزِيلُ عن الله صفةً من صفاتهِ لأجلِ شناعَةٍ شُنِّعت، فهؤلاءِ الجهميَّةُ يُسمُّونَ إثباتَ صفاتِ الكمال لله - من حياته وعلمه وكلامه وسمعه وبصره، وسائرِ ما وصف به نفسه - تشبيهاً وتجسيماً، ومن أثبت ذلك مشبِّهاً !
فلا يَنفِرُ من هذا المعنى الحقِّ لأجلِ هذه التسمية الباطلةِ إلا العقولُ الصغيرةُ القاصرَةُ خفافيش البصائر.
وكلُّ أهلِ نِحلَةٍ ومقالةٍ يكسونَ نِحلَتَهم ومقالتَهم أحسَنَ ما يَقدِرونَ عليه من الألفاظ، ومقالَةَ مُخالفيهم أقبحَ ما يقدرونَ عليه من الألفاظ.
ومن رزقه الله بصيرةً فهو يكشفُ بها حقيقَةَ ما تحتَ تلكَ الألفاظِ من الحقِّ والباطلِ، ولا تغترُّ باللفظ، كما قيل في هذا المعنى:
تقولُ هذا جَنى النَّحلِ تمـدحُهُ ... وإنْ تشأ قلتَ ذا قَيءُ الزَّنابيرِ
مدحاً وذمّاً وما جاوَزْتَ وصْفَهُما ... والحقُّ قد يَعتريه سوءُ تعبيرِ
فإذا أردتَ الإطِّلاعَ على كُنهِ المعنى : هل هو حقٌّ أو باطلٌ ؟ فجرِّدهُ من لباسِ العبارة، وجرِّد قلبك من النَّفرَةِ والميل، ثمَّ أعطِ النَّظَرَ حقَّهُ، ناظراً بعينِ الإنصافِ، ولا تكُن ممن ينظرُ في مقالَةِ أصحابهِ ومن يُحسّنُ ظنَّهُ به نظراً تامّاً بكلِّ قلبهِ، ثم ينظرُ في مقالَةِ خصومهِ وممن يسيءُ ظنَّه به كنَظَرِ الشَّزَرِ والملاحظةِ، فالنَّاظرُ بعينِ العداوَةِ يرى المحاسنَ مساوئَ، والنَّاظرُ بعينِ المحبَّةِ عكسُهُ.
وما سَلِمَ من هذا إلا من أرادَ الله كرامَتَهُ وارتضاهُ لقبول الحقِّ وقد قيل :
وعينُ الرِّضا عن كُلِّ عيبٍ كليلَةٌ ... كما أنَّ عينَ السُّخطِ تبُدي المساويا
وقال آخَرُ:
نَظروا بعـينِ عـداوةٍ لو أنَّها ... عينُ الرِّضا لاستَحسنوا ما استقبحوا
فإذا كانَ هذا في نظرِ العينِ الذي يُدرِكُ الح سوسات، ولا يتمكَّن من المكابرةِ فيها، فما الظنُّ بنظرِ القلبِ الذي يُدرِكُ المعانيَ التي هي عُرضَةُ المكابرة ؟!
والله المستعان على معرفةِ الحقِّ وقبوله، ورد الباطلِ وعدمِ الاغترارِ بهِ.


من كتاب: مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة ( 1 / 442-445 )


 

رد مع اقتباس
قديم 18-07-2010, 10:40 PM   #15
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


كيف ينبُتُ النفاق في القلب ؟

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله تعالى

قال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: « الغناء يُنْبِت النفاق في القلب؛ كما يُنْبِت الماءُ الزرعَ ».
وهو صحيح عن ابن مسعود من قوله. وقد روى عن ابن مسعود مرفوعا؛ رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "ذم الملاهي".
فإن قيل : فما وجه إنباتِه للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي ؟!
قيل : هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها، ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها، وأنهم هم أطباءُ القلوب، دون المنْحَرفين عن طريقتهم، الذين داوَوْا أمراض القلوب بأعظم أدوائها، فكانوا كالمداوي من السّقم بالسُّم القاتل ...
فاعلم أن للغناء خواصَّ لها تأثير في صَبغ القلب بالنفاق، ونباتِه فيه كنبات الزرع بالماء.
فمن خواصِّه : أنه يُلهي القلبَ ويَصُدُّه عن فَهم القرآن وتَدَبُّرِه، والعمل بما فيه؛ فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً؛ لما بينهما من التضادّ؛ فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعِفَّة، ومُجانبةِ شهوات النفوس، وأسبابِ الغَيِّ، وينهَى عن اتباع خُطُوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كلِّه، ويُحَسِّنه، ويُهيِّج النفوس إلى شهوات الغيِّ، فيُثير كامِنَها، ويُزْعج قاطنها، ويُحركها إلى كلِّ قبيح، ويسُوقُها إلى وصْل كل مليحة ومَليح، فهو والخمرُ رَضيعا لِبانٍ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رِهان، فإنه صِنْوُ الخمر ورَضيِعُه، ونائبه وحليفه، وخَدينُه وصديقه، عَقَدَ الشيطانُ بينهما عَقْدَ الإخاءِ الذي لا يُفْسخ، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تُنسخ، وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسُوس العقل، يتغلغل في مَكامِن القلوب، ويطّلع على سرائر الأفئدة، ويّدِبُّ إلى محل التخيل، فيُثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرّقاعة، والرّعونة والحماقة!
فبينا ترى الرجلَ وعليه سِمَة الوَقارِ وبَهاء العقل، وبَهجة الإيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن، فإذا استمع الغناء ومال إليه؛ نقص عقلُه، وقلّ حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بَهاؤه، وتخلّى عنه وَقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله - تعالى – إيمانُه، وثَقُل عليه قرآنه، وقال : يا رب! لا تجمع بيني وبين قرآنِ عدوِّك في صدرٍ واحد، فاستحْسنَ ما كان قبل السَّماعِ يَستقبِحه، وأبدَى من سِرِّه ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب، والزهزهةِ والفرقعة بالأصَابع، فيميل برأسه، ويَهُزُّ منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أُمِّ رأسه بيديه، ويَثِبُ وَثَباتِ الذِّباب، ويدور دوران الحمار حول الدّولاب، ويُصَفِّق بيديه تصفيق النسوان، ويخُور من الوَجْد ولا كخُوار الثيران، وتارةً يتأوّه تأوّه الحزين، وتارةً يَزْعَقُ زَعَقات المجانين، ولقد صدق الخبيرُ به من أهله حيث يقولُ :
أتذْكُرُ ليلَةً وقدِ اجتمعـنا ... على طيب السَّماعِ إلى الصَّباحِ
ودارتْ بيننا كأسُ الأغـاني ... فأسْكَرَتِ النُّفوسَ بغـيرِ رَاحِ
فلم تَـرَ فيهِمُ إلاَّ نَشَـاوى ... سُرُوراً والسُّرورُ هُناكَ صَاحيِ
إذا نادَى أخُو اللَّذاتِ فـيهِ ... أجابَ اللَّهو: حَيَّ على السَّماحِ
ولم نَمْلِك سِوىَ الْمُهجَاتِ شيئاً ... أرَقنَـاهَا لأَلْحـاظٍ مِلاحِ
وقال بعض العارفين : السماع يورث النفاق في قومٍ، والعنادَ في قومٍ، والكذب في قومٍ، والفجورَ في قومٍ، والرعونة في قوم.
وأكثرُ ما يُورث : عشقُ الصور، واستحسانُ الفواحش، وإدمانُه يثقِّل القرآن على القلب، ويُكَرِّهه إلى سماعه بالخاصية، وإن لم يكن هذا نفاقاً؛ فما للنفاق حقيقة!
وسِرُّ المسألة : أنه قرآن الشيطان، فلا يجتمع هو وقرآن الرحمن في قلب أبداً.
وأيضا؛ فإن أساس النفاق : أن يخالف الظاهرُ الباطنَ، وصاحبُ الغناء بين أمرين: إما أن يتهتّكَ فيكون فاجراً، أو يُظهرَ النُّسك فيكون منافقاً، فإنه يُظهر الرغبة في الله والدار الآخرة؛ وقلبه يغْلي بالشهوات، ومحبةِ ما يكرهه الله ورسوله - من أصوات المعازف، وآلات اللَّهو، وما يدعو إليه الغناء ويُهَيِّجُه -، فقلبه بذلك معمور، وهو من محبة ما يحبُّه الله ورسوله وكراهةِ ما يكرهه قَفر، وهذا محض النفاق.
وأيضاً؛ فإن الإيمان قول وعمل : قولٌ بالحق، وعمل بالطاعة، وهذا ينْبُتُ على الذكر، وتلاوة القرآن، والنفاقُ: قولُ الباطل، وعملُ البغيِّ، وهذا ينبُتُ على الغناء.
وأيضاً؛ فمن علامات النفاق : قِلّةُ ذِكر الله، والكسلُ عند القيام إلى الصلاة، ونقرُ الصلاة، وقلَّّ أن تجدَ مفتوناً بالغناء إلا وهذا وصفُه.
وأيضاً؛ فإن النفاق مُؤَسَّسٌ على الكذب، والغناء من أكذب الشِّعر؛ فإنه يحسِّن القبيح ويزيِّنُهُ، ويأمرُ به، ويُقبِّح الحسن ويُزَهِّد فيه، وذلك عين النفاق.
وأيضاً؛ فإن النفاق غِشٌّ ومكر وخِداع، والغناء مؤسَّسٌ على ذلك.
وأيضاً؛ فإن المنافق يُفسِد من حيث يظنُّ أنه يُصلح، كما أخبر الله سبحانه بذلك عن المنافقين، وصاحبُ السماع يُفسدُ قلبَه وحالَه من حيث يظن أنه يُصلحه، والمغنِّى يدعُو القلوب إلى فتنة الشهوات، والمنافق يدعوها إلى فتنة الشبهات.
قال الضحاك : الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرَّب.
وكتب عُمر بن عبدالعزيز إلى مؤدِّب ولده : ليكن أوّلَ ما يعتقدون من أدبك بغضُ الملاهي، التي بدؤُها من الشيطان، وعاقبتُها سَخَطُ الرحمن؛ فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم: أن صوت المعازف، واستماع الأغاني، واللَّهجَ بها: ينبت النفاق في القلب كما ينبُتُ العشب على الماء.
فالغناء يفسِدُ القلب، وإذا فسد القلب؛ هاج فيه النفاق.
وبالجملة؛ فإذا تأمَّل البصير حالَ أهل الغناء، وحالَ أهل الذكر والقرآن؛ تبيَّن له حذق الصحابة، ومعرفتهم بأدواء القلوب وأدويتها، وبالله التوفيق.

من كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ( 1 / 444 )


 

رد مع اقتباس
قديم 28-07-2010, 10:14 AM   #16
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


السواد الأعظم: عالِمٌ على الحق

الإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق، وإن كان وحده، وإن خالفه أهل الأرض، قال عمرو بن ميمون الأودِيُّ: صحبت معاذاً باليمن، فما فارقتُه حتى واريتُه في التُّراب بالشَّام، ثم صبحتُ من بعده أفقه الناس: عبد الله ابن مسعود، فسمعته يقول: «عليكم بالجماعة، فإن يد الله مع الجماعة»، ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: «سيولى عليكم ولاة يؤخِّرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلّوا معهم فإنها لكم نافلة»، قال: قلت: يا أصحاب محمد! ما أدري ما تحدّثون، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول لي: صلِّ الصلاة وحدك وهي الفريضة، وصلِّ مع الجماعة وهي نافلة، قال: «يا عمرو بن ميمون قد كنتُ أظنُّكَ من أفقه أهل هذه القرية، أتدري ما الجماعة؟» قلت: لا قال: «إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحقَّ وإنْ كنتَ وحدَك»، وفي لفظ آخر: فضربَ على فخذي وقال: «ويحك! أنَّ جمهورَ الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى».وقال نُعيم بن حمَّاد: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وان كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ، ذكرهما البيهقى وغيره. وقال بعض أئمة الحديث وقد ذُكر له السواد الأعظم، فقال: أتدرى ما السواد الأعظم؟ هو محمد بن أسلم الطوسي(1) واصحابه. فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد الأعظم والحجة والجماعة هم الجمهور، وجعلوهم عياراً على السنة، وجعلوا السنة بدعة، والمعروف منكراً لقلة أهله وتفردهم في الإعصار والأمصار، وقالوا: منْ شذَّ شذَّ الله به في النار، وما عرف المختلفون أن الشاذَّ ما خالف الحق وإن كان الناس كلهم عليه إلا واحداً منهم فهم الشاذون، وقد شَذَّ الناس كلهم زمن احمد بن حنبل إلا نفراً يسيراً؛ فكانوا هم الجماعة، وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون، وكان الإمام أحمد وحده هو الجماعة، ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا للخليفة: يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقُضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل واحمد وحده هو على الحق؟ فلم يتسع علمه لذلك؛ فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل؛ فلا إله إلا الله، ما أشبه الليلة بالبارحة، وهي السبيل المهيَع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم، مضى عليها سلفهم، وينتظرها خلفهم: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم._________________(1) قال ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/70 : وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه حتى قال : ما بلغني سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملت بها ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث إذا اختلف الناس فعليكم بالسواد الأعظم فقال: محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم، وصدق والله فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة، داع إليها، فهو الحجة، وهو الإجماع، وهو السوار الأعظم، وهو سبيل المؤمنين، التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا.وقال: ولا يوحشنَّك من قد اقرَّ على نفسه هو و جميع أهل العلم أنه ليس من أولي العلم، فإذا ظفرتَ برجلٍ واحد من أولي العلم طالبٍ للدليل مُحَكم له متبع للحق حيث كان وأين كان ومع من كان زالت الوحشة وحصلت الألفة، ولو خالفك فإنه يخالفك ويعذرك، والجاهل الظالم يخالفك بلا حجّة ويكفّرك أو يُبدِّعُك بلا حجة، وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة، وسيرته الذميمة، فلا تغتر بكثرة هذا الضرب، فإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من أهل العلم، والواحد من أهل العلم يعدل بملء الأرض منهم. [ أعلام الموقعين ( 5 / 388 )]

\من كتاب إعلام الموقعين 3/397


 

رد مع اقتباس
قديم 28-07-2010, 10:21 AM   #17
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


كلُّ من آثر الدنيا فلا بد أن يقول على الله غير الحق

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

كلُّ من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبَّها؛ فلا بدَّ أن يقول على الله غيرَ الحقِّ؛ في فتواه وحكمِه، في خبرِه وإلزامِه؛ لانَّ أحكام الربِّ سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيَّما أهل الرياسة والذين يتَّبعون الشَّهوات؛ فإنَّهم لا تَتِمُّ لهم أغراضُهم إلاَّ بمخالفة الحقِّ ودفعه كثيراً؛ فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة، متَّبعين للشهوات لم يتمَّ له ذلك إلا بدفع ما يضادُّه من الحقِّ، ولا سيَّما إذا قامت له شبهةٌ، فتتَّفقُ الشبهةُ والشهوةُ، ويثَورُ الهوى، فيَخفَى الصوابُ، ويَنطمِسُ وجهُ الحقِّ! وإن كان الحقُّ ظاهراً لا خفاءَ به ولا شبةَ فيه أقدمَ على مخالفته، وقال: لي مخرج بالتوبة.

وفى هؤلاء وأشباههم قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [مريم:59].

وقال تعالى فيهم أيضا: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأعراف:169].

فاخبر سبحانه أنهم اخذوا العرضَ الأدنى مع علمهم بتحريمه عليهم، وقالوا: سيُغفَر لنا! وان عَرضَ لهم عرضٌ آخر أخذوه؛ فهم مُصرُّون على ذلك، وذلك هو الحامل لهم على أن يقولوا على الله غير الحق، فيقولون: هذا حكمه وشرعه ودينُهُ! وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلافُ ذلك، أوْلا يعلمون أن ذلك دينُهُ وشرعُهُ وحكمُهُ! فتارةً يقولون على الله مالا يعلمون، وتارةً يقولون عليه ما يعلمون بطلانه!

وأمَّا الذين يتَّقون فيعلمون أنَّ الدار الآخرة خيرٌ من الدُّنيا، فلا يَحمِلُهم حبُّ الرياسة والشهوة على أن يُؤثِروا الدُّنيا على الآخرة. وطريقُ ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسُّنَّة، ويستعينوا بالصبر والصلاة، ويتفكَّروا في الدُّنيا وزوالها وخسَّتها، والآخرةِ وإقبالها ودوامِها.

وهؤلاء لابدَّ أنَ يبتدِعوا في الدين مع الفجور في العمل، فيجتمع لهم الأمران؛ فإنَّ اتِّباع الهوى يُعمِى عينَ القلب؛ فلا يُميِّزُ بين السنة والبدعة، أو يُنْكِسُهُ؛ فيرى البدعة سنةً والسنة بدعةً.

فهذه آفة العلماء إذا آثروا الدُّنيا واتَّبعوا الرياسات والشهوات.

وهذه الآيات فيهم إلى قوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ۝ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾

فهذا مَثَلُ عالمِ السوء الذي يعمل بخلاف علمه.

وتأمَّل ما تضمَّنته هذه الآية من ذمِّة، وذلك من وجوه:

أحدُها : انه ضَلَّ بعد العلم، واختار الكفرَ على الإيمان عمداً لا جهلاً.

وثانيها : أنه فارق الإيمان مفارقهَ من لا يعود إليه أبداً؛ فإنه انسلخ من الآيات بالجملة كما تنسلخُ الحيَّةُ من قِشْرِها، ولو بقى معه منها شيءٌ لمَ ينسلِخْ منها.

وثالثها : أنَّ الشيطان أدرَكهُ ولحقهُ بحيثُ ظَفِرَ به وافترسَهُ، ولهذا قال فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ولم يقل: تبعهُ؛ فإنَّ في معنى فَأَتْبَعَهُ أدركه ولَحِقَه، وهو أبلغ من (تبِعَهُ) لفظاً ومعنى.

ورابعُها : أنَّه غَوَى بعد الرُّشد، والغيُّ: الضَّلالُ في العلم والقصد، وهو أخصُّ بفساد القصد والعمل؛ كما أنَّ الضَّلال أخصُّ بفساد العلم والاعتقاد؛ فإذا أُفرِدَ أحدُهما دخلَ فيه الآخرُ، وإن اقترنا فالفرقُ ما ذُكِر.

وخامسُها : أنَّه سبحانه لم يشأ أن يرفعهُ بالعلم، فكان سبب هلاكه؛ لأنه لم يُرفَعْ به، فصار وبالاً عليه، فلو لم يكن عالماً كان خيراً له وأخفَّ لعذابه.

