((حـرق الشعـر)) ..!

[align=center]في البداية أقدم شكري للأخ الشاعر ناصر تراحيب الذي سهل انضمامي لمنتديات (المرقاب) التي يتشرف أي شخص بالانضام إليها .. وأقدم تحياتي وسلامي لجميع المبدعين في المرقاب، ويسعدني ويشرفني أن أكون بينهم، وأستفيد منهم .....

وهذا مقال صغير عن (حرق الشعر) .. ويسعدني أن أستمع لآراء الجميع حول هذه الفكرة[/align]
[align=center]((حرق الشعـر))

حالات قليلة هي الحالات التي أتيح لنا الاطلاع عليها أو السماع عنها من حالات إحراق الشعر، ولعل من أشهرها ما ذكره عبدالله الحاتم في الجزء الثاني من مؤلفه (خيار ما يلتقط من الشعر النبط)، فقد ذكر في ترجمته للشاعر الكبير عبدالله بن ربيعه (ت 1273هـ) بأن السبب في قلة شعر بن ربيعة الذي وصل إلينا هو أن «جميع أشعاره وتقدر بثلاثة أكياس كبيرة ومملؤة أحرقت بعد موته، والذي أحرقها (هو) ابنه محمد، ولما سئل لماذا أحرقها قال: إنه (أي شعر والده) حديث الشيطان»؟!

ومن الشعراء المعروفين الذين أحرق شعرهم أيضاً الشاعر الكويتي فهد العسكر (ت 1371هـ)، فقد رمي هذا الشاعر بالكفر والإلحاد في حياته، وتم إحراق شعره بعد وفاته، لا اجد غرابة في قيام طرف آخر بحرق شعر الشاعر لأي سبب كان، لكن الذي أستغربه هو أن يقوم الشاعر نفسه بإحراق شعره سواء بطريقة صريحة ومباشرة أو بطريقة غير صريحة، فعندما يقوم الشاعر بإحراق قصيدة أو مجموعة قصائد لسبب وجيه فهذا أمر طبيعي، لكن الشئ المستغرب هو أن يقوم بإحراق قصائده دون تفريق بين الجيد والرديء، ودون إبداء سبب واضح لهذه (المحرقة)، ولعل أشهر الحالات التي يقوم فيها الشاعر بإحراق شعره بصورة صريحة هي حالة الشاعر المعروف حمزة شحاته (ت 1392ه)، فقد كان هذا الشاعر يقوم بعملية إحراق مستمرة لقصائده، حيث يعترف بأنه يحرق ما أنتجه من أدب كل عامين أو ثلاثة، إضافة إلى ذلك فقد سمعنا عن شعراء ندموا على (جميع) ما أبدعوه من الشعر في مراحل حياتهم، وتمنوا لو أتيح لهم مسح وإزالة ما علق منه في أذهان الناس، لاعتقادهم بأن الشعر بعمومه خطيئة أو ذنب يجب تكفيره والتوبة عنه قبل الرحيل عن الدنيا.

ربما كان السبب في هذا الاعتقاد الخاطئ هو الفهم القاصر من البعض لمعنى الآيات الكريمة التي نزلت في سورة (الشعراء)، فالبعض يفهم من تلك الآيات الأربع بأنها ذم للشعر وللشعراء على وجه العموم، وأن الشعر كله كذب وغواية عن الحق، لذا يجب تجنبه وعدم سماعه أو نظمه، أو يجب إحراقه والتخلص منه، مع أن الصحيح غير ذلك، وبإمكان القاريء الكريم الرجوع إلى الكتاب الصغير والقيم الذي جمع فيه الدكتور غازي القصيبي آراء المفسرين في هذه الآيات الأربع وناقشها تحت عنوان (من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون؟) وسيجد إجابة وافية وشافية عن هذا السؤال وأسئلة أخرى ذات علاقة بالآيات الكريمة.

وثمة ممارسات أخرى يقوم بها بعض الشعراء تمثل شكلاً آخر من أشكال حرق الشعر، ويتمثل هذا الشكل الذي يمكننا أن نطلق عليه اسم (الحرق غير الصريح للشعر) في قيام الشاعر بالامتناع عن جمع شعره، ورفض هذه الفكرة جملة وتفصيلا دون إبداء سبب واضح لهذا الرفض، ومن أبرز الشعراء الشعبيين الذين يمارسون هذا الشكل من أشكال حرق الشعر في حق شعرهم الأميرالشاعر سعود بن محمد آل سعود - متعه الله بالصحة والعافية - فعلى الرغم من أنه أحد الشعراء المبدعين الذين يمتلكون تجربة طويلة وثرية في مجال الشعر، إلا أنه يمانع في جمع شعره لسبب أو لأسباب غير معروفه، ولا شك بأن هناك شعراء آخرين يقومون بمثل ما يقوم به الأمير سعود بن محمد، مع أنه من المعروف بأن الشاعر - أي شاعر - يمتلك حرية اختيار القصائد التي يرى بأنها ذات مستوى جيد وتستحق الإدراج ضمن ديوانه، ويمتلك حرية استبعاد القصائد التي يرى بأنها دون المستوى، أو التي يشعر بأن فيها شكلاً من أشكال التجاوز أو الإساءة، كقصائد الهجاء أو قصائد الغزل الصريح والفاحش وغيرها.[/align]