التنصير في العراق

لم تكتف الولايات المتحدة باحكام احتلالها للأراضي العراقية والاقتراب من السيطرة علي آبار النفط المنتشرة في مختلف المدن العراقية ، بل سعت الإدارة الأمريكية لطمس الهوية العربية والإسلامية في العراق ، عندما اعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش علي نيته تغيير المناهج التعليمية في المدارس العراقية ، مما يعني وضع المناهج التي تتجاهل الحضارة والتاريخ العراقي من عقول أنباء العراق في المستقبل ، واليوم يأتي دور الحملات التنصيرية التي تسعي لنشر المسيحية في العراق ، حيث يتأهب المسيحيون المحافظون في الولايات المتحدة للزحف نحو العراق بحجة تقديم المساعدات للشعب العراقي ، لكن الهدف الأساسي لهذه الزيارات والمساعدات هي الدعوة التبشيرية ، ويتأهب فرانكلين جراهام ، الذي يعتير واحدا من أكثر الزعماء المسيحيين المحافظين تأثيرا في الولايات المتحدة ، ولا يخفي أبدا حقيقة أنه يرى الإسلام "دينا في منتهى الشر" ، يتأهب لمد أنشطته الخيرية إلى العراق ، وإرسال العديد من ممثليه الكنسيين مسلحين بالأناجيل والأغذية لمساندة العراقيين في معاناتهم الحالية .
ولا يقتصر الأمر على جراهام ، فهناك منظمات مسيحية أخرى مثل الكنيسة المعمدانية الجنوبية التي تعتبر أكبر كنيسة بروتستانتية أمريكية ساندت الحرب في العراق ، أعلنت أنها مستعدة هي أيضا للعمل في العراق ، والكنائس الامريكية لا تتحرج من الافصاح عن دوافعها.
وبعيدا عن تقديم العون المادي للشعب العراقي فإن القضية الأساسية - كما قال المتحدث باسم الكنيسة المعمدانية الجنوبية- هي "الوصول إلى الحرية الحقيقية مع يسوع المسيح".
وقد أثار المسيحيون أصحاب الأنشطة الخيرية بدعوتهم هذه ثائرة المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة ، ويقول إبراهيم هوبر من مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية إن من غير المنطقي لشخص يعتبر الإسلام "دينا شريراً" أن يساعد المسلمين في العراق ، ويتساءل هوبر "أليس هدف جراهام في الحقيقة هو أن يقتفي أثر جيش غاز في العراق وأن يجعل السكان يعتنقون المسيحية"، ويولد جراهام على الفور انطباعا "بحملة صليبة" .
وحذر نقاد آخرون من أن أي نشاطات تبشيرية تقوم بها الكنائس الامريكية من شأنها وحسب أن تعرض للخطر العلاقات المتوترة أصلا مع بغداد ، لكن فرانكلين جراهام ابن الداعية المسيحي الشهير بيلي جراهام ظل صامدا أمام هذه الانتقادات.
ويتمتع فرانكلين بصلات جيدة مع البيت الأبيض، وقد قال فور الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون "من فجّر هذه المباني ليسوا لوثريين ولا منهجيين إصلاحيين ، وإنما هم مسلمون".
ومنذ قدم جورج بوش الشكر لبيلي جراهام على تبنيه القيم المسيحية الخالصة في الثمانينات حظي بيلي وابنه فرانكلين بصلات جيدة مع بوش وإدارته.
وقد تلا فرانكلين صلوات الابتهال عند تولية بوش رئيسا للولايات المتحدة عام 2000 .
ولم يبد البيت الأبيض حماسا كبيرا للدعوة التي أطلقها جراهام وغيره من القادة المسيحيين المحافظين في أمريكا لمساعدة العراقيين، ولكن الحكومة الأمريكية لا تستطيع أن تمنع منظمات خاصة من المساعدة حسبما قال آري فلايشر المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض.
وقد تساءل معلق في مجلة "سليت" على الانترنت ما إذا كان يمكن أن تحقق الولايات المتحدة النصر على جيش دولة أخرى خلال ثلاثة أسابيع وتقف عاجزة عن التصدي "لمنظمات خيرية عازمة على إثارة القلاقل".
وجراهام ليس هو الوحيد الذي يعتنق تلك الآراء تجاه الإسلام ، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "إثيكس أند بابليك بوليسي" أن حوالي واحد وثمانين في المائة من الإنجيليين الذين تم استطلاع آرائهم يعتبرون اعتناق المسلمين في الخارج للمسيحية أمرا بالغ الاهمية .