وسادسُها: أنَّه سبحانه اخبر عن خِسَّةِ همَّته وأنَّه اختار الأسفل الأدنى على الأشرف الأعلى.

وسابعُها : أنَّ اختيارَه للأدنى لم يكن عن خاطرٍ وحديث نفس، ولكنَّهُ كان عن إخلادٍ إلى الأرض، وميل بكلِّيتِهِ إلى ما هناك، وأصلُ الإخلاد اللزومُ على الدَّوام، كأنَّه قيل: لزِم الميلَ إلى الأرض، ومن هذا يُقالُ: أخلد فلانٌ بالمكان: إذا لزم الإقامةَ به، قال مالك بن نُوَيرة.

بأبناء حي من قَبائلِ مالِكٍ ... وعمرو بن يربوعٍ أقاموا فأخلَدوا

وعبَّرَ عن ميله إلى الدنيا بإخلادِهِ إلى الأرض؛ لأنَّ الدُّنيا هي الأرضُ وما فيها وما يُستَخرَجُ منها من الزينةِ والمتاع.

وثامنُها : أنه رَغِبَ عن هداهُ، واتَّبع هواهُ، فجعل هواهُ إماماً له يقتدي به ويتَّبِعُهُ.

وتاسعُها : أنَّه شبَّهَهُ بالكلب الذي هو أخسُّ الحيوانات هِمَّهً، وأسقطُها نفساً، وأبخلُها وأشدُّها كَلَباً، ولهذا سمي كلباً.

وعاشرُها : أنَّه شبَّه لَهَثَهُ على الدُّنيا، وعدمَ صبرِه عنها، وجَزَعَهُ لفقدها، وحرصه على تحصيلها؛ بلَهَثِ الكلب في حالتي تركه والحمل عليه بالطَّرْدِ، وهكذا هذا: إن تُرِكَ فهو لَهْثَانُ على الدُّنيا، وإن وُعِظ وزُجِر فهو كذلك؛ فاللَّهَثُ لا يُفارِقُهُ في كلِّ حال كَلَهَثِ الكلب.

قال ابنُ قتيبة : كلُّ شيءٍ يَلهَثُ فإنَّما يَلْهَثُ من إعياءٍ أو عطش، إلاَّ الكلب؛ فإنه يلهثُ في حال الكلال وحال الراحة، وحال الرِّيِّ وحال العطش، فضربهُ الله مثلاً لهذا الكافر، فقال: إن وعظتَهُ فهو ضالٌَ، وإن تركتهُ فهو ضالٌّ؛ كالكلب؛ إن طردْتَهُ لَهَثَ، وإن تركتَهُ على حالِهِ لهَثَ.

وهذا التمثيلُ لم يَقَعْ بكلِّ كلبٍ، وإنما وقع بالكلبِ اللاهثِ، وذلك أخسُّ ما يكون وأشنعُهُ.

فهذا حالُ العالم المؤثِر الدُّنيا علي الآخرة.

وأما العابد الجاهل فآفتُهُ من إعراضه عن العلم وأحكامه وغلبة خياله وذوقه ووَجْدِه وما تهواه نفسه.

ولهذا قال سفيان ابن عُيينة وغيره: احذروا فتنةَ العالم الفاجر وفتنةَ العابد الجاهل؛ فإنَّ فتنتهما فتنةٌ لكلِّ مفتونٍ.

فهذا بجهله يَصُدُّ عن العلم وموجبه، وذاك بغيِّة يدعو إلى الفُجور.

وقد ضرب الله سبحانه مثل النوع الآخر بقوله: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ۝ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [الحشر:16-17].

وقصتُهُ معروفةٌ، فإنه بنى أساسَ أمرِه على عبادة الله بجهلٍ، فأوقعه الشيطانُ بجهله، وكفَّره بجهله.

فهذا إمامُ كلِّ عابدٍ جاهل؛ يَكفُرُ ولا يَدْرِي، وذاك إمام كلِّ عالم فاجرٍ يختارُ الدُّنيا على الآخرة.

وقد جعل سبحانه رِضَى العبد بالدُّنيا وطمأنينتهُ وغفلتهُ عن معرفةِ آياتِهِ وتدبُّرِها والعملِ بها سبَب شقائِهِ وهلاكه.

ولا يجتمع هذان – أعني: الرضى بالدُّنيا والغفلة عن آيات الربِّ - إلا في قلب من لا يؤمنُ بالمعاد ولا يرجو لقاء ربِّ العباد، وإلا فلو رَسَخَ قدمُهُ في الإيمان بالمعاد؛ لما رضى الدُّنيا ولا اطمأنَّ إليها ولا أعرضَ عن آيات الله.

وأنت إذا تأمَّلْتَ أحوالَ الناس وجدتَ هذا الضرب هو الغالبُ على الناس وهم عُمَّارُ الدُّنيا، وأقلُّ الناس عدداً من هو على خلاف ذلك، وهو من أشدِّ الناس غُربةً بينهم؛ لهم شأنٌ وله شأنٌ، علمُه غيرُ علومهم، وإرادتُهُ غير إرادتهم، وطريقه غير طريقهم؛ فهو في وادٍ وهم في وادٍ.

قال تعالي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ۝ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يونس:7-8]، ثم ذكر وصف ضدَّ هؤلاء ومآلهم وعاقبتهم بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [يونس:9] فهؤلاء إيمانهم بلقاء الله أورثَهم عدَم الرِّضى بالدُّنيا والطُّمأنينة اليها ودوامَ ذكرِ آياته.

فهذه مواريثُ الإيمان بالمعاد، وتلك مواريثُ عدمِ الإيمان به والغفلة عنه.



من كتاب الفوائد ص 145


 

رد مع اقتباس
قديم 28-07-2010, 10:25 AM   #18
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


مدار الكمال الإنساني

للإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله

الكمال الإنساني مداره على أصلين : معرفة الحق من الباطل، وإيثاره عليه.

وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين، وهما اللذان أثنى الله بهما سبحانه على أنبيائه بهما في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [سورة ص: 45].

فالأيدي : القوة في تنفيذ الحق

والأبصار : البصائر في الدين

فوصفهم بكمال إدراك الحق وكمال تنفيذه، وانقسم الناس في هذا المقام أربعة أقسام:

فهؤلاء أشرف الأقسام من الخلق وأكرمهم على الله تعالى.

القسم الثاني : عكس هؤلاء، من لا بصيرة له في الدين، ولا قوة على تنفيذ الحق، وهم أكثر هذا الخلق، وهم الذين رؤيتهم قذى العيون، وحمى الأرواح، وسقم القلوب، يضيقون الديار، ويغلون الأسعار، ولا يستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار.

القسم الثالث : من له بصيرة بالحق ومعرفة به، لكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه ولا الدعوة إليه، وهذا حال المؤمن الضعيف، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله منه.

القسم الرابع : من له قوة وهمة وعزيمة، لكنه ضعيف البصيرة في الدين، لا يكاد يميز بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، بل يحسب كل سوداء تمرة، وكل بيضاء شحمة ، يحسب الورم شحما والدواء النافع سما.

وليس في هؤلاء من يصلح للإمامة في الدين، ولا هو موضع لها سوى القسم الأول، قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [سورة السجدة:24] .

فأخبر سبحانه أن بالصبر واليقين نالوا الإمامة في الدين، وهؤلاء هم الذين استثناهم الله سبحانه من جملة الخاسرين، وأقسم بالعصر - الذي هو زمن سعي الخاسرين والرابحين - على أن من عداهم فهو من الخاسرين، فقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [ العصر : 1 - 3 ] .

ولم يكتف منهم بمعرفة الحق والصبر عليه، حتى يوصي بعضهم بعضا به ويرشده إليه ويحضه عليه.

وإذا كان من عدا هؤلاء فهو خاسر، فمعلوم أن المعاصي والذنوب تعمي بصيرة القلب فلا يدرك الحق كما ينبغي، وتضعف قوته وعزيمته فلا يصبر عليه، بل قد يتوارد على القلب حتى ينعكس إدراكه كما ينعكس سيره، فيدرك الباطل حقا والحق باطلا، والمعروف منكرا والمنكر معروفا، فينتكس في سيره ويرجع عن سفره إلى الله والدار الآخرة، إلى سفره إلى مستقر النفوس المبطلة التي رضيت بالحياة الدنيا، واطمأنت بها، وغفلت عن الله وآياته، وتركت الاستعداد للقائه، ولو لم يكن في عقوبة الذنوب إلا هذه وحدها لكانت داعية إلى تركها والبعد منها، والله المستعان.



من كتاب الداء والدواء ص: 93


 

رد مع اقتباس
قديم 14-08-2010, 04:33 PM   #19
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله

الإنسانُ - كما وصفه خالقُه - ظَلومٌ جَهولٌ؛ فلا ينبغي أن يجعلَ المعيارَ على ما يضره وما ينفعه ميلَه وحبَّه ونفرتَه وبُغضَه، بل المعيارُ علي ذلك ما اختاره الله له بأمره ونهيه؛ فانفعُ الأشياءِ له علي الإطلاق طاعةُ ربه بظاهره وباطنه، وأضرُّ الأشياء عليه على الإطلاق معصيتُه بظاهره وباطنه؛ فإذا قام بطاعته وعبوديَّته مخلصاً له فكلُّ ما يَجري عليه مما يكرهه يكون خيراً له، وذا تخلَّي عن طاعته وعبوديته فكلُّ ما هو فيه من محبوبٍ هو شرٌّ له.

