النقد النبطي.. تمهيد

النقد بتعريف مبسّط تقليدي هو:
معرفة السليم من السقيم والمقدرة على التمييز بين الاشياء السليمة ايضاً فيما بينها وترتيبها تنازليا
على أسس من الخبرات السابقة والنماذج الصا لحة للمقارنة بالإضافة إلى ذاتية الناقد ومعرفته الشخصية
وهو شوط بعيدٌ بعيد... والكثير لا يعرف عن النقد شيء!!إلا التجريح واظهار مواطن الخلل
وبما أن مادته الأساسية هي الادب بكل صورة واشكالة!
فإن مدخل إلى علم الأدب في مكتبتنا العربية يحتوي على الف صفحة تقريباً فكيف بالنقد ذاته?!

إن الأدب يتبعه النقد قد مرا بعدة منحنيات منها الاتجاها ت المعروفة:
الرومانسية والكلا سيكية والتجريد إلى الحداثة ,وماافضت اليه من النظرية البنيوية والتفككية وغيرها
ولإن الشعر الشعبي يكاد يكون هو المتسيد لدينا في الخليج
فإن النقد الادبي الحديث للشعر الشعبي لم يخضع لمعاييرالنقد الأدبي للشعر الفصيح كما يجب.
إذ ان الشعر الشعبي لا ينتقد من قبل أُناس متقدمين في العربية الفصيحة وعلومها
بل يخضع لمزاج العربي النبطي وخبراته النقدية السابقة وهي باختصار المقدرة على ايصال المعلومة وبالتالي هو ينتقل من المعيار النقدي إلى معيار آخر هو الفصاحة
فحينما يقال افصح فلان عمّ في قلبه فهو استطاع ان يوصل لنا الفكرة التي يريدها بقالب من قوالب اللغة ايا كان ، وهذه مرحلة بدائية جدا في استخدام اللغة لغرض الغاية النفعية وليس المتعة الفنية
وبالتالي نجد ان المعا يير الموجودة اليوم عند المتلقي العادي للشعر الشعبي هي معا يير للفصاحة مع نزر قليل من النقدالأدبي الموجّه !!

فلا يكترث بالتشبيهات المعقدّة ولا بالايماءات ولا الاسقاطات ولا حتى جرس الكلمة وموافقته للمعنى ولربما لفت انتباهه الوصف فقط!
والوصف اعتبره من وجه نظري مرحلة بدائية ايضا من مراحل العطاء النقدي, فكاتب النص سواء كان شاعراً او ناثراُ لم يزد على أن وصف لنا مارأه دون أن يضيفه إلى غيره او يزيحه من سكونه إلى حيز آخر أكثر إضاءة وحركة
فماذا نقول وماذا نترك عن معايير النقد الحقيقي؟!
والتي جاء معظمهاعلى طريقة سلق البيض إذ أن الناقد حينما يتناول النص إماأن يكون (الكاتب) حاضرا في فكره في كل تعرجاته النقديه فهو يجامله ويحابيه وربماتزلّف له
وهنا يجب أن نتفهّم جيدا أن النتاج الادبي لا دخل له باحوال الكاتب الشخصية من رجولة وكرم ووالخ
فهاهي قصائد المارقين والزنادقة حية غضّة طرية بيينا ! بل أن قصائد المشركين كانت تروى امام رسولنا الكريم(صلى الله عليه وسلم) ويتمثل بها اصحابه من بعده وهذه أكبر ومضة نقدية تشير إلى أنه يجب تنحية (الكاتب) جانباُ اثناء تعاطينا لنصّه نقديا إلا فيمَ تأخذنا له القراءة النقدية المتكاملة من التعرض لحياته وما طرأ علهيا من سفر ومرض واحوال سياسية وغيره.

إذا ماذا تريديا.... بعدهذا الاستطراد الممل والاطناب المخل؟!

أقول إن آفة النقد عند معظم شعرائنا حالياً بل وبعض النقاد هي مسألة (الاتفاق والاختلاف) فمن لا يوافقني الرأي فهو ضدي ومن يوافقني هو حبيبي! وحينما ننظر لمسألة الاختلاف والاتفاق نجدها تتمحور حول (الجمال)وما يجوز أن نضعه تحت قائمته من مسميات او صفات(مبدع,رائع,جميل,رصين,جزل..الخ هذا القاموس)

والواقع يقول أن (الأدب) يختلف عن المسائل النظرية المعقدة والتي يجوز أن تخضع لمعايير منطقة بحته . بينما تخضع امور الادب لإمور تتعلق بالذوق والجمال وهي اكثر تعقيداً وأصعب تمييزاً. وكماهو معرف فإن ((الجمال)) لا يمثل ((علاقة)) صائبة في علم الرياضيات ابداً
ولا يمكن بحال من الاحوال ان نتفق جميعنا عليه أو نبرهنه فيقتنع الجميع!
ولذلك لا يمكن ان نمثل في اشكال((ven)) مجموعة تربط بين عنا صرها علاقة ((الجمال)) وهذا ليس لإن الجمال يخضع لحالة مزاجية بدون قيود !!
لا.. فالأمر اعمق بكثيرمن السطحيات هذه
هذا فيم يتعلق بالجمال من ناحية هل يجب أن نتفق عليه أم لا؟
واما النقد الأدبي للشعر الشعبي فإنه لا بد له اولا ً من شخص ممارس ومتمرّس طويلاً على هذا النوع من البحث والتأصيل لهذه الفلسفة والملكة النادرة التي يختص الله بها من يشاء
وليس كخيمة الرجل العربي القديم في عكاظ
والتي يطلق احكامها على الجميع: انت اشعر العرب!!
فكل من دخل عليه وانشده : قال انت اشعر العرب!! مع علم العرب السابقين باللغة العربية علماً واسعاً جعل القرآن يفحمهم .

يبدو اني قد ابعدت النجعه وانا أعتبر كلما كتبته مقدمة فقط ولم ادخل الى عمق التجربة النقدية
وما انا في هذا المجال إلا كما قال الشاعر:
أحب الصا لحين ولست منهم