وفي الجانب الأخر فقد سعت المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية العربية أن تعوض فشل الأنظمة العربية في مواجهة العدوان الأمريكي - البريطاني علي الاراضي العراقية منذ العشرين من مارس الماضي ، فهل تستطيع المؤسسات الدينية أن تلعب هذا الدور في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ الأمة العربية والاسلامية أمام العدوان والغطرسة الأمريكية .
حيث دعا الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس والأراضي المقدسة الأرشمندريت عطا الله حنا إلى عقد قمة روحية إسلامية - مسيحية بهدف اتخاذ موقف موحد وواضح تجاه ما يحدث في فلسطين والعراق من عدوان من قبل الدولة العبرية والولايات المتحدة وبريطانيا .
وقال الأب عطا الله إنه "على المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية على مستوى الوطن العربي أن تلتئم في اجتماع قمة تاريخية وحاسمة وهامة بهدف تدارس التحديات التي تعصف بالأمة العربية والمؤامرات الخبيثة التي تستهدف حضارتها وتراثها وهويتها العربية وروحانيتها وعقائدها الإسلامية والمسيحية".
ودعا القادة الروحيين المسلمين والمسيحيين في الوطن العربي إلى أن يجتمعوا ويتحاوروا ويتخذوا قرارات ومواقف تحمي الأمة وتدافع عنها في "وجه الغزاة الطامعين بمقدراتها وثرواتها المادية والروحية".
وأضاف أن "ما يحدث في فلسطين وما يحدث في العراق هو تطورات خطيرة وأحداث جسام، إذ أن أمتنا مستهدفة وما يريده الأعداء لنا هو طمس عروبة هذه المنطقة وجعلها أسيرة لأطماع استعمارية غريبة عن مفاهيمنا القومية والروحية".
وتابع الأب عطا الله يقول " هذه المرحلة التاريخية التي نمر بها تستوجب تعاون كافة المرجعيات الدينية لكي يضع الجميع جهودهم ويسخروا إمكانياتهم في الدفاع عن ثوابت هذه الأمة وعن وجهها الحضاري الإنساني العربي".
وأشار إلى " أننا نشهد تجاهلاً للأحداث الفلسطينية في ظل ما يشهده العراق من عدوان ولربما هذا ما يريده الاحتلال الذي يستشري في غطرسته وقمعه وقتله وهدمه للبنى التحتية".
وقال "إن القمة الروحية المسيحية هي مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى ، لا سيما أن التحديات كثيرة ، فلنضع اختلافاتنا العقائدية جانباً ولنتطلع إلى التفاعل الديني والحضاري خدمة لقضايا أمتنا العربية والإنسانية جمعاء، كما أن من واجب القادة الروحيين أن يبرهنوا للعالم أن ما تسعى إليه الصهيونية من صراع للحضارات والديانات هو أمر مرفوض ، إذ أنه يمكن للديانات والحضارات أن تتفاعل".
يذكر أن الأب بانا ريتوس الوكيل البطريركي وراعي كنيسة المهد في مدينة بيت لحم قد قرر حرمان كل من الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ووزير خارجيته جاك سترو من دخول الكنيسة إلى الأبد ، وذلك لقيامهم بشن الحملة الغازية ضد العراق ، ووصف بانا ريتوس بوش وبلير ورامسفيلد وسترو بأنهم مجرمو حرب وقتلة أطفال .
واستنكر الأب بانا ريتوس قتل الأطفال وقصف الكنائس والمساجد، مطالبا المجلس البلدي في مدينة بيت لحم بعدم استقبال المسؤولين المشار إليهم.
يأتي ذلك كرد مباشر علي أكاذيب الرئيس الأمريكي جورج بوش أنه يقود "حرب إلهية" لتحرير شعب العراق من طاغوت صدام حسين ، إلا أن البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان برأ المسيحيين من تلك الحملات الغازية التي يقودها بوش .
فهل تنجح تلك القمة الروحية المتوقعة بي المسلمين والمسيحيين فيما فشلت فيه السياسة الاستعمارية لدي الإدارة الأمريكية ، التي تُطلق عليها بعض الجهات "حملات صليبية" ؟

سلمت الحريه التي تنادي بها امريكا للشعب العراقي. و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم

نقلاً عن قناة المحيط.