فمن صحَّتْ له معرفةُ ربه والفقهُ في أسمائه وصفاته؛ عَلِم يقيناً أن المكروهات التي تُصِيبه والمِحَن لتي تَنزل به فيها ضروبٌ من المصالح والمنافع التي لا يُحصِيها علمُه ولا فِكرتُه، بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يُحِب؛ فعامةُ مصالح النفوس في مكروهاتها؛ كما أن عامةَ مَضارِّها وأسباب هَلَكَتِها في محبوباتها.

فانظُرْ إلى غارسِ جنةٍ من الجنات خبيرٍ بالفلاحة؛ غَرَسَ جنةً، وتعاهدَها بالسقي والإصلاح حتى أثمرتْ أشجارها، فاقبل عليها يَفصِلُ أوصالَها ويقطع أغصانَها لعلمه أنها لو خُلِّيتْ على حالها؛ لم تَطِبْ ثمرتُها فيُطعِّمُها من شجرة طيبة الثمرة. حتى إذا التحمتْ بها واتحدتْ وأعطتْ ثمرتَها؛ أقبل بُقلِّمُها ويقطع أغصانَها الضعيفة التي تُذهِب قوتَها، ويُذِيقُها ألمَ القطع والحديد لمصلحتها وكمالها، لتَصلُحَ ثمرتُها أن تكون بحضرة الملوك. ثم لا يَدَعُها ودواعي طبعِها من الشرب كلَّ وقتٍ، بل يُعطِّشُها وقتاً ويَسقِيها وقتاً، ولا يترك الماء عليها دائماً، وإن كان ذلك أنضرَ لورقها وأسرعَ لنباتها. ثم يَعمِدُ إلى تلك الزينة التي زُيِّنت بها من الأوراق، فيُلقى عنها كثيراً منها؛ لأنَّ تلك الزينة تَحُول بين ثمرتها وبين كمال نُضْجِها واستوائها؛ كما في شجر العنب ونحوه. فهو يقطع أعضاءها بالحديد، ويُلقي عنها كثيراً من زينتها، وذلك عينُ مصلحتها؛ فلو أنها ذاتُ تمييزٍ وإدراك كالحيوان؛ لتوهمتْ أن ذلك إفسادٌ لها وإضرارٌ بها، وإنما هو عينُ مصلحتها.

وكذلك الأب الشفيق على ولده العالمُ بمصلحته؛ إذا رأى مصلحتَه في إخراج الدم الفاسد عنه؛ بَضَّع جلدَه وقطعَ عروقه وأذاقه الألم الشديد، وإن رأى شفاءة في قطع عضوٍ من أعضائه أبانَه عنه؛ كان ذلك رحمةً به وشفقةً عليه. وإن رأى مصلحته في أن يُمسِك عنه العطاءَ لم يُعطِه ولم يُوسِّع عليه؛ لعلمِه أن ذلك أكبرُ الأسباب إلى فساده وهلاكه. وكذلك يمنعه كثيراً من شهواته حِميةً له ومصلحةً لا بخلاً عليه.

فأحكم الحاكمين وأرحمُ الراحمين وأعلم العالمين الذي هو أرحم بعبادة منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم؛ إذا أنزل بهم ما يكرهون؛ كان خيراً لهم من أن لا يُنزِله بهم؛ نظراً منه لهم وإحساناً إليهم ولطفا بهم، ولو مُكِّنوا من الاختيار لأنفسهم لعَجَزوا عن القيام بمصالحهم علماً وإرادةً وعملاً، لكنه سبحانه تولى تدبيرَ أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته؛ أحبُّوا أم كرهوا. فعَرفَ ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته؛ فلم يتهموهُ في شيء من أحكامه. وخفي ذلك على الجهال به وبأسمائه وصفاته؛ فنازعوه تدبيرَه وقَدَحُوا في حكمته، ولم ينقادوا لحكمه، وعارضوا حكمَه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة؛ فلا لربهم عَرفوا، ولا لمصالحهم حَصَّلوا. والله الموفق.

ومتى ظَفِر العبدُ بهذه المعرفة سَكنَ في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يُشبِه نعيمُها إلا نعيم جنة الآخرة؛ فإنه لا يزال راضياً عن ربه، والرِّضَى جنة الدُّنيا ومُستَراحُ العارفين؛ فإنه طِيْبُ النفس بما يَجري عليه من المقادير التي هي عين اختيار الله له وطمأنينتُها إلى أحكامه الدينية، وهذا هو الرِّضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً، وما ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ من لم يَحصُل له ذلك. وهذا الرِّضى هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسنِ اختياره؛ فكلَّما كان بذلك أعرفَ كان به أرضَي.

فقضاء الرب سبحانه في عبده دائرٌ بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة، لا يَخرُج عن ذلك البتة؛ كما قال في الدُّعاءِ المشهور: «اللهم! إني عبدك، ابنُ عبدك، أبنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألُك بكل اسم هو لك، سَمَّيتَ به نفسَك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علَّمتَه أحداً من خلقِك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك: أن تجعلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري، وجلاء حُزني، وذهابَ همّي وغمّي. ما قالها أحدٌ قطُّ إلاَّ أذهبَ الله همَّهُ وغمَّهُ، وأبْدلهُ مكانَه فرجاً». قالوا: أفلا نتعلَّمُهنَّ يا رسول الله؟ قال: «بلى! ينبغي لمن سمعَهُن أن يتعلمَهُنَّ» [رواه مسلم].

والمقصود قوله: «عدلٌ فيَّ قضاؤك»، وهذا يتناول كل قضاءٍ يَقضِيه علي عبده؛ من عقوبة، أو ألم، وسبب ذلك؛ فهو الذي قضَى بالسبب وقضي بالمسبب، وهو عدلٌ في هذا القضاء، وهذا القضاءُ خيرٌ للمؤمن؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده لا يَقضِي الله للمؤمن قضاءً؛ إلاَّ كان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن»

قال العلامة ابن القيِّم: فسألت شيخنا [يعني شيخ الإسلام ابن تيمية] : هل يدخُلُ في ذلك قضاءُ الذنب؟ فقال: نعم بشرطه.

فأجمل في لفظه (بشرطه) ما يَترتَّبُ على الذنب من الآثار المحبوبة لله من التوبة والانكسار والندم والخضوع والذُّلِّ والبكاءِ وغير ذلك.

نقله لكم

www.aborashed.com

من كتاب الفوائد ص 132


 

رد مع اقتباس
قديم 29-08-2010, 11:04 PM   #20
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


السر الذي فيه الشفاء التام والدواء النافع

للإمام ابن قيّم الجوزية رحمه الله


فَاتِحَةُ الْكِتاب: وأُمُّ القرآن، والسبعُ المثاني، والشفاءُ التام، والدواءُ النافع، والرُّقيةُ التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظةُ القوة، ودافعةُ الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارَها وأعطاها حقَّها، وأحسنَ تنزيلها على دائه، وعَرَفَ وجهَ الاستشفاء والتداوي بها، والسرَّ الذي لأجله كانت كذلك.

ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك، رقى بها اللَّديغ، فبرأ لوقته. فقال له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « وما أدراك أنَّها رُقْيَة ».

ومَن ساعده التوفيق، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرارِ هذه السورة، وما اشتملت عليه مِنَ التوحيد، ومعرفةِ الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثباتِ الشرع والقَدَر والمعاد، وتجريدِ توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى مَن له الأمر كُلُّه، وله الحمدُ كُلُّه، وبيده الخيرُ كُلُّه، وإليه يرجع الأمرُ كُلُّه، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصلُ سعادة الدارين، وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأنَّ العاقبةَ المطلقة التامة، والنعمةَ الكاملة مَنوطةٌ بها، موقوفةٌ على التحقق بها، أغنته عن كثير من الأدوية والرُّقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابَه.

وهذا أمرٌ يحتاجُ استحداثَ فِطرةٍ أُخرى، وعقلٍ آخر، وإيمانٍ آخر، وتاللهِ لا تجدُ مقالةٌ فاسدة، ولا بدعةٌ باطلة إلا وفاتحةُ الكتابِ متضمِّنة لردها وإبطالها بأقرب الطُرُق، وأصحِّها وأوضحِها، ولا تجدُ باباً من أبواب المعارف الإلهية، وأعمالِ القلوب وأدويتها مِن عللها وأسقامها إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحُه، وموضعُ الدلالة عليه، ولا منزلاً من منازل السائرين إلى ربِّ العالمين إلا وبدايتُه ونهايتُه فيها.

ولعَمْرُ الله إنَّ شأنها لأعظمُ من ذلك، وهى فوقَ ذلك. وما تحقَّق عبدٌ بها، واعتصم بها، وعقل عمن تكلَّم بها، وأنزلها شفاءً تاماً، وعِصمةً بالغةً، ونوراً مبيناً، وفهمها وفهم لوازمَها كما ينبغي ووقع في بدعةٍ ولا شِركٍ، ولا أصابه مرضٌ من أمراض القلوب إلا لِماماً، غيرَ مستقر.

هذا.. وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاحُ لكنوز الجَنَّة، ولكن ليس كل واحد يُحسن الفتح بهذا المفتاح، ولو أنَّ طُلابَ الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحقَّقُوا بمعانيها، وركَّبوا لهذا المفتاح أسناناً، وأحسنُوا الفتح به، لوصلوا إلى تناول الكُنوزِ من غير معاوِق، ولا ممانع.

