قراءه لقصيدة محمد السواط ( إليك )..

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;border:10px groove deeppink;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]توطئه:

في رؤيه خاصه جداً.. فإنني عادةً ما انجذب الى اي نص الا عن طريق عنوانه.. و كثير من العناوين تقتل القصائد
و كثير من القصائد يتم قراءتها بشكل مكثف من المتابعين و ذلك بسبب عنوان القصيده الذي يجذب القارئ..

و اجمل تلك العناوين عندما تكون مركزيه.. و هذا يحتاج الى سعة ثقافة الشاعر نفسه.. و بلاغته و فطنته..


استهلال:

في قصيده خالده بخلود موضوعها و فكرتها و مضمونها و اسلوبها كان هناك ( عنوان ) اشتمل على أعلى مستويات
الإبداع الأدبي و بشكل ملفت للغايه لا يشعر به الا من يأتي من الظل ليعطي نفسه راحه تامه من أجل التأمل و القراءه..

هذا العنوان هو عنوان لقصيدة الشاعر المتميز و الفذ الأستاذ محمد السواط.. في قصيدته ( إليك ) .. فقط.. قصيده من طراز فريد
و موضوع كبير و هدف نبيل و سامي .. و مع ذلك اختار له عنوان ( مركزي ) هو ( اليك ) ... و يبقى السؤال للقارئ الذي
يصل الى هذه القصيده هو ( اليك يا من ؟؟ ) .. اليك ايتها العشيقه .. ام اليك يا أنا .. ام اليك يا من؟؟
اضافةً الى ذلك .. فما هذا الشئ المرسل؟؟ فكلمة ( إلى ) تفيد الإيصال او الإنتهاء الى شئ..فهذا العنوان ارتكز على مبهمين, الأول هو ( المرسل اليه ) و الثاني ( ماهية الرساله )..

لن نستطيع ان نعرف ذلك الا بعد ان نقرأ القصيده كامله .. لنصل الى الهدف المنشود..

البدايه:

يقول الشاعر محمد السواط في بداية القصيده:

[poem=font="Simplified Arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
إليك الكتاب... يزيّنـه بالحـلا طريـاك=وقبل ابتدي متصـدّره فيـه "بسـم الله "
يجيببه غـلاي مضمّنـه خافـقٍ يفـداك=لك لحالك انت ...وكل مامنه لـك كلّـه
حلالك ومالك كل مابـي هنـا واهنـاك=تخيّر علـى كيفـك واخـذ دقّـه وجلّـه[/poem]

هنا بدأ الشاعر القصيده بعنوانها ( و هذا بحد ذاته ) مدخل يشد المتلقي مره اخرى للبحث
عن ( شخصية المرسل اليه ) فالقصيده من بدايتها هي رساله لشخص معين.. فانكشف السر الأول
و معه بشكل ( تلازمي ) انكشف السر الثاني و هو ( ماهية الإرساليه ) فعرفنا من أول كلمتين
في القصيده هدف القصيده رغم جهلنا الى حد الآن بمن هو الشخص, عرفنا انها رساله
سواء رساله خطيه او رساليه روحيه .. و يبقى ان نعرف شخصية الطرف الثاني المرسل اليه و هذا
( ابداع ) آخر تفرّد به الشاعر عن سواه .. فأخفى هذه المقصود في بداية القصيده.. الا انه بدأ
بإرسال بعض الإشارات و التلميحات لكشف هذه الشخصيه رويداً رويداً...

ليقول الشاعر في البيتين التاليه:



[poem=font="Simplified Arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
ياروح الوقار وهيبته مالحقـت ارضـاك=مع اني ذهيـن وسالـك الـدرب وادلّـه
لأن الرضى يسبق تباشير وقـع خطـاك=وعليها يسيّر من بغـى المجـد ياصلّـه[/poem]


