الحب الخالد ..في الشعر الفيصلي !

الأخوة مشرفو ومرتادو منتديات المرقاب ...
السلام عليكم ....

اللغة أبلغ وسائل التعبير متى ما وجدت الفكر الناضج والعاطفة المهذبة، وهي در العقل، ورحيق القلب، فإذا تربت في كنف العقل انتجت فكرا يؤتم به، وإذا تخمرت من نزف القلب أنبتت الزهر في الصخر، وألبست الورق الخريفي عاري الشجر.

ولأنه استطاع أن يختزل الإنسان في أبيات من الشعر السامي النبيل الذي ولد من أعرق محتد لغوي لأبوين شريفين هما الفكر والعاطفة، لهذا أكتب هذه الأسطر المخضبة بالحياء إجلالا لسمو الفكر ونقاء المشاعر مع علمي أن ما سأكتبه لن يضيف للفيصل أو لشعره إلا ما سيحدثه الحبر المسكوب في البحر لونا وطعما ورائحة!

من وجهة نظري ومن انطباعي البسيط أن المدرسة الرومانسية إن صح لنا أن ننعتها بهذه التسمية في شعرنا النبطي، وإن صح لنا أن نختار لها رائدا شعريا فإننا لن نجد لها رائدا تمثلت بكل خصائصها في شعره إلا الأمير خالد الفيصل.. الذي حضر الإنسان بكل سماته الفطرية والمكتسبة، وحضرت الطبيعة بكل مؤثثاتها الثابتة والمتحولة، وحضرت الذات الخلاقة، والأنا المتعالية سموا كما يجب أن تكون عليه في ظاهرها وباطنها، وحاضرها وماضيها ومستقبلها حضرت بكل عنفوانها في شعره، أو لنقل في مدرسة الفيصل الرومانسية. نعم إنه القائل:

ما حب أنا المركز التالي

الأول أموت وحيابه

وهو القائل:

يموت الشجر واقف

وظل الشجر ما مات
هنا سمو الذات الواقعية، وسمو الذات المجازية، وكلاهما يعود لسمو الأصل والمنبت!، وإن كان هذا الشعر فكريا إلا أنه لباس للشعور الطاغي بقيمة الذات الإنسانية التي يجب أن تكون في منزلتها الرفيعة التي جبلت عليها ولا تتهادن مع الهين الذي يقيدها بأغلال التنازل المر، والرضا والقناعة بالمنزلة الواقعية، وعدم الجموح للعالي من الرتب التي قد تتجاوز قدرة تفكير البعض علاوة على الشروع الفعلي فيها!

يا مدور الهين

ترى الكايد أحلى!

ويقول أيضاً:

وش عاد لو الثمن غالي

نفسي على العز وثابة

هذه مقدمة للنحت الفيصلي في جدار الهمم، وهي ليست موضوعنا الذي دعانا للكتابة، ولكن الفكر الرومانسي لا يمكن عزله عن الشعور الرومانسي، فكلاهما جناحا طائر كاسر!

يقول الفيصل:

الله اللي جابني لمحبتك

لو أموت شهيد في ميدانها

هذا البيت الإنساني المعطر برائحة الوفاء يمثل كل عاشق بار بمن يحب، وعاشق يرى أن روحه لا حياة لها دون من علمها معنى الحياة! والحرية والتكامل النفسي وجعلها تتعالى على الرغبات الشبقية لتحلق في فضاء إنساني نبيل، لا يخجل من ذكره والتغني به واتخاذه مثالا يحتذى، وليس رواية للسمر.

نعم، هذا هو الحب السامي وعشق النبلاء نستحضره في كل لحظة نعيش فيها مع من نحب فلا نجد قاموسا شعريا يترجم أحاسيسنا سوى هذا الفيصل الذي قال كل ما تنبض به قلوب العاشقين في كل حالاتهم، من وصل وهجر، ولوعة فراق وحميمية لقاء، وكل لحظة شعورية لا نجد فيها، من قواميسنا ما ينجدنا نجد الفيصل قد عبر عنا جميعا أليس هو القائل:

قالت من أنت؟ وقلت مجموعة إنسان!

نعم هو كذلك إنسان في عالم ،وعالم في إنسان

علمنا أن نقول:

حسايف الحزن يغشى وجهك الطاهر

والورد في وجنتك حرام تفريقه
ألهم القلب العاشق سر البوح بحبه:

أنت عشقة خيالي يا غزال البراري

أتفاول بوجهك سعد من صرت فاله
وعلمهم أن يقولوا:

فدوة عيونك لو غدت روح مغليك

وش عاد لو راحت لعينك عشاير

وعلمهم أن يتصافوا بعد عتب:

لك حق تزعل ثم لك حق نرضيك

مقوى زعل حبيب قلبي وعيني

كل هذه الرومانسية كانت حيية يغطيها شفق من الحياء وتهمي هتانا شفيفا في أفئدة العاشقين! عندما أتأمل فيما يبوح به الفيصل أتعجب من العاشقين الجدد المراهقين حين يقول أحدهم لمحبوبته حين تعرت المشاعر:

روحي مراح القطا اللي راح

جعله مراح بلا رده!

تبا لهكذا عشق،، وتبا لهكذا نهاية وتبا لهذه الجلافة والفظاظة والغلظة..إن هذا هو العاشق العاق الذي يبيع من يحب لأتفه الأسباب لأنه في الحقيقة لا يعرف الحب! أتعجب أيضا من الحب الهزلي الذي لم يؤدبه الشوق، ولم تهذبه اللهفة، ولم يتجلل بجلباب الوقار ولم تسكنه السكينة، بل هو حب يحول المربعات لمستطيلات، وهو حب ثوري يحول العلاقة الإنسانية إلى معركة، فيها كل شيء إلا ما يمت للحب بصلة من لعن ومن مسرحة للعلاقات ومن تعال مصطنع وكل ما يؤكد أنه حب معاق مراهق ليس إلا!

إذن الرومانسية مذهب إنساني للنبلاء ذائقة، وليست مذهبا شعريا فقط، والحب صفة إنسانية يمارسها كل إنسان بطريقته حسب ثقافته ووعيه وظروفه النفسية والاجتماعية، ولكن قليل هم أولئك الذي يتحول حبهم الى مذهب إنساني يستحق ان نحترمه ونلتذ بروايته، وتكبر به الإنسانية ويتحول به كل شيء الى فضاء من الحب الصوفي المتعلق بالروح والذات، والمتعالي على الذات بل ينمو شجرا مورقا يتفيأ العشاق ظلاله الوارفة حين يتحول هذا الحب الخالد الى حضن دافئ نغرس قلوبنا فيه حين نشعر بفقد من نحب نستلهم منه العبرة والعزاء والعزة، والموت كما الشجر وقوفا إنه حب لا يهين ولا يخدش كرامة الذات، إنه حب يفتخر به، حب يعلمك ان تكون مثاليا في كل شيء يعلو على اللذة العابرة، ويخلد في الزمان والمكان، رافضا الموت، لأن الحب الحقيقي لا يموت.

لك الله شجر للموت ما ترخي الهامات

بقت وقفتك يا عالي الرأس مهيوبه