ولم نقل هذا مجازفةً ولا استعارةً؛ بل حقيقةً، ولكنْ لله تعالى حكمةٌ بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالَمين، كما لَه حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم. والكنوزُ المحجوبة قد استُخدمَ عليها أرواحٌ خبيثة شيطانية تحولُ بين الإنس وبينها، ولا تقهرُها إلاَّ أرواحٌ عُلْوية شريفة غالبة لها بحالها الإيماني، معها منه أسلحةٌ لا تقومُ لها الشياطين، وأكثرُ نفوس الناس ليست بهذه المَثابة، فلا يُقاوِمُ تلك الأرواح ولا يَقْهَرُها، ولا ينال من سلبِها شيئاً، فإنَّ مَن قتل قتيلاً فله سلبه.



من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد / مجلد الطب النبوي ( 4 / 347 )


 

رد مع اقتباس
قديم 04-09-2010, 01:37 AM   #21
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


القصيدة النونية



الكافية الشافية
في الانتصار للفرقة الناجية




للامام ابن قيّم الجوزية



25 شعبان 1423 هجرية



برعاية
www.geocities.com/moujahedmouslem
www.islammi.8m.com
نسأل الله التوفيق




منير

بيروت، لبنان






بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة القصيدة النونية للامام ابن القيّم

الحمد لله الذي شهدت له بربوبيته جميع مخلوقاته، وأقرت له بالعبودية جميع مصنوعاته، وأدت له الشهادة جميع الكائنات أنه الله الذي لا اله الا هو بما أودعها من لطيف صنعه وبديع آياته، وسبحان الله وبحمد عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، ولا اله الا الله الأحد الصمد الذي لا شريك له في ربوبيته ولا شبيه له في افعاله ولا في صفاته ولا في ذاته والله أكبر عدد ما أحاط به علمه وجرى به قلمه ونفذ فيه حكمه من جميع برياته، ولا حول ولا قوة الا بالله تفويض عبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، بل هو الله والى الله في مبادئ أمره ونهاياته، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ولا والد له، ولا مفؤ له الذي هو كما أثني على نفسه وفوق ما يثني عليه أحد من جميع برياته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من بريته، وسفيره بينه وبين عباده وحجته على خلقه، ارسله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله على حين فترة من الرسل وطموس من السبل، ودروس من الكتب، والكفر قد اظطرمت ناره وتطايرت في الآفاق شراره، وقد استوجب أهل الأرض أن يحل بهم العقاب، وقد نظر الجبار تبارك وتعالى اليهم فمقتهم، عربهم وعجمهم، الا بقايا من أهل الكتاب.

وقد استند كل قوم الى ظلم آرائهم وحكموا على الله سبحانه وتعالى بمقالاتهم الباطلة وأهوائهم، وليل الكفر مدلهم ظلامه، شديد قتامه، وسبل الحق عافية آثارها مطموسة اعلامها، ففلق الله سبحانه بمحمد صلى الله عليه وسلم صبح الايمان، فأضاء حتى ملأ الآفاق نورا، وأطلع به شمس الرسالة في حنادس الظلم سراجا منير، فهدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وبصر به من العمى وارشد به من الغيّ، وكثر به بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العيلة، واستنقذ به من الهلكة، وفتح به أعينا عميا وآذانا صمّا وقلوبا غلفا، فبلّغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمّة وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه وشرح الله له صدره، ورفع له ذكره ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، وأقسم بحياته في كتابه المبين، وقرن اسمه باسمه فإذا ذكر ذكر معه كما في الخطب والتشهد والتأذين، فلا يصح لأحد خطبة ولا تشهد ولا أذان ولا صلاة حتى يشهد أنه عبده ورسوله شهادة اليقين، وصلى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله وجميع خلقه عليه، كما عرفناه بالله وهدانا اليه، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فإن الله جلّ ثناؤه وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبد بمعرفته ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقبول صفاته العلى وتلقيها من مشكاة الوحي، فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول وتلقاه بالرضا والتسليم وأذعن له بالانقياد فاستنار به قلبه واتسع له صدره وامتلأ به سرورا ومحبة، فعلم أنه تعريف من تعريفات الله تعالى تعرف به على لسان رسوله، فأنزل تلك الصفة من قلبه منزلة الغذاء، أعظم ما كان اليه فاقة ومنزلة الشفاء أشد ما كان اليه حاجة، وسكن اليها قلبه، فجال من المعرفة في ميادينها، وأسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن شرفه أيضا بحسب الحاجة اليه، وليست حاجة الأرواح قط الى شيء أعظم منها الى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة اليه والزلفى عنده، ولا سبيل الى هذا الا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب واليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل واليه أكره ومنه أبعد، والله تعالى ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه، فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضا، وعنها نافرا منفرا، فالله له أشد بغضا، وعنه أعظم اعراضا، وله أكبر مقتا، حتى تعود القلوب الى قلبين: قلب ذكر الأسماء والصفات قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه، لو فارقه ذكرها ومحبتها لحظة لاستغاث، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فلسان حاله يقول:
يراد من القلب نسيانكم ××× وتأبى الطباع على الناقل
ويقول:
وإذا تقاضيت الفؤاد تناسيا ××× ألفيت أحشائي بذاك شحاحا
ويقول:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ××× فنترك الذكر أحيانا فننتكس

ومن المحال أن يذكر القلب من هو محارب لصفاته نافر عن سماعها معرض بكليّته عنها زاعم أن السلامة في ذلك. كلا والله ان هو الا الجهالة والخذلان، والاعراض عن العزيز الرحيم، فليس القلب الصحيح قط الى شيء أشوق منه الى معرفة ربه تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه، ولا افرح بشيء قط كفرحه بذلك وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يضرب على قلبه سرادق الاعراض عنها والنفرة والتنفير والاشتغال بما لو كان حقا لم ينفع الا بعد معرفة الله والايمان به وبصفاته وأسمائه.

والقلب الثاني قلب مضروب بسياط الجهالة، فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود، وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أنزلت عليه مسدود، قد قمش شبها من الكلام الباطل وارتوى من ماء آجن غير طائل تعج منه آيات الصفات وأحاديثها الى الله عجيجا، وتضج منه الى منزلها ضجيجا بما يسومها تحريفا وتعطيلا ويؤول معانيها تغييرا وتبديلا، وقد أعد لدفعها أنواعا من العدد وهيأ لردها ضروبا من القوانين وإذا دعي الى تحكيمها أبى واستكبر وقال: تلك أدلة لفظية لا تفيد شيئا من اليقين، قد أعد التأويل جنة يتترس بها من مواقع سهام السنة والقرآن وجعل اثبات صفات ذي الجلال تجسيما وتشبيها يصد به القلوب عن طريق العلم والايمان، مزجي البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء ولكنه مليء بالشكوك والشبه، والجدال والمراء، خلع عليه كلام الباطل خلعه الجهل والتجهيل، فهو يتعثر باذيال التفكير لأهل الحديث، والتبديع لهم والتضليل، قد طاف على أبواب الآراء والمذاهب يتكفف أربابها، فانثنى بأخسر المواهب والمطالب، عدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد وغاية الاحسان، فابتلى بالوقوف على الأبواب السافلة الملآنة بالخيبة والحرمان، وقد لبس جلة منسوجة من الجهل والتقليد والشبهة والعناد، فإذا بذلت له النصيحة ودعي الى الحق أخذته العزة بالاثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد.

فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الايمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان الى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر الله في السور المكية حيث لا جهاد باليد انذارا وتعذيرا، فقال تعالى:{ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا} الفرقان 52.

وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير، فقال تعالى:{ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} التحريم 9.

فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصومين بالهداية والتوفيق والاتفاق، ومن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق، وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يرى عساكر الايمان وجنود السنة والقرآن وقد لبسوا للحرب لأمته، وأعدوا له عدته، وأخذوا مصافهم ووقفوا مواقفهم، وقد حمي الوطيس ودارت رحى الحرب واشتد القتال وتنادت الأقران النزال النزال، وهو في الملجأ والمغارات، والمدخل مع الخوالف كمين وإذا ساعد القدر وعزم على الخروج قعد فوق التل مع الناظرين، ينظر لمن الدائرة ليكون اليهم من المتحيزين، ثم يأتيهم وهو يقسم بالله جهد أيمانه اني معكم وكنت أتمنى أن تكونوا أنتم الغالبين، فحقيق بمن لنفسه عنده قدر وقيمة أن لا يبيعها بأبخس الأثمان، وأن لا يعرضها غدا بين يدي الله ورسوله لمواقف الخزي والهوان، وأن يثبت قدميه في صفوف اهل العلم والايمان، وأن لا يتحيز الى مقالة سوى ما جاء في السنة والقرآن، فكأن قد كشف الغطاء وانجلى الغبار وأبان عن وجوه أهل السنة مسفرة ضاحكة مستبشرة، وعن وجوه أهل البدعة عليها غبرة ترهقها قترة، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

قال ابن عباس تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه اهل البدعة والفرقة والضلالة، فوالله لمفارقة أهل الأهواء، والبدع في هذه الدار أسهل من موافقتهم إذا قيل:{ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} الصافات 22.

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبعده الامام أحمد: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم، وقد قال تعالى:{ وإذا النفوس زوّجت} التكوير 7، قالوا فيجعل صاحب الحق مع نظيره في درجته، وصاحب الباطل مع نظيره في درجته، هنالك والله يعض الظالم على يديه إذا حصلت له حقيقة ما كان في هذه الدار عليه، يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا.