هنا اول الاشارات التي صاغها الشاعر في قصيدته لكشف هذه الشخصيه ... ( يا روح الوقار ) هنا عرفنا انه
رجل و شيخ جليل و كبير في السن و له هيبه خاصه بلا شك.. ثم المح في نفس الشطر بصفه ثانيه قد تكون ( خاصه )
و هي صفة ( الرضى ) و عدم الوصول الى كامل الرضى مع هذه الشخصيه .. هنا يتبادر الى الذهن بدايةً العلاقه التي
تربط بين المرسل و المرسل اليه .. و هي علاقة ( الرضا ) و هذه علاقه خاصه لا تكون الا بين الإبن و الوالدين و لأننا
اكتشفنا هنا ان الشخصيه هي شخصيه ( ذكوريه ) للمرسل اليه فإن الدلاله تعطي واضحه ان الشخصيه المقصوده هي ( الوالد )
لأنه لا يمكن ان تكون علاقة الرضا الا بين الإبن و والديه فقط .. و هذا استخلاص كبير و قوي من الشاعر لإيصال المعنى
بإشارات بلاغيه بسيطه و عبارات ( مركزه ) تختصر الكثير من صفات الوالدين, فاستطاع ببلاغته ان يستخدم هذه الصفه
الوحيده التي تربط بين الإبن و والديه ( صفة الرضا ) .. ثم اكمل في الشطر الثاني ليوضح انه رغم علمه و فهمه لحقوق
الوالدين الا انه لا يستطيع اللحاق بهذه الحقوق و هذا الرضا ..
في البيت التالي .. آيه لغويه و بلاغيه و فكريه و شاعريه أخرى ... ففي الشطر الأول يبرهن الشاعر بل و يؤكد ان الرضى بكل
ما فيه من جمال و كمال و كبرياء و بلوغ مجد لا يمكن ان يكون الا عن طريق أقل ما يكون في هذه الدنيا بل و أذلها و هي وقع الخطا
اي جرة الأقدام بل ربما هي الأقدام نفسها... فما أجمل ان تكون عزة الإبن مرتبطه باقدام والده... و هذه صوره جديده تحسب للشاعر
بلا شك .. ثم جاء بعد ذلك ليثبت صدق توجهه و رأيه بأن المجد لن يبلغه طالب مجد الا بالسير على هذه الخطا و تتبع رضى صاحبها
فما أجمل ان يربط الشاعر ما بين وقع الخطا و السير عليها لمن اراد الوصول الى المجد ..


ثم يبدأ الشاعر بمضمون القصيده و اسبابها ليمتعنا ببدايه و بوابه غير طبيعه للدخول الى هذا العالم و الى اجواء هذه القصيده.. ليقول:


[poem=font="Simplified Arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
ياكيف اتعـدّى كـل هـذا وانـا يمنـاك=وانا ماتعـدّى خطوتـك يـوم ..لا..للّـه
لو البعد يقسمني ترانـي معـك وليـاك=لاتحسـب علـيّ البعـد ياسيّـدي زلّـه
ولاتاخذ بخاطرك خـل العتـاب ارجـاك=لعـوِّد علـى قلبـي واعلله وآعـلّـه
واجرّه رهينه في جنابـك وبيـن يـداك=عزيز المقام وتـاج راسـه مـن الذلّـه
نسيتك ..؟لاوالله مانسيتك وكيف انساك.!=وانافي عروقـي سيـرة الحـب مبتلّـه[/poem]


هنا يبدأ الشاعر بتقديم تبرير و استفسار فيه انكسارة الإبن البار بوالده .. بل و احترامه حد الإذلال تحت اقدامه .. ليذكره انه
على عهد الرضا به و انه لم ينسَ و لم يتعد تلك الخطوط التي رسمها لنفسه بالبحث عن رضاه في كل احواله.. و يضيف
انه و من إجلاله لوالده بأنه لم يتعدَ هذه المكانه و هذه العظمه في شخص والده..

هنا الرساله مبطنه و المعنى المقصود مخفي الا ان الشاعر بإسلوبه ازاح الستار عن الفكره لكي تصل الى الجميع بإسلوب
غير مباشر.. مثل هذه القصيده الغير مباشره في طرقها و غير تقليديه في نهجها .. قصيده استخدم خلالها الشاعر اشارات
و تلميحات كفيله بأن تسير بالقارئ و المتابع الى المعنى دون ايضاح له و دون ارباك للمتلقي.. اسلوب لا يجيده الا شاعر متمكن
بل يعتبر من اصعب الأساليب في مثل هذه القصائد الشخصيه و الخاصه.. فكيف يستطيع الشاعر ان ينشر خصوصياته دون ان
يعرف بواطنها المتلقي و دون ان يتكلف في الفهم في آن ٍ واحد.. انه سحر الشعر و البلاغه لدى محمد السواط..

في هذه الأبيات اتضح المعنى بأنه بسبب البعد و بعد المسافه و الإبتعاد القسري الذي تفرضه ظروف الحياه و العمل.. مقدماً في
ذات الوقت اعتذاره بكل الطرق حتى لو كان ذلك على حساب اذلاله القلب و اهانته في سبيل رضى والده..
ثم يختم هذه الجزئيه بأن قلبه طري و مبتل من سيل حبه لوالده و هذه صوره اخرى فالحب ليس كما يراه اغلب الناس
على انه ماده صلبه تكمن في الروح .. بل هو ماده تحيي القلوب ماده تلين القلوب تجعلها رطبه نديه مثل الورده التي يزيد جمالها بلينها و نداها و رطوبتها لتنشر ريحها بشكل واضح و جلي... انها عبقرية الشاعر و فيزيائيته الشعريه الخلاّقه...