فصل: وكان من قدر الله وقضائه أن جمع مجلس المذاكرة بين مثبت للصفات والعلو وبين معطل لذلك، فاستطعم المعطل المثبت الحديث استطعام غير جائع اليه، ولكن غرضه عرض بضاعته عليه، فقال له ما تقول في القرآن ومسألة الاستواء؟ فقال المثبت: نقول فيها ما قاله ربنا وتعالى وما قاله نبينا صلى الله عليه وسلم، نصف الله تعالى بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله كم غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل، بل نثبت له سبحانه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وننفي عنه النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقات، اثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، فمن شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه، أو ما وصفه به رسوله تشبيها، فالمشبّه يعبد صنما، والمعطل يعبد عدما، والموحد يعبد الها واحد صمدا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

والكلام في الصفات كالكلام في الذات، فكما انا نثبت ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك نقول في صفاته أنها لا تشبه الصفات، فليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فلا نشبه صفات الله بصفات المخلوقين، ولا نزيل عنه سبحانه صفة من صفاته لأجل تشنيع المشنعين، وتلقيب المفترين، كما أنا لا نبغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتسمية الراوفض لنا نواصب، ولا نكذب بقدر الله ولا نجحد كمال مشيئته وقدرته لتسمية القدرية لنا مجبرة.
ولانجحد صفات ربنا تبارك وتعالى اتسمية الجهمية والمعتزلة لنا مجسمة مشبهة حشوية، ورحمة الله على القائل:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته ××× فاني بحمد الله لها مثبت
الى:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته ××× لديكم فاني اليوم عبد مجسم
ورضي الله عن الشافعي حيث يقول:
ان كان رفضا حب آل محمد ××× فليشهد الثقلان إني رافضي
وقدس الله روح القائل وهو شيخ الاسلام ابن تيمية اذ يقول:
ان كان نصبا حب صحب محمد ××× فليشهد الثقلان اني ناصبي

فصل: واما القرآن فإني أقول أنه كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ واليه يعود، تكلم الله به صدقا، وسمعه جبريل حقا، وبلغه محمدا صلى الله عليه وسلم وحيا، وإن {كهيعص} مريم 1، و { حم عسق} الشورى 1، و{الر} يوسف 1، و{ق} ، و{ن} القلم 1، عين كلام الله حقيقة، وان الله تعالى تكلم بالقرآن العربي الذي سمعه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم وان جميعه كلام الله، وليس قول البشر، ومن قال أنه قول البشر فقد كفر. والله يصليه سقر، ومن قال ليس لله بيننا في الأرض كلام فقد جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله بعثه يبلغ عنه كلامه، والرسول انما يبلغ كلام مرسله، فاذا انتفي كلام المرسل انتفت رسالة الرسول، ونقول أن الله فوق سمواته مستو على عرشه بائن من خلقه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته، وأنه تعالى اليه يصعد الكلم الطيب وتعرج الملائكة والروح اليه وإنه يدبّر الأمر من السماء الى الأرض، ثم يعرج اليه، وان المسيح رفع بذاته الى الله وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج به الى الله حقيقة، وان أرواح المؤمنين تصعد الى الله عند الوفاة فتعرض عليه وتقف بين يديه، وأنه تعالى هو القاهر فوق عباده وهو العلي الأعلى وانا المؤمنين والملائكة المقربين يخافون ربهم من فوقهم، وأن أيدي السائلين ترفع اليه وحوائجهم تعرض عليه فإنه سبحانه هو العلي الأعلى بكل اعتبار، فلما سمع المعطل منه ذلك أمسك، ثم أسرّها في نفسه وخلي بشياطينه وبني جنسه وأوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا وأصناف المكر والاحتيال.

وراموا أمرا يستحمدون به الى نظرائهم من أهل البدع والضلال وعقدوا مجلسا يبيتون في مساء يومه ما لا يرضاه الله من القول والله بما يعملون محيط وأتو على مجلسهم ذلك بما قدروا عليه من الهذيان واللغظ والتخليط، وراموا استدعاء المثبت الى مجلسهم الذي عقدوه ليجعلوا نزله عند قدومه عليهم ما لفقوه من المكر وتمموه فحبس الله سبحانه عنهم أيديهم وألسنتهم فلم يتجاسروا عليه، ورد الله كيدهم قي نحورهم فلم يصلوا بالسوء اليه، وخذلهم المطاع فمزقوا ما كتبوه من المحاضر، وقلب الله قلوب أوليائه وجنده عليهم من كل باد وحاضر، وأخرج الناس لهم من المخبآت كمائنها، ومن الجوائف والمنقلات دفائنها، وقوى الله جأش عقد المثبت وثبت قلبه ولسانه، وشيد بالسنة المحمدية بنيانه، فسعى الى عقد مجلس بينه وبين خصومه عند السلطان، وحكم على نفسه كتب شيوخ القوم السالفين وأئنتهم المتقدمين، وأنه لا يستنصر من أهل مذهبه بكتاب ولا انسان وأنه جعل بينه وبينكم أقوال من قلدتموه، ونصوص من على غيره من الأئمة قدمتوه، وصرخ المثبت بذلك بين ظهرانيهم حتى بلغه دانيهم لقاصيهم، فلم يذعنوا لذلك واستعفوا من عقدة مطالبهم المثبت بواحدة من خلال ثلاث مناظر في مجلي عالم على شريطة العلم والانصاف تحضر فيه النصوص النبوية والآثار السلفية وكتب أئمتكم المتقدمين من أهل العلم والدين، فقيل لهم لا مراكب لكم تسابقون بها في هذا الميدان ومالكم بمقاومة فرسانه يدان فدعاهم الى مكاتبة ما يدعون اليه، فان كان حقا قبله وشكركم عليه وان كان غير ذلك سمعتم جواب المثبت، وتبين لكم حقيقة ما لديه، فأبوا ذلك أشد الاباء، واستعفوا غاية الاستعفاء، فدعاهم الى القيام بين الركن والمقام قياما في مواقف الابتهال حاسري الرؤوس، نسأل الله أن ينزل بأسه بأهل البدع والضلال.

وظن المثبت والله أن القوم يجيبونه الىهذا، فوطن نفسه عليه غاية التوطين، وبات يحاسب نفسه، ويعرض ما يثبته وينفيه على كلام رب العالمين، وعلى سنة خاتم الأنبياء والمرسلين، وينجرد من كل هوى يخالف الوحي المبين، ويهوي بصاحبه الى أسفل السافلين فلم يجيبوا الى ذلك أيضا، وأتوا من الأعذار بما دله على أن القوم ليسوا من أولي الأيدي والأبصار، فحينئذ شمر المثبت عن ساق عزمه وعقد لله مجلسا بينه وبين خصمه يشهده القريب والبعيد، ويقف على مضمونه الذكي والبليد وجعله عقد مجلس التحكيم بين المعطل الجاحد والمثبت المرمي بالتجسيم.

وقد خاصم في هذا المجلس بالله وحاكم اليه بريء الى الله من كل هوى وبدعة وضلالة وتحيز الى فئة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان أصحابه عليه والله سبحانه هو المسؤول أن لا يكله الى نفسه ولا الى شيء مما لديه، وأن يوفقه في جميع حالاته لما يحبه ويرضاه، فإن أزكة الأمور بيديه وهو يرغب الى من يقف على هذه الحكومة أن يقوم لله قيام متجرد عن هواه قاصد لرضاء مولاه، ثم يقرؤها متفكرا ويعيدها ويبديها متدبرا، ثم يحكم فيها بما يرضي الله ورسوله وعباده المؤمنين، ولا يقابلها بالسب والشتم كفعل الجاهلين والمعاندين، فإن رأى حقا تبعه وشكر عليه، وإن رأى باطلا رده على قائله وأهدى الصواب اليه، فإن الحق لله ورسوله، والقصد أن تكون كلمة السنة هي العليا جهادا في الله وفي سبيله، والله عند لسان كل قائل وقلبه، وهو المطلع على نيته وكسبه، وما كان أهل التعطيل اولياءه، ان أولياؤه الا المتقون، المؤمنون المصدقون:{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} التوبة 105.

فصل: وهذه أمثال حسان مضروبة للمعطل والمشبه والموحد، ذكرناها قبل الشروع في المقصود، فإن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل لتقريبها المعقول من المشهود، وقد قال تعالى، وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين:{ وتلك الأمثال نضربها للناس} الحشر 21.
{وما يعقلها الا العالمون} العنكبوت 43، وقد اشتمل منها على بضعة واربعين مثلا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلا لم يفهمه يشتد بكاؤه ويقول لست من العالمين، وسنفرد لها ان شاء الله كتابا مستقلا متضمنا لأسرارها ومعانيها وما تضمنته من كنوز العلم وحقائق الايمان، والله المستعان وعليه التكلان.

المثل الأول: ثياب المعطل ملطخة بعذرة التحريف، وشرابه متغير بنجاسة التعطيل. وثياب المشبه متضمخة بدم التشبيه وشرابه متغير بدم التمثيل، والموحد طاهر الثوب والقلب والبدن، يخرج شرابه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين.

المثل الثاني: شجرة المعطل مغروسة على شفا جرف هار. وشجرة المشبه قد اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. وشجرة الموحد أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين باذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون.

المثل الثالث: شجرة المعطل شجرة الزقوم، فالحلوق السليمة لا تبلعها. وشجرة المشبه شجرة الحنظل، فالنفوس المستقيمة لا تتبعها. وشجرة الموحد طوبى يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.

المثل الرابع: المعطل قد أعد قلبه لوقاية الحر والبرد كبيت العنكبوت، والمشبه قد خسف بعقله، فهو يتجلجل في أرض التشبيه الى البهموت، وقلب الموحد يطوف حول العرش ناظرا الى الحي الذي لا يموت.

المثل الخامس: مصباح المعطل قد عصفت عليه أهوية التعطيل فطفيء وما أنار، ومصباح الشبه قد غرقت فتيلته في عسكر التشبيه فلا تقتبس منه الأنوار، ومصباح الموحد يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.

المثل السادس: قلب المعطل متعلق بالعدم فهو أحقر الحقير، وقلب المشبه عابد للصنم الذي نحت بالتصوير والتقدير، والموحد قلبه متعبد لمن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

المثل السابع: نقود المعطل كلها زيوف فلا تروج علينا، وبضاعة المشبه كاسدة لا تنفق لدينا، وتجارة الموحد ينادي عليها يوم العرض على روؤس الأشهاد هذه بضاعتنا ردت الينا.

المثل الثامن: المعطل كنافخ الكير اما أن يحرق ثيابك واما أن ينجسك واما أن تجد منه ريحا خبيثة، والمشبه كبائع الخمر، اما أن يسكرك واما أن ينجسك، والموحد كبائع المسك انا أن يحذيك واما أن يبيعك واما أن تجد منه ريحا طيبة.

المثل التاسع: المعطل قد تخلف عن سفينة النجاة ولم يركبها فأركه الطوفان، والمشبه قد انكسرت به اللجة، فهو يشاهد الغرق بالعيان، والموحد قد ركب سفينة نوح، وقد صاح به به الربان: اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها، ان ربي لغفور رحيم.

المثل العاشر: منهل المعطل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا فرجع خاسئا حسيرا. ومشرب المسبه من ماء قد تغير طعمه ولونه وريحه بالنجاسة تغييرا، ومشرب الموحد من كأس كان مزاجها كافورا، عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا.
(وقد سميتها بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية)
وهذا حين الشروع في المحاكمة، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.


 

رد مع اقتباس
قديم 04-09-2010, 01:39 AM   #22
فهد الماجدي
(*( عضو )*)


الصورة الرمزية فهد الماجدي
فهد الماجدي غير متصل

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1524
 تاريخ التسجيل :  Feb 2007
 أخر زيارة : 11-05-2014 (02:20 AM)
 المشاركات : 2,761 [ + ]
 زيارات الملف الشخصي : 21204
لوني المفضل : sienna


القصيدة النونية

حكم المحبة ثابت الأركان*** ما للصدود بفسخ ذاك يدان
أني وقاضي الحسن نفذ حكمها*** فلذا أقر بذلك الخصمان
وأتت شهود الوصل تشهد أنه*** حق جرى في مجلس الاحسان
فتأكد الحكم العزيز فلم يجد*** فسخ الوشاة اليه من سلطان
وأتى الوشاة فصادفوا الحكم الذي *** حكموا به متيقن البطلان
ماصادف الحكم المحل ولا هو استوفى الشروط فصار ذا بطلان
فلذاك قاضي الحسن أثبت محضرا *** بفساد حكم الهجر والسلوان
وحكى لك الحكم المحال ونقضه*** فاسمع اذا? يا من له أذنان
حكم الوشاة بغير ما برهان *** أن المحبة والصدود لدان
والله ما هذا بحكم مقسط *** أين الغرام وصد ذي هجران
شتان بين الحالتين فان ترد*** جمعا فما الضدان يجتمعان


يا والها هانت عليه نفسه *** اذ باعها غبنا بكل هوان
أتبيع من يهواه نفسه طائعا *** بالصد والتعذيب والهجران
أجهلت أوصاف المبيع وقدره*** أم كنت ذا جهل بذي الأثمان
واها لقلب لا يفارق طيره الأغـ*** صان قائمة على الكثبان
ويظل يسجع فوقها ولغيره *** منها الثمار وكل قطيف دان
ويبيت يبكي والمواصل ضاحك*** ويظل يشكو وهو ذو شكران
هذا ولو أن الجمال معلق*** بالنجم همّ اليه بالطيران


لله زائره بليل لم تخف*** عس الأمير ومرصد السجان
قطعت بلاد الشام ثم تيممت*** من أرض طيبة مطلع الايمان
وأتت على وادي العقيق فجاوزت*** ميقاته حلا بلا نكران
وأتت على وادي الأراك ولم يكن*** قصدا لها فألا بأن ستراني
وأتت على عرفات ثم محسر*** ومنى فكم نحرته من قربان
وأتت على الجمرات ثم تيممت*** ذات الستور وربة الأركان
هذا وما طافت ولا استلمت ولا*** رمت الجمار ولا سعت لقران


ورقت الى أعلى الصفا فتيممت*** دارا هنالك للمحث العاني
أترى الدليل أعارها أثوابه** والريج أعطتها من الخفقان
والله لو أن الدليل مكانها*** ما كان ذلك منه في امكان
هذا ولو سارت مسير الريح ما*** وصلت به ليلا الى نعمان
سارت وكان دليلها في سيره*** سعد السعود وليس بالدبران
وردت جفار الدمع وهي غزيرة*** فلذاك ما احتاجت ورود الضان
وعلت على مين الهوى وتزودت***ذكر الحبيب ووصلة المتداني


جهم بن صفوان وشيعته الألى*** جحدوا صفات الخالق الديان
بل عطلوا منه السموات العلى*** والعرش أخلوه من الرحمن
ونفوا كلام الرب جل جلاله*** وقضوا له بالخلق والحدثان


قالوا وليس لربنا سمع ولا*** بصر ولا وجه، فكيف يدان
وكذاك ليس لربنا من قدرة*** وإرادة أورحمة وحنان
كلا ولا وصف يقوم به سوى*** ذات مجردة بغير معان
وحياته هي نفسه وكلامه*** هو غيره فاعجب لهذا البهتان


وكذاك قالوا ما له من خلقه***أحد يكون خليله النفساني
وخليله المحتاج عندهم وفي*** ذا الوصف يدخل عابد الأوثان
فالكل مفتقر اليه لذاته*** في أسر قبضته ذليل عان
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد الـ*** ـقسري يوم ذبائح القربان
اذ قال ابراهيم ليس خليله*** كلا ولا موسى الكليم الداني
شكر الضحية كل صاحب سنة*** لله درك من أخي قربان


والعبد عندهم فليس بفاعل*** بل فعله كتحرك الرجفان
وهبوب ريح أو تحرك نائم*** وتحرك الأشجار للميلان
والله يصليه على ما ليس من*** أفعاله حر الحميم الآن
لكن يعاقبه على أفعاله*** فيه تعالى الله ذو الاحسان
والظلم عندهم المحال لذاته*** أنى ينزه عنه ذو السلطان
ويكون مدحا ذلك التنزيه ما*** هذا بمقبول لدى الأذهان


وكذلك قالوا ماله من حكمة*** هي غاية للأمر والاتقان
ما ثم غير مشيئة قد رجحت*** مثلا على مثل بلا رجحان
هذا وما تلك المشيئة وثفه*** بل ذاته أو فعله قولان
وكلامه مذ كان غيرا كان مخـ *** ـلوقا له من جملة الأكوان


قالوا واقرار العباد بأنه*** خلاقهم هو منتهى الايمان
والناس في الايمان شيء واحد*** كالمشط عند تماثل الأسنان
فاسأل أبا جهل وسيعته ومن*** والاهم من عابدي الأثوان
وسل اليهود وكل أقلف مشرك*** عبد المسيح مقبل الصلبان
واسأل ثمود وعاد بل سل قبلهم*** أعداء نوح أمة الطوفان
واسأل أبا الجن اللعين أتعرف الـ *** خلاق أم أصبحت ذا نكران
واسأل شرار الخلق أغلى أمة*** لوطية هم ناكحو الذكران
واسأل كذاك أمام كل معطل*** فرعون مع قارون مع هامان
هل كان فيهم منكر للخالق الـ *** ـرب العظيم مكوّن الأكوان
فليبشروا ما فيهم من كافر*** هم عند جهم كاملوا الايمان


وقضى بأن الله كان معطلا***والفعل ممتنع بلا امكان
ثم استحال وصار مقدورا له*** من غير أمر قام بالديان
بل حاله سبحانه في ذاته*** قبل الحدوث وبعدها سيان


وقضى بأن النار لم تخلق ولا*** جنات عدن بل هما عدمان
فإذا هما خلقا ليوم معادنا*** فهنا على الأوقات فانيتان
وتلطف العلاف من أتباعه*** فأتى بضحكة جاهل مجان
قال الفناء يكون في الحركات لا*** في الذات واعجبا لذا الهذيان


أيصير أهل الخلد في جناتهم*** وجحيمهم كحجارة البنيان
ما حال من قد كان يغشى أهله*** عند انقضاء تحرك الحيوان
وكذاك ما حال الذي رفعت يدا*** ه أكلة من صفحة وخوان
فتناهت الحركات قبل وصولها*** للفم عند تفتح الأسنان
وكذاك ما حال الذي امتدت يدا*** منه الى قنو من القنوات
فتناهت الحراكت قبل الأخذ هل*** يبقى كذلك سائر الأزمان
تبا لهاتيك العقول فانها*** والله قد مسخت على الأبدان
تبا لمن أضحى يقدمها على ال*** آثار والأخبار والقرآن