بعد ذلك انتقل بنا الشاعر الى مرفأ آخر :

[poem=font="Simplified Arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
الا يالكريم اهـلاً هلابـك هـلا حيـاك=تعلّـل وعـدّْ بداخلـي واشـرب الدلّـه
تربّع على قلبي وخـل الحشـا مركـاك=مكانك هنا محفوظ في الشـرع والملّـه[/poem]

اعتقد ان اسلوب الالتفاف في بناء القصيده للإنتقال من موضوع الى موضوع آخر يحتاج الى ادوات ربط معينه
لا تخل بالمعنى و لا المبنى .. و هذه تحتاج الى عبارات خاصه لا يجيدها الكثير من الشعراء... من هنا انطلق الشاعر
من المفرده ( الا ) و هذا الحرف و هو (حرف استفتاح للتنبيه) لما سيأتي لاحقاً , و رغم هذا التنبيه الذي طلبه الشاعر
من والده الا انه لم ينسَ ان يجله بعد ذلك مباشرةً بقوله ( الكريم ) ثم اتبع ذلك بترحيبه .. فجاءت الجمله الخبريه
بعد ذلك بأن يدخل الى روحه و قلبه طيَباً مرحباً به و هذا المكان لا يكون الا لخاصة الخاصه من الناس .. ثم اكرمه بعد ذلك
و اعطاه كل فؤاده و ما حواه اكراماً و تكريماً لوالده .. موضحاً بأن هذا المكان هو مكانه و هو محفوظ رغم البعد ..

بعد هذه الإفتتاحيه و بعد الإستضافه الروحيه و الإكرام و التبجيل ينتقبل بنا الشاعر مع والده الى عالم آخر من انواع البر بالوالدين
الى الإعتذار ..

فتعالوا معي و عيشوا هذه اللحظات :


[poem=font="Simplified Arabic,5,darkblue,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
يعذرك منّي ..؟ صادق الود يـوم القـاك=يعانق ثرى صدرك وينسـاب فـي حلّـه
يعذرك منّي ..؟ قسوة الشوق من فرقاك=تدشّ الضلوع وتخطـف القلـب واتلّـه
يعذرك منّي..؟ عزةٍ ترتـوي مـن مـاك=ونفسٍ تجـود بصافـي الخيـر وتهلّـه
ويسعدك لاقالو لي ..ايعيش مـن ربّـاك=وان اقبلت صاح الناس..! "ياحي ذا الطلّه"
ياراس الكلام وهامته باعتـراف اعـداك=ترى كل حاسد ينهزم فيـك مـن غلّـه
مادام السنع يحميك ويعيش وسط حمـاك=كثير الردى لامر بـك قـال..! "خـطالله"
ودام الصفات الطيّبـه تحتـري شـرواك=وعـذب الحنـان متيّـمٍ فيـك ياخـلّـه[/poem]

بعيداً عن المعنى و الشرح للأبيات .. هنا اقف اجلالاً لهذه اللغه .. و اقف اكباراً لهذا الأسلوب المتجدد في مثل
هذه القصائد و هذه المعاني و هذه المواقف... القصيده هنا اترك معناها لكم .. لكن اريد ان ابحر معكم ي جماليات
الأسلوب و المفرده وا للغه ... هذه القصيده من صدقها أبت الا ان تخرج من أغوار شاعرها بثقافته و لغته و بلاغته .. فهذه القصيده من الواضح انها كتبت نفسها بنفسها .. فجاءت تحمل شخصية شاعرها و ثقافته و بعده اللغويه و الفكري.. بل تعتبر عصارة رحلة هذا
الشاعر مع اللغه و مع الشاعريه ... هنا القصيده تلبّست خاماً غير معروف عن الشاعر محمد السواط.. هنا جاءت القصيده بما كان يجب
ان تأتي به .. من السهل ان يكتب الشاعر قصيدة اعتذار لوالده .. او قصيدة حنين .. او قصيدة تجديد عهد و محبه .. لكن من الصعب
ان تأتي الا ان تكون مباشره و موجهه .. الا هنا .. الا هنا تغيرت هذه المفاهيم جملةً و تفصيلا... مع الأخذ في الإعتبار ان لغة الآباء و ثقافتهم ليست مثل الأبناء الذين درجوا في المدارس و تلعموا و تثقفوا ...

,, يتبع ,,[/B][/ALIGN][/COLOR][/SIZE][/FONT][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]