وقضى بأن الله يعدم خلقه*** عدما ويقلبه وجودا ثان
العرش والكرسي والأرواح وال*** أملاك الأفلاك والقمران
والأرض والبحر المحيط وسائر ال*** أكوان من عرض ومن جثمان
كل سيفنيه الفناء المحض لا*** محض الوجود اعادة بزمان


هذا المعاد وذلك المبدا الذي*** جهم وقد نسبوه للقرآن
هذا الذي قاد ابن سينا والألى*** قالوا مقالته الى الكفران
لم تقبل الأذهان ذا وتوهموا *** أن الرسول عناه بالايمان
هذا كتاب الله أنى قالوا ذا*** أو عبده المبعوث بالبرهان
أو صحبه من بعده أو تابع*** لهم على الايمان والاحسان


بل صرح الوحي المبين بأنه*** حقا مغير هذه الأكوان
فيبدل الله السموات العلى*** والأرض أيضا ذات تبديلان
وهما كتبديل الجلود لساكني النـ*** ـيران عند النضج من نيران
وكذاك يقبض أرضه وسماءه*** بيديه ما العدمان مقبوضان
وتحدث الأرض التي كنا بها*** اخبارها في الحشر للرحمن
وتظل تشهد وهي عدل بالذي*** من فوقها قد أحدث الثقلان
أفيشهد العدم الذي هو كاسمه*** لا شيء، هذا ليس في الامكان


لكن تسوى ثم تبسط ثم تشـ***ـهد ثم تبدل وهي ذات كيان
وتمد أيضا مثل مد اديمنا*** من غير أودية ولا كثبان
وتقيء يوم العرض من أكبادها*** كالاسطوان نفائس الأثمان
كل يراه بعينه وعيانه*** ما لامرئ بالأخذ منه يدان
وكذا الجبال تفتّ فتا? محكما*** فتعود مثل الرمل ذي الكثبان
وتكون كالعهن الذي ألوانه*** وصباغه من سائر الألوان
وتبس بسا مثل ذاك فتنثني*** مثل الهباء لناظر الانسان


وكذا البحار فانها مسجورة*** قد فجرت تفجير ذي سلطان
وكذلك القمران يأذن ربنا*** لهما فيجتمعان يلتقيان
هذي مكوّرة وهذا خاسف*** وكلاهما في النار مطروحان
وكواكب الأفلاك تنثر كلها*** كلآلئ نثرت على ميدان
وكذا السماء تشق ظاهرا*** وتمور أيما موران
وتصير بعد الانشقاق كمثل ها*** ذا المهل أو تك وردة كدهان


والعرش والكرسي لا يفنيهما*** أيضا وأنهما لمخلوقان
والحور لا تفني كذلك جنة الـ*** مأوى وما فيها من الولدان
ولأجل هذا قال جهم انها*** عدم ولم تخلق الى ذا الآن
والأنبياء فانهم تحت الثرى*** أجسامهم حفظت من الديدان
ما للبلى بلحومهم وجسومهم*** ابدا وهم تحت التراب يدان
وكذلك الأرواح لا تبلى كما*** منه تركب خلقة الانسان
وكذاك عجب الظهر لا يبلى بل*** تبلى الجسوم ولا بلى اللحمان
ولأجل ذلك لم يقر الجهم ما ال*** ارواح خارجة عن الأبدان
لكنها من بعض أعراض بها***قامت وذا في غاية البطلان


فالشأن للأرواح بعد فراقها*** أبدانها والله أعظم شأن
إما عذاب او نعيم دائم*** قد نعمت بالروح والريحان
وتصير طيرا سارحا مع شكلها*** تجني الثمار بجنة الحيوان
وتظل واردة لانهار بها*** حتى تعود لذلك الجثمان
لكن أرواح الذين استشهدوا*** في جوف طير أخضر ريان
فلهم بذاك مزية في عيشهم*** ونعيمهم للروح والأبدان
بذلوا الجسوم أربهم فأعاضهم*** أجسام تلك الطير بالاحسان
ولها قناديل اليها تنتهي*** مأوى لها كمساكن الانسان


فالروح بعد الموت أكمل حالة*** منها بهذي الدار في جثمان
وعذاب أشقاها أشد من الذي*** قد عاينت أبصارنا بعيان
والقائلون بأنها عرض أبوا*** ذا كله تبا لذي نكران


وإذا أراد الله إخراج الورى*** بعد الممات الى المعاد الثاني
ألقى على الأرض التي هم تحتها*** والله مقتدر وذو سلطان
مطرا غليظا أيضا متتابعا*** عشرا وعشرا بعدها عشران
فتظل تنبت منه أجسام الورى*** ولحومهم كمنابت الريحان
حتى إذا ما الأم حان ولادها*** وتمخضت فنفاسها متدان
أوحى لها رب السماء فشققت*** فبدا الجنين كأكمل الشبان
وتخلت الأم الولود وأخرجت*** أثقالها أنثى ومن ذكران


والله ينشئ خلقه في نشأة*** اخرى كما قد قال في القرآن
هذا الذي جاء الكتاب وسنة الـ***ـهادي به فأحرص على الايمان
ما قال ان الله يعدم خلقه*** طرأ كقول الجاهل الحيران


وقضى بأن الله ليس بفاعل*** فعلا يقوم به بلا برهان
بل فعله المفعول خارج ذاته*** كالوصف غير الذات في الحسبان
والجبر مذهبه الذي قرت به*** عين العصاة وشيعة الشيطان
كانوا على وجل من العصيان ذا*** هو فعلهم والذنب للانسان
واللوم لا يعدوه اذ هو فاعل*** بإرادة وبقدرة الحيوان
فأراحهم جهم وشيعته من ألـ*** لوم العنيف وما قضوا بأمان
لكنهم حملوا ذنوبهم على*** رب العباد بعزة وأمان
وتبرأوا منها وقالوا انها*** أفعاله ما حيلة الانسان


ما كلف الجبار نفسا وسعها*** انى وقد جبرت على العصيان
وكذا على الطاعات أيضا قد غدت*** مجبورة فلها اذا جبران
والعبد في التحقيق شبه نعامة*** قد كلفت بالحمل والطيران
اذ كان صورتها تدل عليهما*** هذا وليس لها بذاك يدان
فلذاك قال بأن طاعات الورى*** وكذاك ما فعلوه من عصيان
هي عين فعل الرب لا أفعالهم*** فيصح عنهم عند ذا نفيان
نفي لقدرتهم عليها أولا*** وصدورها منهم بنفي ثان


فيقال ما صاموا ولا صلوا ولا*** زكوا ولا ذبحوا من القربان
وكذاك ما شربوا وما قتلوا وما*** سرقوا ولا فيهم غوي زان
وكذاك لم يأتوا اختيار منهم*** بالكفر والاسلام والايمان
الا على وجه المجاز لأنها*** قامت بهم كالطعم والألوان
جبروا على ما شاءه خلاقهم*** ما ثم ذو عون وغير معان
الكل مجبور وغير ميسر*** كالميت أدرج داخل الأكفان


وكذاك أفعال المهيمين لم تقم*** أيضا به خوفا من الحدثان
فاذا جمعت مقالتيه أنتجا*** كذبا وزورا واضح البهتان
اذ ليست الأفعال فعل إلهنا*** والرب ليس بفاعل العصيان
فإذا انتفت صفة الاله وفعله*** وكلامه وفعائل الانسان
فهناك لا خلق ولا أمر ولا*** وحي ولا تكليف عبد فان


وقضى على أسمائه بحدوثها*** وبخلقها من جملة الأكوان
فانظر الى تعطيله الأوصاف والـ*** أفعال والأسماء للرحمن
ماذا الذي في ضمن ذا التعطيل من*** نفي ومن جحد ومن كفران
لكنه أبدى المقالة هكذا*** في قالب التنزيه للرحمن
وأتى الى الكفر العظيم فصاغه*** عجلا ليفتن أمة الثيران
وكساه أنواع الجواهر والحلى*** من لؤلؤ صاف ومن عقيان
فرآه ثيران الورى فأصابهم*** كمصاب اخوتهم قديم زمان
عجلان قد فتنا العباد بصوته*** احداهما وبحرفه ذا الثاني


والناس اكثرهم فأهل ظواهر*** تبدو لهم ليسوا بأهل معان
فهم القشور وبالقشور قوامهم*** واللب خلاصة الانسان
ولذا تقسمت الطوائف قوله*** وتوارثوه ارث ذي السهمان
لم ينج من أقواله طرا? سوى*** أهل الحديث وشيعة القرآن
فتبرأوا منها براءة حيدر*** وبراءة المولود من عثمان
من كل شيعي خبيث وصفه*** وصف اليهود محللي الحيتان


 

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أصحاب الأخدود مخايل ..: مرقاب القُدس و الأدب الإسلامِي :.. 26 25-09-2011 10:12 AM
(مقناص) الملك خالد بداح فهد السبيعي ..: مرقاب الإبل و الفُروسيّة و المقنَاص :.. 17 03-07-2010 08:07 PM
الملك عبدالله لبنان الدوسري ..: المرقَاب الشّعبي :.. 13 01-08-2009 03:21 AM
الملك ووزرائة الثلاثة(طلب غريب) مطر المرشدي ..: مرقاب القُدس و الأدب الإسلامِي :.. 16 05-09-2008 01:38 PM


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 10:26 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
شبكة المرقاب الأدبية